روايــة غراميات بائـع متجول
روايــة غراميات بائـع متجول


بقلم: د. حسـام زوين - 02-12-2016
الروائي برهـان الخطيب
.. لم يحظ بالاسـتقـرار

في غـربة الـوطن اوفي الشـتات .. لقد عانى المثقفون والمبدعون العراقييون من حالات العسف والتهميش وشظف العيش ، الاهمال ، الجور والظلم .. ومن أُلقي به في غياهب السجون .. حيث سادت تلك الاجواء ؛ الترقب ، الارتباك ، التناقض وعدم الوضوح ، الحكم القاسي المجحف الذي يخلو من الشفافية والتقييم الموضوعي والابتعاد عن الحقيقة ... .
في غربة الشتات .. الاتحــاد الســوفياتي ( الحصن ) ؛ حيث ان مجمــل التغييرات الســياسية التي طـرأت والتي جاءت بها ( اعادة البناء - البيريسترويكا ) وما تلاها من تفتيت جمهوريات الاتحاد قد تركت اثارا سلبيه .. اذا حق القول ..على كافة الاصعدة الاقتصادية ، السياسية ، الاجتماعية والثقافية ، وضياع الامل لدى الكثير من المثقفين وفي احلامهم للغد المشرق الذي كانوا يصبون اليه ..، ..بطلات وابطال العمل السـوفياتي وقاهري الفاشية امسوا متسولين ، .. نظرات الى حنين ضائع .
وفي الوطن الغربة .. أستعرت الاحلام ... رمادية كانت او وردية ... للحالمين في التطور والعدل الاجتماعي وفي اشراقات سومرية ... بابلية ... اشورية ، وما بعد ؛ .. مأساة مابعدها مأساة ... حكم الحزب الواحد تسلط .. انفـراد ..وانفراط جبهات حسن النيات والنوايا .. ، تشتت ، اعتقالات ، تصفيات رفاق الامس ، حـروب لا معنى لها وهـروب ، هجرة عقول حالمة بسـعادة الوطن والانسان ، انقضاض على بلد ينام على بحيرة الذهب ، احتلال العـراق سـقوط بغداد الرشيد ، اعتكاف ابي نؤاس ، سُـلبت سومر وبابل وأشور ، سُبيت البنات .. تدمير وتهشيم اثار حضارة وادي الرافدين على ايدي مسلحين همج رعاع برايات سـود .. تدهور الثقافة العراقية .. تداعيات تفاعلات لنتائج حروب مؤلمة تـركت جرحا خضبا يئن منه ذو العقـل والضمير .. يأس واغتراب وتهميش لمن سار مع الناس على بوصلة الوطن .

