الحسين.. عامل وحدةٍ لا فُرقة
الحسين.. عامل وحدةٍ لا فُرقة


بقلم: رشيد الخيّون - 23-11-2016
أحيا شيعة العراق، الأحد (20 صفر 1438)، ذكرى أربعينية الإمام الحسين التي حدثت قبل 1377 عاماً، وثُبتت على أنها ذكرى زيارة الصحابي جابر الأنصاري (ت بعد 70هـ) لكربلاء، وأن الأخير التقى الأسرة عند عودتها من الشام إلى الحجاز، ومرورهم على مكان واقعة الطَّف. فأخذ قُراء المنبر يؤلفون القصائد على لسان السيدة زينب (قيل توفيت 62 وقيل 65هـ)، شاكيةً لجابر الفاجعة، وتُسمع على المنابر باللهجة الدارجة: «جابر يا جابر ما دريت بكربلاء إيش صار..».

تعدت المناسبة الحسين الإنسان، لتجعل منه وهماً، فلا تتفاجأ بأي كلام يبث بلا قيود وحدود من الفضائيات، ولا تفكير في حجم الخرافة، وأخطر من هذا أن شبكة الإعلام العراقية، وفضائيتها الرسمية تتبنى بث المناسبة بما هو خارج العقل أيضاً. فتشعر أن القائمين على هذه الشبكة يسخرون من الناس، وهم أنفسهم كانوا يلقون القصائد في مديح الحزب والقائد «الضرورة»، وبالحماس والنبرة التي يلقونها للحسين الآن. لا نظن أن العراقيين فقدوا الذاكرة إلى هذا الحد.


عندما تُشاهد هذه القناة، وتعطيل الدوائر، من المدارس والجامعات، والتنافس على تنظيم المواكب والصرف عليها، تحس تماماً بالانفصال عن الواقع، بل تتخيل أنك في دوامة وهمٍ كبرى. كيف ينظر الملايين من العراقيين أهل السنَّة (عرباً وكُرداً وغيرهم)، ومئات الألوف من غير المسلمين، إلى هذا السُّلوك؟ ألا يشعرون بالاغتراب عن وطنهم؟! لم تكن الأحزاب الدينية بعيدة عن تشكيل هذا المشهد. فمثلما كان يُقال للمعترض على مسيرة حزبية بتهمة العداء للحزب والثورة! نسخت إلى تهمة العداء للحسين وآل البيت!

ذلك ليس كلامي، إنما كلام ممثل المرجعية الشيعية بالكاظمية الشيخ حسين آل ياسين، وهو يراقب التجاوز على وحدة العراق: «آني أكللكم (أقول لكم) مو (ليس) صحيح تسوون تعازي حُسينية في الداوئر الحكومية. يعني شنهو (لماذا) أنت تسوي تعزية في دائرتك الرسمية، دائرة رسمية وبس (كفى)، مو صحيح أنت تعلق رايات وأعلام على الدوائر الرسمية، الدائرة الرسمية مالة العراقيين (للعراقيين) كلهم على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم..».

كان احتجاج آل ياسين نابعاً من مسؤولية وطنية، لم يعبر بمثلها أحد من السياسيين، إنما تجدهم في مقدمات المواكب، معلقين الخرق الخُضر في أعناقهم، إشارة إلى حُسينيتهم. فهذه أربعة عشر عاماً، ولو بدؤوا بنشر ثقافة مغايرة للامعقول السائد لتغير الناس، وقدروا شأن الحسين، بدلاً من الإساءة إليه بهذا الجهل. لكن كيف تطالب الأحزاب بمثل هذا الإنجاز، وهي توظف المأساة وجهل الناس لجمع أصوات الناخبين، وتجنيد عناصر للميليشيات؟!

يكتب الفقيه الإمامي حسين الطَّبرسي (ت 1911) متألماً مما جرى باسم الحسين، عندما كلفه أحد فقهاء شيعة الهند أن يكتب ضد التلفيق: «يظهر أن جنابه العالي يظن أن الطائفة الشيعية التي تقطن ببلاد العتبات المقدسة.. في راحة وفراغ بال، من هذه الورطة، وأنها لم تلوث بهذه الأكاذيب والافتراءات بعد، وأن هذا الخلل الديني لا يزال منحصراً ببعض البلاد النائية، ولم ينشر في أنحاء بلاد الشيعة، غافلاً عن أن هذا التلوث الهدام قد انتشر مِن منبعه» (اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر).

ينفي صاحب «اللؤلؤ والمرجان»، وبعده مطهري (اغتيل 1979)، عودة أسرة الحسين التي يُحتفل برجوعها إلى كربلاء، فالعودة إلى الحجاز من الشام لا تمر بالعراق (اللؤلؤ والملحمة الحسينية)، وبالتالي لا أساس للمبالغات التي لازمت المناسبة، وزادت عليها أضابيرَ مِن الأكاذيب التي تُلحق الضَّرر بالشيعة أولاً.

ماذا سيقول الطَّبرسي، لو سمع ما يُبثُ اليوم، كمنقولات من «بحار الأنوار»، والمختلقات الجديدة؟ فما معنى مثل هذا الكلام الفضفاض: «الحسين هو الوجود الكوني والكون الوجودي»؟ و«أن الكون لم يُخلق إلا لأجله»؟ وأن السومريين والبابليين والآراميين قد ذكروا الحسين! لا أدري أيّ عالم آثار كشف عن ذلك! ما معنى إذاعة أقوال منسوبة إلى علماء رياضيات وفلاسفة غرب على أنهم مجَّدوا الحسين؟ بلا شك الإمام يستحق، لكن علينا بالصحيح، وليس الزيادة في التلفيق، ففي أي كتبهم قالوها؟ للأسف تحولت المناسبة إلى مباراة في الكذب والجهل.

نشحذ همة مراجع المذهب، البعيدين عن الحزبية والسياسة، لإنقاذ الملايين من طامة الخرافة، وتحرير الحسين من المتاجرة، وإعادة ذكراه إلى المعقول، كما فعل هبة الدِّين (ت 1967)، والأمين (ت 1952)، وقبلهما صاحب «اللؤلؤ..».

فإذا قلتم إن الحسين موحِّد لا مُفرق، وأراه كذلك، فما تقوم به وسائل الإعلام، الممولة من أموال العراقيين كافة، هو انتصار للفُرقة في بلد ابتُلي بساسة لا يرون فيه سوى غنيمة. إنها حوانيت أحزاب تأسست باسم الدين. وللقاضي عبدالله بن المبارك (ت 181هـ) ما يُعبر به: «قد يفتح المرءُ حانوتاً لمتجرهِ/ وقد فتحتَ لك الحانون بالدِّين» (ابن خِلكان، وفيات الأعيان).
الاتحاد الاماراتية



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google