العراق يلقي طوق النجاة للسعودية في أوبك!
العراق يلقي طوق النجاة للسعودية في أوبك!


بقلم: ساهر عريبي - 01-12-2016




[email protected]

ابرمت الدول الأعضاء في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) يوم أمس الأربعاء إتفاقا وصف بالتاريخي لخفض الإنتاج ,هو الأول من نوعه منذ العام 2008.

ويأتي إبرام هذا الإتفاق بعد الإنهيار الحاد في اسعار النفط التي فقدت قرابة 70% من قيمتها التي كانت عليها عام 2014 والتي بلغت 115 دولار للبرميل الواحد. واستجابت أسواق النفط سريعا للإتفاق إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 9% لتلامس عتبة 50 دولار للبرميل الواحد, وهي قيمة مازالت بعيدة عما كانت عليه الأسعار قبل عامين.

ولذا فيبدو أن الإتفاق يهدف بالدرجة الأساس الى منع انهيار الأسعار مرة أخرى, إذ كان متوقعا أن تهبط أسعار النفط الى 30 دولارا للبرميل الواحد فيما لو فشلت المنظمة في التوصل الى مثل هذا الإتفاق. واما الطريق نحو عودة الأسعار الى ماكانت عليه قبل عامين فتبدو طويلة وتتحكم فيها العديد من العوامل الجيوسياسية وليس ميكانيزم العرض والطلب فحسب, ويمكن تلمس ذلك عند معرفة الأسباب الى أدّت الى انهيار الأسعار.

بدأت مسيرة الإنحدار في الأسعار في شهر يونيو من العم 2014 وبعد أن احتل تنظيم داعش الإرهابي مساحات شاسعة من الأراضي العراقية في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي, الذي وجد نفسه عاجزا عن صد الجماعات الإرهابية التي أصبحت على مقربة من العاصمة بغداد. وكان يفترض في مثل تلك الاوضاع ان ترتفع أسعار النفط لا ان تهبط, فالأسعار تتأثر بالأوضاع الأمنية في الدول المنتجة للنفط , بل وحتى عند نشوب حرائق في المنشآت النفطية فكيف في حال سقوط عاصمة نفطية كبغداد التي وصلت طلائع تنظيم داعش الى مشارفها في شهر يونيو من ذلك العام.

لكن اسعار النفط بدات بالإنخفاض بالرغم من توقف صادرات النفط من مدينة كركوك, واما السبب فيعود الى زيادة السعودية لإنتاجها حتى وصلت معدلات الزيادة الى 1.5 مليون برميل يوميا في العام 2015, وهو الأمر الذي أصاب الأسواق بتخمة أدت الى إنهيار الأسعار عند مستويات الثلاثين دولارا للبرميل الواحد. ولذا فإن السعودية تتحمل المسؤولية الكبرى لانهيار الأسعار.

أعطى إحتلال تنظيم داعش لمساحات شاسعة من العراق شحنة معنوية قوية للسعودية التي بدت في ذلك العام مهزومة على كافة الجبهات. فالعراق شهد في ذلك العام حالة من الأمن والتحسن الإقتصادي إذ بلغت موازنة ذلك العام 147مليار دولار وهي الموازنة الكبر في تاريخه. واما في سوريا فبدت المعارضة السورية المدعومة من السعودية عاجزة عن الإحتفاظ بالمدن التي سيطرت عليها وأضحى مطلب اسقاط الرئيس السوري بعيد المنال. ومما زاد من جراح السعودية هو نجاح حركة انصار الله والجيش اليمني من السيطرة على العاصمة صنعاء والقاء القبض على الرئيس المخلوع عبد ربه هادي منصور.

ولذا فقد جاءت الإنتصارات التي حققها تنظيم داعش في العراق لتنعش آمال السعودية في إستعادة زمام المبادرة في المنطقة. فكان اول سلاح استخدمته هو سلاح النفط, في محاولة واضحة لضرب إقتصاديات الدول المنافسة لها في المنطقة والتي تناهض سياساتها وفي مقدمتها العراق وايران. وبعد ذلك وفي مارس من العام 2015 اتخذت السعودية قرارها بخوض الحرب على اليمن تحت ذريعة إعادة الشرعية للرئيس اليمني الهارب منصور.

كانت السعودية تعوّل على إنهاء الوضع في اليمن خلال بضع أيام أو بضعة أسابيع على أبعد التقديرات, مستعينة بتحالف من عشر دول, حشّدته لمحاربة قبيلة في اليمن, لا تمتلك سوى أسلحة بدائية وبعض الصواريخ, فيما لا تمتلك طارئرة واحدة تقف بمواجهة عشرات الطارئرات السعودية التي تلقي حممها على أفقر دولة في المنطقة.

إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن آل سعود! كان أول الغيث فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع السيستاني والتي أثمرت عن تأسيس قوات الحشد الشعبي العراقية التي بدأت مسيرة تحرير العراق من التنظيمات الإرهابية, وهاهي اليوم تشرف على نهايتها مع خوض القوات العراقية لمعركة تحرير مدينة الموصل, آخر معاقل تنظيم داعش في العراق.

وعلى الجانب الآخر فشلت السعودية في تحقيق أي نصر في اليمن بالرغم من مرور قرابة العامين على عدوانها المتواصل على البلاد وبالرغم من تكاليف الحرب الباهضة التي قاربت وفق بعض التقديرات من 300 مليار دولار . فبعد 20 شهرا من العدوان , أعلن تحالف انصار الله والمؤتمر الوطني عن تشكيل حكومة انقاذ وطني, فيما لايزال هادي منصور يتنقل بين الرياض وعدن. وحتى الولايات المتحدة الأمريكية تبدو اليوم متجاهلة له وتمد الجسور مع حركة انصار الله التي فرضت نفسها حتى على امريكا, وكما بدا في اللقاء الأخير بين جون كيري والحركة في عمان.

