بقلم: مهدي قاسم -
19-11-2016 بعض من الشيعة العراقيين ـــ و أسوة ببعض الكورد العراقيين ــ يسبون العراق و ينددون به تسقيطا و تحقيرا ، و كأنه هو سبب مأساتهم ومصائبهم، دون أن يعلموا أو يدركوا بأن الأوطان تُبنى و تُشاد مزدهرة شامخة شاخصة و عظيمة من خلال زنود و أذرع أبنائها و بعزيمتهم الجبارة ، وبقطرات عرق جبينهم و بروحية تفانيهم و إخلاصهم و بشعورهم الوطني الأصيل و الراسخ النبيل ، و ليس من خلال وجودها مجرد بقعة أرض فحسب ..
فشبكات الصرف الصحي و مياه الأمطار لا تبنى باللطم ولا تُبلط الشوارع و الأرصفة باللطم ، ولا تُشيَّد المدارس و الجامعات والمختبرات العلمية أو المباني و العمارات الشاهقة باللطم ولا تنظف الشوارع و لا تعمل المعامل و المصانع باللطم أو بالصلاة والخشوع طوال اليوم ..
إنما بالجهد و الكد والعمل المتواصل و الإنتاج الدائم ..
وليس بالتحايل و الروح الطفلية أوالاتكالية ..
و أكبر دليل على ما نقول هو المانيا و يابان وكوريا و كذلك بلدان الاتحاد السوفياتي السابق ، و التي ــ سيما ألمانيا ـ التي دُمرت سبعون بالمائة من بناها التحتية أثناء الحرب العالمية الثانية ، علما إن المانيا نفسها ــ على سبيل المثال و ليس الحصر ــ تتكون من عدة مقاطعات بينما سكانها عبارة عن أقوام و أطياف دينية ومذهبية مختلفة ، غير أن الشعور الوطني العام و حب العمل و الإنتاج و الإبداع و الصبر و التأني و دقة العمل و كمال الإنتاج والصناعة وجمال العمارة ، كانت و لا زالت عندهم خصلة ثابتة و صفة راسخة وشيمة ثابتة ، بل كانت بمثابة دينمو و محرك طاقات ومفجرها إنتاجا و إبداعا واختراعات ، ليبنوا ويشيدوا أوطانهم المزدهرة الحالية والتي تُعد الآن مبعث احترام و إعجاب شعوب آخرى ..
دون أن تكون عندهم لا ثروات طبيعية مميزة كالنفط ــ مثلا ــ ولا أراض خصبة واسعة ولا أنهر كثيرة و عديدة كما للعراق ..
إنما حب العمل و الإرادة القوية و روح الإبداع و الاكتشاف و محبة الوطن فحسب ، و قد ثًُبت بأن هذه الصفات الرائعة والمجيدة أعظم ثروة و أهم حتى من ثروة النفط ذاتها ....
فهذه الشعوب المجَّدة عملت و كدحت بالرغم من الصقيع البارد واللاسع الناهش ولم تتذرع أو تتحاجج لا ببرد الشتاءالقارص ، ولا بحرارة الصيف القائظ ــ أنظروا إلى الشكاوى المريرة للأمام علي من كسل و اتكاليةالعراقيين ) ولا حتى بحجة ممارسة طقوس دينية أو مذهبية لتتكاسل أو لتتهرب من العمل و الإنتاج ..
و مثلما أصبح كوردستان العراق مستقلا ، أي منذ أكثر من عشر سنوات ، فكذلك أغلب المحافظات الجنوبية في العراق باتت شبه " مستقلة " بحكمها المحلي و الذاتي ، أي يحكمها أبنائها من الشيعة أنفسهم و تحديدا من قبل أبناء المحافظات ذاتها..
فماذا كانت النتيجة ؟!..
مزيدا من اللصوصية و الفرهدة والنهب المنظم أولا ..
و ثانيا : التقهقر نحو المرحلة البدائية من ناحيةالتمدن والتحضر و التحديث ، أي سوأ بكثير من مرحلة النظام الديكتاتوري السابق الذي كان يوفر ــ على الأقل ــ الحد الادنى من الخدمات العامة للمواطنين و يبنى هنا و يشيد هناك أحيانا ، حيث كانت مؤسسات الدولة ومرافقها تعمل بآليةى معتادة وروتينية عادية و لها هيبة و اعتبار ، بالرغم من عمليات القمع و التنكيل ..
أما الآن فلا دولة ولا خدمات و لا آلية و لا روتين بطيخي تحت حكم أبناء الشيعة أنفسهم ؟!!..
دون أن نتحدث عن التفجيرات اليومية والمتواصلة في مناطق عديدة من بغداد بسبب فشل أحزاب الإسلام السياسي الشيعية الحاكمة في مجال الأمن أيضا ..
نقول كل هذا ردا على بعض من هؤلاء الشيعة الذين يقولون بأنه
ــ لو انقسم العراق و أصبح للشيعة دولتهم الخاصة ، فأنهم سيعيشون في جنة خلد تجري من تحتها أنهار حليب و عسل و موائد عامرة مرصوفة عليها أواني ذهبية مليئة بلحوم غزلان فراخ و حمام ولا تنقصها غير حور عين !!..
طيب ..
ومن ثم ماذا لو استقلت محافظات الجنوب و أصبحت دولة مستقلة ؟! ..
فأليست محافظات الجنوب شبه مستقلة منذ أكثر من عشر سنوات و حتى الآن ــ مثلما أسلفنا قبل قليل ــ فماذا قدموا هؤلاء الحكام " الشيعة " لأبناء الجنوب المحرومين من أبسط مستلزمات العيش و الخدمات ؟! ..
حقا فما الذي سوف يتغير في حالة قيام دولة شيعية أليس سيحكمها أبناء عائلات " مقدسة " وبعض من القادة " الضرورة " ومخاتير العصر و سختجية اليسر ؟!..
للعلم ...
أنا شخصيا اتمنى أن تستقل هذه المحافظات وغيرها على شكل دويلات كارتونية ، و قد كتبُ عدة مقالات بهذا الخصوص ، لكي تتوحد فيما بعد ، ضمن عراق واحد وموحد ، هذا إذا لم تنظم لإيران وقسم آخر من المحافظات الأخرى لتركيا و لغيرها ، في حالة تفكك العراق ..
مجرد تذكير :
ــ ما أن استقل جنوب السودان حتى دبت فيه المجاعة والحروب الأهلية بين الأحزاب المتنافسة على السلطة ، و أخذ سكانها يكفرون باليوم الذي استقل فيه جنوب السودان ليغادرونه هربا إلى الخارج ، ونفس الشيء يمكن أن يُقال عن أرتيريا التي بعد استقلالها أخذ كثير من أبنائها يغادرونها سنة بعد سنة نحو دول اللجوء ، و يُقال أن السويد مكتظة بهم ..
أما كوردستان العراق الذي يعد مستقلا تماما ــ حيث لا ينقصه غير الإعلان الرسمي فحسب ــ فأن كثيرا من كورد الإقليم لا زالوا يغادرونه إلى الخرج طلبا للجوء و ذلك تخلصا من مرارة العيش الكسيف هناك ..
طبعا بالإضافة إلى أبناء الجنوب الذين تكتظ بهم تركيا ولبنان و يونان ز صربيا وهم في طريقهم إلى دول اللجوء هربا من فظاعة العيش الجهنمي تحت حكم الشيعة أنفسهم ..