الدين ليس لله و الوطن ليس للجميع
الدين ليس لله و الوطن ليس للجميع


بقلم: حيدر الصراف - 14-11-2016
عندما تفرض مجموعة دينية مهما كبرت و تعاظم شأنها و كانت اكثرية الشعب ارائها و افكارها و معتقداتها بالقوة و الترهيب و تحت طائلة العقوبات و الغرامات على اتباع الديانات و المذاهب و المدارس الفكرية الأخرى القليلة العدد سكانيآ قياسآ الى المجموعة الكبيرة المهيمنة و التي تأخذ من هذه الغلبة العددية سلاحآ يجبر باقي الأطياف على الأنصياع و الأنقياد لأوامر و ارشادات الكتلة الأكثر نفوسآ و مهما يكن من مجاملة الأقلية الدينية او المذهبية للأكثرية من خلال المشاركة الفعالة و الحماسية في الطقوس و المناسبات لكنها تبقى موضع شك وعدم يقين لأنها ليست نابعة عن حرية آمنة او قناعة كاملة انما من منطلق الحماية من الأبتلاع و الألغاء و الدفاع عن ذلك الكيان الديني او الفكري الصغير في المجتمع .

ان الأستقواء بالأغلبية في سلب حقوق الأقلية هو اسلوب تأريخي موغل في القدم لكنه لا يكلل بالنجاح دائمآ انما كان الفشل الذريع حليفه في اغلب الأحيان لما كانت عليه الأقليات و ما تملكه من رسوخ و ثبات في العقائد و صدق و اقتناع في النوايا و الضمائر كان سبب بقائها لم تغلبها رياح الأكثرية و لم تقتلع جذورها عواصف الأغلبية و لنا في ( الصابئة المندائيين ) الأقوام القديمة التي استوطنت ( بلاد الرافدين ) و لم تغادرها الا قسرآ و اجبارآ و بقيت قلوبهم تهفوا الى ديار الوطن و عيونهم ترنوا اليه شوقآ و اشتياقآ فهم استطاعوا بحنكة مشايخهم و حكمة كبارهم من الأحتفاظ بطقوس ديانتهم و قدسية انتمائهم العقائدي مع التمسك بالعلاقات القوية الأواصر مع جيرانهم من الأديان و المعتقدات الأخرى و التي ظلت مشوبة بالأحترام و التقدير و قد كانوا صادقين في مشاعرهم تلك و قد بادلهم المجتمع المحيط بهم ذو الأغلبية المسلمة المحبة و الأحترام مع بعض المخاطر من تصرفات ( التكفيريين ) .

اما اتباع و معتنقي الديانة المسيحية الذين لم يستطيعوا ان يجاروا الوضع القائم حاليآ و لا ان يتماشوا معه و ان فعل القليل منهم ذلك خوفآ و دفاعآ عن انفسهم و عن اماكن صلاتهم و عبادتهم ( وهم على حق في هذا ) لكن الأغلبية الساحقة منهم فضلت الهجرة و الهروب من البلد الذي كانوا هم مواطنيه الأوائل و ساكنيه القدامى قبل الأجتياح الأسلامي و طغيان الدين الجديد و هاهو التأريخ يعيد نفسه و تحل الكارثة على من تبقى منهم فكانت قراهم و مدنهم في شمال ( العراق ) عرضة لغزو و نهب ( داعش ) الذي فرض الجزية المالية عليهم و ساق نساؤهم الى اسواق العبودية يعرضن للبيع و الشراء و المساومة في سوق النخاسة اما في وسط ( العراق ) و جنوبه حيث ميليشيات الأحزاب الأسلامية كانت لهم بالمرصاد حتى صودرت املاكهم و بيعت بثمن بخس تحت تهديد السلاح و احتلت المساكن الخالية التي هجرها اصحابها و هربوا الى بلاد ( الله ) الواسعة .

اما ما تبقى من السكان هم من المسلمين وحدهم ( مع اعداد قليلة من اتباع الديانات الأخرى ممن لم يحالفهم الحظ في الهروب و الهجرة ) في هذه البلاد الواسعة الأرجاء و كما هو ديدن كل الأديان التي لا ترى الصواب الا في جانبها و الحقيقة المطلقة من املاكها فكانت التفرقة و بث الأحقاد و الضغائن بين البشر فكان ان انقسم اصحاب الديانة الواحدة بعد ان خلت الساحة لهم و هذه المرة الى ( سنة وشيعة ) خصوم و اعداء يتقاتلون اعنف القتال و اكثره دموية و دارت سنان الحرب المجزرة بكل وحشية و شراسة الأنفلات من العقل الأنساني و غيابه التام و هكذا ادى التعصب العقائدي و التشدد الديني الى الحروب و التهجير بين اتباع الديانات المختلفة و عندما ضاقت الحرب و صغرت حلقاتها اصبحت بين اجنحة متصارعة من الدين ذاته و ربما سوف تنكمش اكثر و يكون النزاع بين اتباع المذهب الواحد و هكذا الى ان تنتهي بعدها بحروب بين سكنة الأزقة و الزواريب .

مساواة المواطنين و العدالة فيما بينهم في الحقوق و الواجبات تبدأ من حذف ذلك الحقل ( اللعين ) المرسوم في اوراق الجنسية و المتعلق بالهوية القومية و المعتقد الديني هذان العنوانان اساس الفرقة و التشتت و تفتيت النسيج الأجتماعي و اقامة كانتونات عرقية عنصرية في الأحياء من المدن ترفض سكنة قادمين من قوميات مغايرة و اخرى دينية او مذهبية لا تقبل ان يقطن في احيائها اناس من اديان او مذاهب اخرى و هكذا سوف تصغر الروابط الأنسانية و تذوي اكثر و تكثر معها التقسيمات و التجزئة في حين كان من المفترض و من الجميع و من كل التنوعات العرقية و المعتقدات الفكرية الذوبان في بوتقة الوطن و يصبح بالتالي الأنتماء الوطني هو الهوية الوحيدة و مستمسك الأثبات .

حيدر الصراف



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google