لقد نهل الروائي برهان الخطيب من روائع ومنابع الادب الروسي والسوفياتي خلال دراسته ومعايشته الواقع وعمله في المؤسسات الادبية ، بداية السبعينات ، وقد قدم الفيض الرائع البديع في الكتابة والترجمة والصحافة ، وبهذا الصدد تجدر الاشارة بان الساحة الادبية والنشاطات الثقافية والابداعية في موسـكو تألقت بمجمع طيب جميل من خيرة المثقفين العراقيين واصدقائهم ومن المثقفين العـرب من كتاب وروائيين وشعراء وصحفيين وفنانين تشكيليين وسياسيين ... غائب طعمة فرمان ، أحمد النعمان ، جلال الماشطة عباس على هبالة ابو علي ... لاتعدهم ولا تحصاهم ... ما اروعهم ... ما اجملهم .
الخطيب الروائي المتجول والذي لم يحظ بالاستقرار عاش وعاشر هاتين الغربتين ... من ؛ خطوات نحو الافق البعيد ... ضباب في الظهيرة ...شقة في شارع ابي نؤاس ... الجسور الزجاجية ... الشارع الجديد ... نجوم الظهر ... حب في موسكو ... ليلة بغدادية ...بابل الفيحاء ... صيف في الاسكندرية ... الجنائن المعلقة ...ليالي الانس ...الى اخرياتها ... واخرها وليس اخر ظهرت روايـة ؛ غراميات بائع متجول ... بمتعة غناء وصور ونوافذ بهية وردية بنفسجية يتنقل القارئ بسطورها وبنائها ومحتواها واجوائها الى التماس والمماس مع الروايات العربية وحتى العالمية المشهورة انذاك والتي جذبتنا نحن الشباب ايام الجامعة ومما قسم لنا وسمح بقرائته ؛ عصفور من الشرق – توفيق الحكيم ، ذهب مع الريح – مارغريت ميتشل ، الـدون الهادئ - ميخائيل شولوخوف ، مئة عام من العزلة – غابريل ماركيز ، والتي لازالت طراوتها واخضرارها منذ سنين تبهج النفوس .
رواية برهان الخطيب غراميات بائع متجول ... للناشر جمعية نوافذ للترجمة والتنمية والحوار ، اصدار 2015 – الطبعة الاولى وفي اربعة جولات كما اسماها الخطيب ؛ الجولة الاولى : صعقة حب ، الجولة الثانية : صياح منتصف الليل ، الجولة الثالثة : هروب نحو القطب والجولة الرابعة : مطر، دم ، ودموع ، وبعدد الصفحات المتجاوزة الثلاثمائة صفحة ... بنائها من وحدات قياسية مطابقة للواقع والطباع والوقائع ... ومطابقة للاوصاف للتوصيف والمواقف ... وحدات ولبنات ومفردات وعناصر منحوتة كنحت فنان نحات ... غنية بتفاصيل ، ايماءات ، حركات ، انفعالات ، حسرات وتنهدات ، هي تلك تفاصيل الحياة الروسية .. ، لقد استطاع صياغتها وجمع كل هذه الوحدات بتناغم غطى بها اكثر المساحات والمواقع والمراكز الاساسية والجميلة والتى علقت بذاكرة الزائر او السائح والدارس او لتنشط ذاكرته لسنين للحياة في ذلك الحصن المنيع ( الاتحاد السوفياتي ) . واذا حق القول بان الرواية جميلة غنية مثيرة بالمفاجئات المغامرات المجازفات المخاطرات للشرقي العربي أصلان بممارسته الحب والغرام المتبادل مع الانسانة الشقراء هيلينا قوية الارادة والوعي ، الراغبة بالتغيير، الروايـة هي كالعطر الباريسي والعربي الشرقي الاصيل المستنشق يشق الطريق من على البعد ليتشرب الى أنف منتظر ولهان مضغوط العاطفة والكلام والرغبات ، يدفعه ليتقفى اثرها ، حبيبة القلب من تكون ؛ حورية البحر ، امراءة حسناء شقراء ، ممثلة من هـوليود او فتاة احـلام ، انتظرها العمر كله بعد ان فقد كل السبل للوصول اليها وقف لمـلاقاتها منذ ليال وايام . بل عن حق حب من النظرة الاولى ( فاتت جنبنا ، امام ازدواجية : انا وهو ) ..
جدل ... نقاش سياسي وتبيان حقائق يتبادلها الحبيبان بوعي ... تفخر هيلينا لتاريخ اجدادها الروس في حروبهم ضد الفاشية ولابيها وجدها ، وبشأن اشتراك ابن أصلان وابنها وفقدانه في الحرب في الشيشان ، تقول ؛ .. يبـدو كُتب علينا نحن الروس القتال نحفظ توازن العالم . وبتسلط العصابات والمافيات في فترة (البيريسترويكا ) ، وكما وصفهم اصـلان عبث أرباب أرضيين يحتقرون البشر .. لا رب سموات ، حيث لا يحق لغيرهم من تحقيق حلم ... ويُــذكـر اصلان حبيبته هيلينا بان الدنيا عامرة باهل الضمير ..
قرائة الرواية تتبادر للذهن نجـوم وابطـال ؛ محسن وسوزي وايفـانوفتش ، سكارليت وريت بتلر، اكسينيا وكريكوري ... مارلين مونرو ... صوفيا لورين ... ، بل تزحزحك عن نومة عشق غرامية تنام على ... يحكم اكثر من طاق كسرى في الليل ... واهتزاز جسم راكبة عربة القطارالقديم ( مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل ) ... ومن الحب يبقى لمظفر النواب ... بل يهب بك لتسبح او تهيم في عيــون الشـقراء العسلية ، الزرقاء ، الخضراء اوالسمائية ... حقا رواية غراميات بائع متجول للروائي برهان الخطيب اكثر جراءة وواقعية ليس مما جرى في شباك الكشك الصغير او كلمة هيجان البركان فحسب بل هو جراءة في المكان والزمان والمواقف ، من موسـكـو وبالطريق الى لينينغـراد وما جرى على الحـدود .. .
د. حسـام زوين



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google