تأملات في القران الكريم ح333 سورة الصافات الشريفة
تأملات في القران الكريم ح333 سورة الصافات الشريفة


بقلم: حيدر الحدراوي - 27-11-2016
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ{100}
كان ابراهيم "ع" كثير الدعاء , فتنقل الآية الكريمة احد ادعيته ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) , غالبا ما تستعمل لفظة الهبة في الولد على ان يكون من الصالحين , هذه الرتبة او المنزلة من اسمى وارقى منازل القرآن الكريم , حيث ان جملة كبيرة من الانبياء "ع" قد طلبوها كيوسف "ع" {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }يوسف101 , وسليمان "ع" {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }النمل19 الى اخره.

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ{101}
تضمنت الآية الكريمة استجابة دعوته "ع" ( فَبَشَّرْنَاهُ ) , البشارة في محل الاستجابة , ( بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) , الله جل وعلا استجاب لخليله ابراهيم "ع" وهبه الولد الذي طلب , كان اسماعيل "ع" , لكنه وصفه بالحلم , والحلم منزلة اخرى غير منزلة الصلاح , فأتصف اسماعيل "ع" بالحلم , لكن دعاء ابراهيم "ع" تضمن شطرين الاول ( رَبِّ هَبْ لِي ) هبة الولد , والثاني ( مِّنَ الصَّالِحِينَ ) , على ان يكون الولد المطلوب من هذه المنزلة , فنلاحظ ان الولد (اسماعيل "ع") وصف بالحلم , ما يعني انه جل وعلا استجاب للشطر الاول من دعاءه "ع" , اما الشطر الثاني فكانت استجابته في اسحاق "ع" ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112} ) في نفس السورة .

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ{102}
تستمر الآية الكريمة في سرد بعض تفاصيل قصتهما "ع" ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ) , فلما بلغ اسماعيل "ع" سبع سنين او ثلاثة عشر سنة على اختلاف الآراء , ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) , رأى ابراهيم "ع" رؤيا , ورؤيا الانبياء "ع" حق , فشاوره ليعلم صبره وانقياده لأمر الله تعالى , ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) , يجيب اسماعيل "ع" بالانقياد الى امر الله تعالى , يرى بعض المفسرين ان الرؤيا تكررت على ابراهيم "ع" اكثر من مرة , لذا استعمل اسماعيل "ع" الفعل المضارع ( مَا تُؤْمَرُ ) , ( سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) , يضيف اسماعيل "ع" – ستجدني صابرا على البلاء , طائعا لأمره جل وعلا , محتسبا - .

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103}
تروي الآية الكريمة ( فَلَمَّا أَسْلَمَا ) , سلما وفوضا امرهما الى الله تعالى , فسلّم اسماعيل "ع" نفسه للذبح طاعة لله تعالى , وسلّم ابراهيم "ع" لتنفيذ الامر الالهي , ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) , مدده على احد جانبيه استعدادا لذبح .

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ{104}
تروي الآية الكريمة ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ) , جاء النداء الرباني في تلك اللحظة .

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{105}
تكمل الآية الكريمة مبينة ما جاء في ذلك النداء ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) , صدقت الرؤيا بالعزيمة والتسليم , ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) , كما جزيناك على تصديقك واحسانك نجزي من احسن في الدنيا والاخرة .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ{106}
تستمر الآية الكريمة في الموضوع ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ ) , الاختبار الواضح , وهو الاصعب , فيلاحظ ان البلاء كلما كان صعبا , يكون النجاح فيه اكثر توكيدا و ارسخ قبولا واعظم ثوابا.

