الزيدية، متى نشأت وكيف انتشرت ؟ ح 2 *
الزيدية، متى نشأت وكيف انتشرت ؟ ح 2 *


بقلم: د. رضا العطار - 17-11-2016

مقتبس من كتاب (شخصيات غير قلقة في الاسلام) لهادي العلوي

ان خروج زيد من الحجاز واقامته اوقاتا متفاوتة في الكوفة والبصرة والشام قد فتح ذهنه على امور مغايرة لما كان عليه اهل بيته في الحجاز، ويدخل في ذلك اباحته للنبيذ على مذهب العراقيين، واحكام زيد الفقهية اقرب الى مذهب ابي حنيفة منها الى الفقه الشيعي بفرعيه الجعفري والاسماعيلي. على انه حمل المبادئ المشتركة للشيعة فيما يخص قضايا العدل والمساواة بين العرب والموالي (المسلمين من غير العرب)، ومن ذلك انكاره شرعة (زواج الاكفاء) والمقصود منها عدم زواج العربية من غير العربي، الذي عمل به عمر بن الخطاب، ثم تمسك بها الامويون. حيث انهم كانوا يفرقون بين العربية وغير العربي بقوة السلطة، اذا ما وقع الزواج بينهما. وقد استنكرها زيد واعتبرها مخالفة للاسلام. واعتبر العقد صحيحا بصرف النظر عن اصل الزوجين. وكانت لائمة اهل البيت عناية بفكرة المساواة بين العرب والموالي سجلت في فقههم كما في سلوكهم الاجتماعي، وكان الامام زين العابدين والد زيد يتعمد مجالسة الفقهاء من اصول غير عربية تاركا الفقهاء من اصول عربية متحملا اعتراضاتهم عليه، غرضه من ذلك هو تأكيد المساواة بصرف النظر عن الاصل العرقي او الاجتماعي.

دعا زيد الى رفع السلاح ضد الامويين واعتبره من شروط الامامة، وكان والده زين العابدين قد ارخى عليه ستره بعد فاجعة كربلاء التي شهدها مريضا فنجا من القتل، وتابعه في ذلك وريثه الامام محمد الباقر . . الى آخر الائمة. وياتي اتجاه زيد في السلاح خلافا لنهج والده واخيه وورثتهم من الائمة، ومن هنا اقترنت الزيدية بالفعل. كما يقول الجاحظ (ان ازهد الناس في الناس ارغبهم في الاخرة وآمنهم على نفائس الاموال وعقائل النساء واراقة الدماء).
يخلو تاريخ زيد من تفاصيل تخص نشاطه السياسي، وليس لدينا ما يدل على انه سعى لتشكيل حركة سرية تمهد لثورة، ولكن هناك ما يدل على انه نشط في هذا الاتجاه، وان اخباره تناهت الى الامويين.
لقد توجه زيد من الشام الى الكوفة، لكن هشام بن عبد الملك كان يسعى للتخلص من زيد باقل كلفة لولا ان زيد كان قد حسم موقفه وعزم على الوثوب بأهل الكوفة وعموم العراق. وعندما تبلّغ الوالي الاموي في العراق يوسف بن عمر بأمر الخليفة هشام، استدعى زيد وطلب منه مغادرة الكوفة الى الحجاز. فتعلل زيد باسباب تمنعه من السفر، فاخذ الوالي بمدارات زيد الذي بدأ يتنقل بين الكوفة والبصرة وارسل الدعاة الى الموصل، وكان الوالي يرصد تحركاته، فعلم ان زيد حشر انصاره في المسجد الكبير في الكوفة وكان يتسع لبضعة آلاف، وخطب فيهم، لكنهم تباغتوا بالجيش الاموي يهجم عليهم من الجوانب ويرجمهم من سطوح المسجد بالحجارة الثقيلة ، وقد ارسل الوالي مفرزة للقبض على زيد لكنه خرج من مكمنه مع خلصاء اصحابه، وقد علم بعد ذلك بان انصاره قد فروا امام الجيش ولم يبق في المسجد اكثر من مائتين تابع محصورين. وعلم ان سره قد انكشف. فارسل من ينادي بشعاره، فجاءه بعض القواد ممن افلت من الحصار. وهنا اشار اليهم بالتوجه بالقوة التي عندهم الى المسجد في محاولة لفك الحصار عمن فيه. فتصدت لهم قوة من الجيش الاموي فهزمهم. فتراجع زيد بعد ان يئس من اقتحام المسجد. لكن زيد تمكن من تنظيم الصفوف وجمع الانصار الذين تكاثروا على ضفاف نهر الفرات، وتجدد الصدام، فحمل عليهم انصار زيد حملات متلاحقة، ادت الى انكشاف صفوف الجيش، وارتكبت خيولهم امام هجمات صاعقة، اخذ زيد يشنها عليهم من جهات مختلفة مستفيدا من تعقد دروب المدينة وضيقها.
وإذ راى الوالي ضعف جنوده الشاميين امام الضربات التي تلقوها من جماعة زيد، عبّا له قوة منتخبة من اتراك آسيا الوسطى، مدربين على الرمي بالسهام، وكان الامويون قد استخدموا الاتراك في تشكيل اجهزة الشرطة والجيش لعدم اطمئنانهم الى العرب. الذين استعصى ترويضهم - - وداهمت القوة التركية زيد واصحابه، فجمدت حركتهم، وقتل في هذه الاثناء عدد كبير من اصحابه المقاتلين واستمر القتال مع الاتراك حتى العشاء، وزيد ثابت في موقعه، فأصابه سهم في راسه، فانحاز بمن معه الى منزل لبعض انصاره، وجاؤوا بطبيب جراح، فأعلمه انه اذا اخرج السهم، سيموت، فقال له زيد : انزعه ! وذلك من شدة الالم، فنزعه الطبيب ومات بعد ساعة. وبقى على اصحابه تدبير دفنه في مكان سري، فدفنوه في مجرى ماء، لكن الامويين اكتشوه فنبشوه وصلبوا جثته بعد ان قطعوا راسه.
وانسحب ابنه يحيى الى خرج الكوفة واعتبرت الحركة الزيدية منتهية من تلك اللحظة.
بقى جسد زيد مصلوبا في الكوفة حتى مقتل ابنه يحيى في خلافة الوليد (الثاني) الذي امر والي الكوفة بانزاله واحراقه. ونفذها الوالي يوسف عمر باضافة من عنده، اذ امر ان ينثر قسم من رماده في نهر الفرات والقسم الاخر في المزارع. وقال لاهل الكوفة انه فعل ذلك حتى يجعلهم يشربونه في مائهم ويأكلونه في طعامهم.
وبعد مقتل زيد انتشرت حكايات تبين مدى تعلق العوام به، فقيل عنه انه كان يقاتل وفوقه سحابة بيضاء، تظلله وتحميه من اشعة الشمس.
كما وردت حكاية اخرى تقول : عندما صُلب زيد تدلت بطنه الى الاسفل لتغطي عورته، لئلا تبقى مكشوفة. وقد بقى الخيال الشعبي العراقي سائدا ومستمرا الى عصرنا الحاضر، اي بعد مرور اكثر من الف سنة، فقبل ان يغتال الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم، كان العراقيون (يرون) صورته مطبوعة على وجه القمر.

الى الحلقة التالية !



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google