عند رصيف شارع الرشيد : أنوح متأسيا كحمامة فقدت عشها ! ..
عند رصيف شارع الرشيد : أنوح متأسيا كحمامة فقدت عشها ! ..


بقلم: مهدي قاسم - 02-12-2016
في الوقت الذي يستعد عراقيون أصائل ممن رضعوا من صدرالعراق حليب الوطن النقي ، و لم ينسوا طعمه ولا مذاقه ، بالرغم من مرارانه أحيانا ، فها هم يستعدون الاحتفال بمئوية شارع الرشيد ، الذي كان ذات يوم جزءا حيويا من حياة العراقيين عامة و البغداديين خاصة ، بحضوره الحضاري الجميل و مكتباته المكتظة بالكتب القيمة و النفيسة ، و بمقاهيه و محلاته المضيئة والعامرة بألبسة أنيقة ، و مطاعمه الفاخرة و ذات نكهة طيبة ومثيرة للشهية من بعد بعيد ..
طبعا دون أن ننسى محلة الزبالة وعصيره اللذيذ و كيكه العظيم و المهيب كمليوية سامراء ! ..
و لأن شارع الرشيد كان كذلك ، فقد كان مكتظا دوما بالعابرين سيما من شباب و شابات ، بملابسهم الأنيقة ووجوههم البشوشة والباسمة ، مقبلين على حياة عريضة و واسعة دراسة و تثقيفا ، وهم ذهابا و إيابا / بحيث كان شارع الرشيد يبدو دوما نابضا بالحياة و الحركة الدائمة والنشطة ، سيما بباصاته ذات الطابقين وهي تضيف رونقا و ألقا و حيوية أكثر حضورا على شارع الرشيد النابض دوما بالحياة ليلا و نهارا ..
فكم من مائة مرة ومرة قطعنا شارع الرشيد بصحبة اصدقاء رائعين مفعمين بالأمل والتغيير ، منطلقين من ساحة الميدان مرورا على شارع المتنبي " كعبة الثقافة الخيرة والمباركة " متبضعين ببعض كتب جديدة حديثة الصدور ، منه سيرا حثيثا على امتداد مديد ، نحو ساحة التحرير ثم شارع " ابونواس " بحدائقه النظيفة والفسيحة والخلابة ونكهة سمكه " المسقوف " وهي تومئ لك محيية من بعيد ..
و عندما غادرنا العراق في المنتصف الثاني من سبعينات القرن الماضي هربا من قمع البعثيين و إرهابهم الدائم ، لنقضي عمرا عتيا في ديار الغربة والتيه والشتات ، فقد كان شارع الرشيد لا زال يسكن قلوبنا قبل ذاكرتنا ، بنفس حضوره الجمبيل و الأنيق الآسر دون أن نعلم أو نخمن ماذا حلَّ به ؟ و كم من نكبات و ويلات ..
سيما بعد سقوط النظام السابق :
فقد أكتشف الذين " أمنوا " من المتقين الأبرار بإن شارع الرشيد يجب أن يُعاقب هو الآخر أيضا ، ليس لأنه فعل أمرا معيبا ومشينا شنيعا..
لا ...إطلاقا ..
إنما لأنه يحمل اسم الرشيد ..
وهي جريرة لا تغتفر !!..
فكم أصبح عقابه شديدا و مريعا على أيدي الإسىلاميين السياسيين ..
ففي زيارتي الآخيرة إلى العراق كان شارع الرشيد يبدو مقطعّا و عبارة عن إسطبل طويل و خَرِب عريض ، نعم إسطبل حقيقي وبدون أية إنشائيات مزوقة و شعرية عاطفية مهتاجة ، من حيث تختنق أرصفته بأكوام عالية من قمامات و تلال كراتين وأكياس و أروارق و برك مياه آسنة و أطيان سوداء متعفنة و أسراب مليونية من ذباب و جراذين ، مع أعمدة متأكلة و منخورة أيلة للأنهيار في أي وقت ممكن ..
ففي النهاية لم يبق من شارع الرشيد غير اسمه الرشيد !..
مع أنهم أرادوا القضاء على الاسم نفسه فقط غير أنهم قضوا على الشارع و أبقوا على اسمه فقط ..
يعني .......
انتقام غبي وبليد وبلا معنى أو جدوى..حقيقة .....
لأنه أصلا لا يوجد أي معنى في أن ينتقم المرء من شارع تاريخي مهيب ومثير كشارع الرشيد ..لأن اسمه الرشييييييييييييييييييييييد ..
حسنا سيداتي وسادتي الكرام ، فهذه هي قصة شارع الرشيد في ذكرى حلول مائة عام على ولادته الكريمة والبهية !..
أجل مائة عام .! .
بينما لم يحتج " الذين أمنوا " غير إلى عشر سنوات فقط ، ليقضوا عليه قضيا مقصيا وقضما مخصيا و عبارة عن مكب نفايات و مربط حمير و خيول عربات متهالكة و متقرقعة ! ..
ولكنهم عجزوا في أن يقضوا عليه في ذاكرة الملايين من العراقيين ..
فهناك بقي شارع الرشيد و سيبقى راسخا وعامرا ونابضا بذكريات جميلة وطيبة وحنونة في ذاكرة أجيال عديدة وكثيرة من العراقيين ..



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google