مبادرة للتسوية.. لا تاريخية ولا مستقبلية!
مبادرة للتسوية.. لا تاريخية ولا مستقبلية!


بقلم: د يوسف الاشيقر - 18-11-2016
يجري الحديث حاليا عن مناورة سياسية جديدة للضحك على الجمهور العراقي الغاضب وبعض اطراف المعارضة بدعوى المبادرة للتسوية. ومع الاحترام والتقدير لبعض القائمين عليها والمنخدعين بها فانها مراوغة جديدة لكسب الوقت وتثبيت العروش والاستئثار بالسلطة والايقاع بالخصوم وتهميش البدائل ويجب ان لاتنطلي على احد. هي لاتختلف بالجوهر عن مبادرات ومواثيق اربيل ومكة وبغداد والانبار وغيرها التي لحسها موقعوها حتى قبل ان يجف حبرها. بل لم يمر 6 اشهر بعد على وثيقة اللاشرف التي وقعتها نفس الاطراف الفاسدة بداخل المنطقة الخضراء المغبرة وبنفس الرعاية وكانت وبالا عليهم وعلى البلد. فاي مبادرة جديدة يطلقها فاشلون في الحفاط على توافقهم وتعهداتهم ونواياهم الذي مهروها بشرفهم قبل عدة اشهر ثم باعوه؟ واين هي انجازاتهم الملموسة من قبل المواطن ليبادروا مستندين عليها؟



ان اي مبادرة تاتي من نفس الاحزاب والكتل الموغلة بالفساد والطائفية والمحاصصة التواطؤية لا يترجى منها سوى: شرعنة كل سرقاتهم السابقة والحالية والطمطمة عليها, وتبريرا لانتهاكاتهم لحقوق الانسان والوطن وتهديم مفهوم الدولة الفيدرالية الدستورية الموحدة, والعفو عن فسادهم واخفاقهم واجرامهم الذي وصل ابعد افلاك المجرة, وللضحك على جمهور غير جمهورهم كالمدنيين والعلمانيين وخاصة من السنة الذي بدؤوا باستنشاق هواء الحرية والخلاص من داعش في الموصل والانبار ومن الاكراد الذين صاروا لايطيقون بعد العشائرية والعوائلية بل الفردانية التي تدار بها امورهم واقدارهم من داخل الاقليم او من المركز, ولسحب البساط من المكون العراقي الرابع اللاديني واللاقومي الذي بدأ يظهر ويتنامى بين كل الاطياف الثلاثة المتصارعة والمتقاسمة للحكم والغنائم والفشل من شيعة وسنة واكراد ويقضم منها جمهورها واسسها ومبررات وجودها, واخيرا لضمان دور مستقبليي غير متوقع لهم في ادارة البلاد والتحكم بمصيرها بعد ان فقدوا ثقة الجميع بهم داخليا واقليميا ودوليا وخاصة بعد تولي ترامب للرئاسة في امريكا. فالكل يعرف ومتيقن ان ترامب لن يسامح اي من الاطراف الدينية والمذهبية والقومية الحاكمة الان في العراق والمنطقة وستكون له صولات وجولات ضدهم.



الجزرة الوحيدة التي يقدمها رعاة هذه المبادرة هذه المرة هي لبعض الاطراف البعثية والموصلية الغربية بالذات والتي تواطأت سابقا مع داعش بدرجة او اخرى ولم تحارب معها علنا. وهذا بحد ذاته يكشف عقلية القائمين عليها ومدى استعدادهم للتنازل والهبوط اخلاقيا وسياسيا مقابل ضمان تمسكهم بالسلطة ولو بالمشاركة مع الدواعش ولكن ليس على حساب تنازلهم عن مكتسباتهم غير المشروعة والاحتكام للعقل والديمقراطية والليبرالية وتبني مشروعا وطنيا مدنيا تحرم به الاحزاب الدينية والمذهبية والشمولية بكل انواعها من المشاركة في ادارتها, باعتبار ان المتدينيين هم جميعا طائفيين بكل الوقت ولايمكن ان يكونوا بيوم من الايام حكما عدلا بينهم وبين مواطنين اخرين مختلفين معهم بالمذهب اوالعقيدة او القومية. كما ان كل شمولي يقدس نصا او فكرة او عقيدة خيالية بدماغه ويعتبرها اولى من الانسان وعلينا التضحية لها هو لايناسب هذا العصر ولا يمكن ان ينفع احدا غير نفسه وانانيته وخرافاته وادعاءاته.


التسوية التاريخية تتطلب ليس فقط محاكمة وتجريم الافراد والجماعات التي اوغلت بدمائنا ومصائرنا ثم العفو عنهم بحجج واشتراطات مثل تاسفهم على افعالهم وادانتها والالتزام بالعملية السياسية والوعد بعدم تكرارها مع ضمان الالتزام والعقوبة ان عادوا لها او هددوا بها مجددا, ولكن تشترط ايضا محاكمة الفكر المجرم والفاسد والمرتشي الذي كان وراء افعالهم, مهما كان مغلفا بستائر الدين والقدسية والمذهبية. فلا تسوية ممكنة ونفس الايات والاحاديث التي ضاعت من ورائها ارواح شبابنا واطفالنا وشيوخنا وتدمر بلدنا بسببها او بسبب سوء فهمها, وهي بنفس الوقت راعية ومباركة للمصالحة بيننا, وقد تقرأ نفسها بالحرف في حفل توقيع التسوية كما قرات على الضحايا قبل جز رقابهم او حرقهم او رجمهم. فداعش النائمة او المنبطحة تريد مصالحة داعش القائمة وتحت نفس الشعارات وتعتبر ذلك تسوية تاريخية ولمصلحة العراق! بلا تجريم لكل الاسس التاريخية والدينية والقومية التي ساهمت في ايصال العراق والعراقيين لما نحن عليه اليوم من ذل ومهانة وفي القاع الاقذر للكوكب, لن تكون لهذه التسوية اية قيمة مستقبلية, وانما هي مضيعة للجهود والعمل النافع ومحاولة عقيمة اخرى لاطالة عمر عملية واحزاب ووجوه وقيادات وفكر ومقدسات وخرافات تجاوزها الزمن منذ سنين.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google