المرأة ـ ـ ضوؤها الشاعر ! * ح 3
المرأة ـ ـ ضوؤها الشاعر ! * ح 3


بقلم: د. رضا العطار - 13-11-2016


الصورة المثالية التي يرسمها المجتمع للرجل، تختلف عادة كل الاختلاف. فالرجل المثالي هو الرجل العدواني المقتحم المقدام القانص الغازي المنتصر، الصياد الماهر القادر على انتزاع ما يريد من الحياة، وعلى املاء وجوده وارادته وافكاره على الاخرين – وهو القوي الذي لا يضعف والصلب الذي لا يلين، الذي تندرج عدوانيته كسمة لازمة من لوازم رجولته او ذكوريته - - والرجل عادة ما يتبنى الصورة التي يواجهه بها المجتمع سواء كان قادرا على تمثيل هذه الصورة نفسيا او لم يكن، وهو عادة يتظاهر بتبني الصورة ليتواءم مع مجتمعه الذي يدفعه دائما وابدا تجاه المزيد من التبني لهذه الصورة.

والصورة المثالية التي يطرحها المجتمع للرجل وللمرأة تتسق مع حاجات هذا المجتمع في كل مرحلة من مراحل تطوره، وقد يتطلب المجتمع من الرجل الفاعلية والايجابية في مرحلة، وقد ينكر عليه هذه السمات ويسلبها منه في مرحلة تالية - - وما دام خط التطور في المجتمع الطبقي خطاٌ صاعدا، استمرت حاجة هذا المجتمع لفاعلية الرجل وايجابيته والى سلبية المرأة وانصياعها – والمجتمع الطبقي في حاجة الى هذه الايجابية لضمان تطور اقتصاده ومؤسساته السياسية ولاجتماعية والثقافية والى تلك السلبية لضمان اسس الملكية الفردية التي يستند اليها.

اما اذا بدأ خط تطور المجتمع يعاني الهبوط بدلا من الصعود ودخل هذا المجتمع ازمة من ازماته الخانقة، اصبحت فاعلية الفرد وايجابيته عنصر تهديد لهذا المجتمع وتوقف امكان استمرار نظام هذا المجتمع على شل فاعلية الرجل وايجابيته وتحويله الى انسان مسلوب الذات والارادة، تملي عليه السلطة تفكيره ومشاعره وارادته وفعله – اي على تحويل هذا الرجل الى شئ.
وقد تصاعدت ازمة مجتمعنا العربي حتى بلغت اوجها في القرن الاخير وتمخضت عن عملية قمع مادية ومعنوية شرسة، تواضعنا على تسميتها بازمة الحرية والديمقراطية- وتحت وطأة هذه الازمة تتحطم الاطر التقليدية للمجتمع العربي، وتتحطم بالتالي الصورة التقليدية للرجل والصورة التقليدية للمرأة، وهذا يعني سلب الانسان حريته سواء كان رجلا او امرأة وتحويله بالتالي الى شيء يمارس القهر المادي والمعنوي على كل المستويات.

ان حرية الانسان تتمثل اولا في ذات حرة قادرة على ان تصدر من فكر مستقل ومشاعر مستقلة وفعل مستقل - - وتتمثل ثانية في قدرة هذه الذات على الدخول في علاقات صميمية مع المجتمع والناس من حولها، علاقات تغتني بها الذات وتغنى الاخرين.
وبدلا من الوعي المستقل الذي يصدر عن الذات يحل الوعي الزائف الذي تغرسه وسائل التربية والاعلام والتقاليد بداية بالاب وانتهاء بأعلى هرم السلطة وبدلا من القدرة على التفاعل الخلاق مع الاخرين والمجتمع يصيب الفرد بحالة الشيئية والاغتراب التي يستحيل في ظلها ازدهار علاقة انسانية او اجتماعية - - وفي ظل هذا المناخ من القهر تضيع القيم ويشيع الشعور بالاحباط وينفجر هذا الشعور عنيفا مجنونا في محاولة لتدمير الذات وتدمير الاخرين. وتتحكم الصورة التقليدية للرجل كما تتحطم الصورة التقليدية للمرأة. ويصاب الادب والاديب بالدوار وهو يحاول الامساك بواقع تحللت اطره.

وقد ادى هذا الوضع بالنسبة للمرأة العربية الى حدوث ازمة في الحرية العربية.
ويتأثر وضع المرأة ودورها في المجتمع بوجه خاص بالثقافة والحضارة التي تعيش فيهما. فالثقافة هي المحك الرئيسي في تكوين الشخصية، فشخصية المرء نتاج اساليب التنشئة الثقافية والحضارية – والفروق بين الجنسين – الرجل والمرأة – تفسير في ضوء المستوى الثقافي والحضاري للمجتمع، علما ان البحوث السيكولوجية الحديثة قد اسفرت عن انه في مراحل العمر المبكرة تتفوق الاناث على الذكور في مستوى الذكاء العام، وان الذكور يتفوقون على الاناث في نهاية مرحلة المراهقة وبد سن الرشد - - كما اثبتت بحوث اخرى ان الاناث اكثر قابلية لتأثيرات المجتمع واكثر توافقا معه، ويقبلن ما رسمه لهن المجتمع من دور خاص بهن كإناث يتلخص في السلبية والتبعية، وفي تهيئة الدور الخاص بالانثى كأم او زوجة وربة منزل، خاضع لسيطرة الرجل.