ومما زاد الطين بلّة أن السعودية التي استخدمت سلاح النفط في مواجهة منافسيها الأقليميين, إرتدت الرصاصات التي أطلقتها عليها, فقد شهدت ميزانيتها عجزا قارب 100 مليار دولار في العام الماضي وقرابة 80 مليار في هذا العام. ووجدت السعودية نفسها ولأول مرّة ومنذ عقود غير قادرة على دفع مستحقات شركات القطاع وخاصة البناء مثل سعودي اوجيه المملوكة للحريري ومجموعة بن لادن, حتى بلغت مستحقات الشركات قرابة 30 مليار دولار أمريكي.

وهو الواقع الذي فرض عليها فرض اجراءات تقشفية داخل البلاد, مثل دفع الرواتب تبعا للأشهر الميلادية وليس القمري, وتسريح آلاف العمال المهاجرين, لكن تلك الإجراءات لم تشمل أفراد عائلة آل سعود الحاكمة الذين استمروا ببذخهم الذي ظهر جليا خلال زيارة ملك السعودية للمغرب وهي الزيارة التي أنفق خلالها قرابة 1.5 مليار دولار! بحسب المغرد الشهير مجتهد, المطلع على خفايا العائلة الحاكمة. وكانت آخر مظاهر البذخ هو شراء ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليخت بقيمة 500 مليار دولار امريكيز

بدأت حلقة الخناق تضيق حول آل سعود ليس في سوريا فحسب بل وحتى داخل حليفتها الإستراتيجية أمريكا التي أقر مشرعوها قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” جاستا” والذي يسمح لضحايا هجمات 11 من سبتمبر بمقاضاة السعودية أمام المحاكم الأمريكية. ثم أكمل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الحلقة عبر تصريحاته الشديدة ضد السعودية التي وصفها بالبقرة الحلوب التي عليها ان تدفع أو أن يتم ذبحها.

لكل تلك العوامل وفضلا عن تنامي الإنتقادات الدولية للسعودية بتهمة رعاية الإرهاب العالمي, واستثناء أهل السنة والجماعة للمذهب الوهابي من قائمة المذاهب السنية في مؤتمر غروزني, وكذلك انتخاب العماد ميشيل عون, حليف حزب الله, رئيسا للبنان , و تنامي الصراعات على العرش داخل أركان عائلة آل سعود, فإن السعودية تمر اليوم في واحدة من أصعب المراحل في تاريخها وهي في أشد الحاجة اليوم الى رفع أسعار النفط من بقية دول اوبك الأخرى, وهو ما تحقق لها بأقل الخسائر بفضل العراق!

إذ أحسنت إدارة ملف التفاوض حول تخفيض الإنتاج وبالشكل الذي سمح لها بالخروج بأقل الخسائر , فيما دفعت دول اخرى مثل العراق ثمنا أكبر لذلك.
فالإتفاق الذي ابرم يوم امس نص على تخفيض السعودية لإنتاجها النفطي بنصف مليون برميل يوميا, ليقف انتاجها عند حدود 10 مليون برميل يوميا, لكن الطامة الكبرى ان العراق تعهد بخفض إنتاجه النفطي بمقدار 200 الف برميل يوميا ليتوقف عند حدود 4.3 مليون برميل! فيما نجحت ايران في المعركة ونالت مباركة اوبك على زيادة إنتاجها ليصل الى عتبة 4 مليون برميل يوميا بحلول شهر مارس من العام المقبل.

بدت السعودية متشدّدة خلال المفاوضات ورفعت سقف مطالبها قبل يومين , مطالبة ايران بتجميد انتاجها, لكن أيران أصرت على موقفها الرافض وأجبرت السعودية على الرضوخ, إلا أن الموقف العراقي كان ضعيفا, وكان يجب على الحكومة العراقية ان تصر على الأقل على تجميد إنتاجها النفطي عند الحدود الحالية البالغة 4.5 مليون برميل يوميا, خاصة وان العراق يخوض حربا باهضة التكاليف ضد الجماعات الإرهابية وليس كالحرب العبثية التي تخوضها السعودية وبمساعدة الجماعات الإرهابية في اليمن.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن عدم تنازل العراق كان ليؤذن ببداية عهد جديد في تاريخ منظمة أوبك, وأبرز سماته زوال هيمنة السعودية على المنظمة التي تحكم قبضتها عليها منذ أربعة عقود. فالسعودية تنتج اليوم 30% من مجموع انتاج اوبك , فيما ينتج العراق وايران مجتمعان قرابة 25% من إنتاج المنظمة, وهو الواقع الذي يحد كثيرا من الهيمنة السعودية وخاصة في ظل تقاربهما مع الجزائر العضو الآخر في المنظمة, وروسيا وهي اكبر منتج للنفط خارجها.

لقد كان رفع أسعار النفط مطلبا حيويا سعوديا وحاجة أكثر إلحاحا من حاجة الدول الأخرى له, وكان على العراق أن يصر على ان تدفع السعودية ثمن سياساتها النفطية التي أثرت على إقتصاديات العديد من دول المنطقة والعالم, بدلا من إلقاء طوق النجاة لها والسماح لها بالنفاذ بجلدها من الكارثة التي ألحقتها بصناعة الذهب الأسود.














Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google