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ{107}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) , انزل الله تعالى كبشا عظيما فداء لإسماعيل "ع" .
هناك اراء تشير الى ان الذبيح كان اسحق , فيميل اليها بعض المفسرين , واخرون يدعون ان اسحق تمنى ان يكون هو الذبيح , وكان صادقا في ذلك , فسماه الله تعالى ذبيحا ايضا على بعض الآراء .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ{108}
تستمر الآية الكريمة مبينة مضيفة ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ ) , ابراهيم "ع" , ( فِي الْآخِرِينَ ) , الثناء والذكر الحسن في جميع الامم .

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ{109}
تروي الآية الكريمة ( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) , تحية من الله تعالى لإبراهيم "ع" , والسلام منه جل وعلا الامن والامان والسلامة من الآفات وغيرها .

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{110}
تقرر الآية الكريمة ( كَذَلِكَ ) , بمثل ما جازى الله تعالى ابراهيم "ع" , ( نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) , سيجازي الباري جل وعلا كل من احسن عملا .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{111}
تضيف الآية الكريمة مقررة ايضا ( إِنَّهُ ) , ابراهيم "ع" , ( مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) , الذين امنوا بالله تعالى ايمانا خالصا , واعطوا العبودية لله تعالى حقها .

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ{112}
تضمنت الآية الكريمة بشارة اخرى لإبراهيم "ع" ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ ) , ولدا اخر اسمه اسحاق "ع" , وهذا يدل على ان اسحاق لم يكن الذبيح , الذي اشار اليه بعض المفسرين , بل ربما وصف بالذبيح نتيجة تمنيه ذلك , ( نَبِيّاً ) , حال مقدرة , ( مِّنَ الصَّالِحِينَ ) , من منزلة الصالحين , التي هي من اعظم المنازل في القرآن الكريم كما اسلفنا , مع لحاظ البشارة الاولى بإسماعيل "ع" لكنها وصفته بالحلم بينما وصفت اسحق "ع" ( مِّنَ الصَّالِحِينَ ) .

وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ{113}
تستمر الآية الكريمة ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ) , افاض الله تعالى عليهما بالبركات , وقيل ان البركة على ابراهيم "ع" بتكثير ذريته , والبركة على اسحاق "ع" ان جعل اكثر الرسل والانبياء "ع" من ذريته , ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا ) , ابراهيم واسحاق "ع" :
1- ( مُحْسِنٌ ) : مؤمن .
2- ( وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ) : كافر , واضح الكفر .
في ذلك عدة اشارات نذكر منها :
1- اشارة الى ان النسب والانتساب الى نبي او رسول او رجل صالج لا اثر ولا علاقة له في هدى او ضلالة ذريته , ولا كرامة للذرية بمجرد الانتساب , بل ينبغي حمل المضمون ايضا .
2- الضالين واهل المعاصي في الذرية لا يعود على اجدادهم من الرسل والانبياء بالعيب والنقيصة .

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ{114}
تنعطف الآية الكريمة لتنتقل الى ذكر شيئا من قصة موسى وهارون "ع" ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) , بالنبوة وبعض المنافع والخصائص الدينية والدنيوية .

وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ{115}
تستمر الآية الكريمة ( وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا ) , كتب الله تعالى لهما "ع" ولقومهما من بني اسرائيل النجاة ( مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) , من استعباد فرعون وقهره لهم , وقيل ان النجاة المقصودة انقاذهم من الغرق .

وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ{116}
تستمر الآية الكريمة ( وَنَصَرْنَاهُمْ ) , أيدهم الله تعالى بنصره , ( فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ) , على فرعون وقومه .

وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ{117}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ) , البليغ في بيانه واحكامه وشرائعه وهو التوراة .

وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ{118}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) , الطريق الموصل للحق والصواب .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ{119}
تضيف الآية الكريمة ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ ) , الذكر الحسن والثناء الجميل في من بعدهما .

سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ{120}
تضمنت الآية الكريمة تحية منه جل وعلا عليهما "ع" كما تقدم في قصة ابراهيم "ع" .

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{121} إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ{122}
تقدم في قصة ابراهيم "ع" .


حيدر الحدراوي



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google