ان ثقافة المجتمع هي التي تحدد وضعية المرأة، وقد يكون ذلك خلال التنشئة في الاسرة او في انماط التحصيل الدراسي او في التوجيه الى اختيار مهن معينة بهدف تقوية ودعم الاحساس بالجنس، بمعنى آخر بالانوثة كما رسمها المجتمع في عمليات التنشئة الاجتماعية ذات الاثر الواضح في تحديد مضمون الذكورة والانوثة وفي خلق ما بينهما من فروق تجعل الانثى اقل طموحا من الرجل في مشاركتها لادارة شؤون مجتمعها في الاوجه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتجعلها اكثر شغلا بأمور الزواج والجنس وارضاء الرجل - - وحقيقة الامر ان الانثى ليست اقل طموحا من الرجل، فالمرأة تتفق مع الرجل في الاصل، اي في بدأ الحياة الزوجية وفي التكامل، وان قيل ان المرأة تختلف عن الرجل ماضيا وحاضرا.
والان تلح علينا استفسارات عدة، محورها دور ثقافة المجتمع العربي في خصوصية وضعية المرأة حول ازمة الديمقراطية والحرية المتجسدة في دور الاسرة العربية في عملية التنشئة الاجتماعية وتأثرها بالتغييرات التي يمر بها الوطن العربي اليوم.
وتستلزم مناقشة هذه التفسيرات البدء بمعرفة اهم اشكال الاسر العربية التي اثرت في وضعية المرأة الحالية - - - فلقد كان الشكل الاول للاسرة العربية هو العشيرة. وفيها حافظوا على حرفية التعليم كالولاء للاب صاحب السلطات الواسعة في القضايا الاجتماعية وتميزت بتعدد الزوجات وتمجيد الذكور – مما ادى ذلك الى سلبية دور المرأة في العشيرة. هذه السلبية افقدت المرأة حرية الرأي والتعبير والمشاركة الجماعية.

اما الشكل الثاني هو الاسرة الممتدة، وقد ظهر هذا الشكل بعد موجات الفتوحات الاسلامية الاولى – وتميزت فيه الاسرة بانها مستقلة، وتشكل وحدة اجتماعية محتفظة بثقافة العشيرة وتقاليدها فاعتبرت المرأة أداة للأنجاب فقط. - - وبهذا يمكن القول ان دور المرأة في شكلي الاسرة العشائرية والممتدة قد فرغ من مضامينه الاجتماعية والسياسية واقتصر على الانجاب ورعاية الاولاد والزوج.

والشكل الثالث هو الاسرة النووية وفيها يغلب طابع الاستقلال الاقتصادي للزوجة، و بالمقارنة النسبية للشكلين الاوليين. مما ادى الى ازدواجية الادوار التي تقوم بها المرأة، اذ عليها ان تعمل خارج المنزل طبقا للمعايير الحديثة التي اعطتها حق الاستقلال الاقتصادي عن الاسرة – كما عليها ان تعمل ضمن الواجبات نفسها التي كانت تقوم بها طبقا للمعايير القديمة التي احتفظت بها، من ثقافة العشيرة والاسرة الممتدة – لان كل من الرجل والمرأة لم يتغير، ولم يتقبل الرجل بعد ان يكون على علاقة الند بالمرأة في مشاركتها في شؤون مجتمعها او مشاركته لها في شؤون الاسرة - - فلم يقدم لها اي نوع من المساعدة.

ومجمل القول ان نوعية التغيير الذي طرأ على شكل الاسرة لم يكن تغييرا حقيقيا في المضمون. وانما كان اقرب الى التغيير الشكلي المظهري مع استمرار بقايا ثقافة وتقاليد العشيرة والاسرة الممتدة التي دُعمت بتفسير بعض نصوص الشريعة الاسلامية بشكل يحقق هدف الرجل في التسلط والسيطرة وامتلاك المرأة والعمل والسياسة - - فشاعت الممارسات التي تؤكد قوامة الرجل على المرأة العربية والتي احبطت البعد الثوري المتعلق بالمرأة في الاسلام.
ومن خلال هذه التناقضات الكثيرة في العالم العربي نبتت بذور كثيرة.
وكانت من بين هذه البذور، بذرة نزار قباني التي نبتت في تربة المتناقضات العربية.
فمن خلال المجتمع العربي ونظامه الاقتصادي المعاصر، ومن خلال الديمقراطية العربية الغائبة والحرية العربية المهدورة ومن خلال علاقات العالم العربي السياسية ومن خلال ازمة الثقافة وتموضع المرأة في المجتمع العربي ومن خلال كل ذلك نبتت بذرة (نزار قباني) الشعرية.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني.




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google