عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (٢٥)
عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (٢٥)


بقلم: نــزار حيدر - 15-11-2016


عْاشُورْاءُ
السَّنَةُ الثّالِثَةُ
(٢٥)
نـــــــــزار حيدر
انّ قول الامام الحُسين السّبط عليه السلام {كُونُوا أَحْراراً في دُنياكُم} هو نفس قول الأَمام أَميرُ المؤمنين عليه السّلام {وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً}.
كيف؟ ولماذا؟!
أَوَّلاً؛ يلزم ان نعرف جيداً بأَنَّ الحريّة لا تعني أَنّك تفعل ما تُريد، وقت ما تُريد، أَبداً، فتلك هي الفوضى والتّعدّي بعينهِ، وانّما تعني ان لا تفعل ما لا تريد، ويتحقق ذلك عندما تمتلك الاختيار بيدكَ، امّا اذا كان بيد غيركَ وكنتَ مُسيَّراً فسيفرض عليك الآخرون مالا تُحبُّ أَو ترضى أَو ترغب.
انّ الحريّة التي تعني في جوهرها المسؤوليّة، يحدِّدها الضَّرر والضِّرار كما يُطلق عليه في الشّرع، سواء على الصّعيد الشّخصي أَو على الصّعيد الاجتماعي العام.
فالإنسان حرٌّ في الفكر والعقيدة وفي القول والعمل شريطة ان لا يتجاوز حدود ذلك سواء على نَفْسهِ او على الآخرين، فليسَ من حقِّ أَحد ان يقولَ بانّهُ حرٌّ يمتلك نَفْسَهُ وهو يُرِيدُ ان يقتلها ولا يُرِيدُ العيش في هذه الحياة! فذلك إِنتحارٌ حرامٌ شرعاً وممنوعٌ قانوناً، لماذا؟ لانّهُ تجاوزٌ على النّفس! وتعدٍّ على حدود الحريّة، وكذا في سائر الامور الخاصّة والعامّة على حدٍّ سَواء.
ولذلك نُلاحظ كلّ هذا الجدل التّاريخي المُزمن بشأن الإجهاض!.
حتّى الأَكل والشِّرب المُضرَّين ضرراً بليغاً لا يجوزان، فليس من الحريّة أَن يُسرف المرء فيهما حتّى الموت أَو الضّرر البليغ جداً بذريعة الحريّة الشّخصية وامتلاك المرء مصيرهُ!، أَبداً، ولذلك مثلاً قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ولهذا السّبب فعندما حرَّم الله تعالى شيئاً أَو أَحلَّ شيئاً آخر فليس من بابِ مُصادرة حريّة النّاس كما يفهم البعض، ابداً، وانّما من باب تقنين الحريّة لتكون لصالح النّاس وليس ضرراً عليهم، كما لو انَّ الأبوَين منعا إِبنهُما من شَيْءٍ فذلك لا يُعدُّ سلباً للحريّة وانّما لمصلحةٍ يرتئيانِها له قد لا يستوعبها هُوَ.
كذلك القانون فالكثيرُ من النّاسِ يتصوّرون انّهُ يسلب حريتهم التي يعتقدون انّها مطلقةً، ناسين او متناسين بانّ القانون يأخذ بنظرِ الاعتبار المصلحة العُليا للفرد في المجتمع كما انّهُ يأخذ بنظرِ الاعتبار المصلحة العامّة للمجتمع، فاذا حدّد القانون جزءً من حريّة الفرد فانّما ذلك بسبب حرصهِ على حريّةً أَوسع وأَهم الا وهي حريّة الآخرين، ولذلك قيل انّ حريّتك الشّخصية تنتهي عند حدود حريّة الآخرين!.
ولقد حدّد رسول الله (ص) كلّ فكرٍ وقولٍ وعملٍ بعدم الضّرر، بقولهِ (ص) {لا ضَرَرَ ولا ضِرار في الإسلام} في القصّة التّالية.
ففي حديث زُرارة، عن أبي جعفر (ع) قال؛ إِنّ سمرة بن جُندب كان لهُ عذقاً في حائطٍ لرَجلٍ من الأنصارِ، وكان منزل الأنصاري في وسطِ البُستان، فكان يمرُّ بهِ إلى نخلتهِ ولا يستأذن، فكلّمهُ الأنصاري أن يستأذنَ إذا جَاءَ فأبى سمرةُ، فلمّا كرّر عليهِ الطّلب وأبى، جَاءَ الأنصاري إلى رسول الله (ص) فشكاهُ إليهِ وأَخبرهُ بالخبرِ، فأشار إليهِ رسول الله (ص) وأخبرهُ بقولِ الأنصاري وشكايتهِ، وقال {إذا أردتَ الدُّخول فاستأذِن} فأَبى، فساومهُ الرسول (ص) حتى بَلَغَ بهِ من الثَّمن ما شاء الله فأبى أن يبيعَ.
فقالَ لهُ رسول الله (ص) {لَكَ بها عِذقٌ نمدُّ لك في الجنّة} فأبى أن يقبلَ، فقال (ص) للأَنصاري {إِذهب فاقلعْها وارمِ بها إليهِ، فإنَّهُ لا ضَرَرَ ولا ضِرار}.
وفي روايةٍ أُخرى، عن زُرارةٍ، عن أبي جعفر (ع) نحوهُ، إلا أَنّهُ قال: فقالَ لهُ رسول الله (ص) {إنَّك رجلٌ مُضارٌّ، ولا ضَرَرَ ولا ضِرار على مُؤمن) قال: ثم أمرَ بها فقُلعت وَرمى بها إليهِ، فقال لهُ رسول الله (ص) {إِنطلِق فاغرسْها حيثُ شِئْتَ}.
فلا يعني أَبداً انَّك اذا اردتَ ان تتمتّع بحرِّيتك يحقّ لك ان تؤذي الآخرين أَو تتجاوز على حدودهِم وحقوقهِم وحريّتهِم، فتلك ليست من الحريّة في شَيْءٍ أَبداً، وانّما هي من الظُّلم الفاحِش.
ولهذا السّبب نرى انّ الامام السّجاد عليّ بن الحُسين زين العابدين (ع) حدّد في رسالةِ الحُقوقِ العظيمةِ، وهي واحدةٌ من النّصوص الباهرة المتعلّقة بالحقوقِ والتي سبقت كلّ الوثائق والنّصوص الدّولية بأَربعة عشر قرناً، يُحدّد لكلِّ شَيْءٍ ولكلِّ أَمرٍ حدودٌ وحقوقٌ، جوهرُها كلّها قاعدة [لا ضَرَرَ ولا ضِرار].
١٤ تشرين الثّاني ٢٠١٦
لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google