على بساط الثلاثاء 236
على بساط الثلاثاء 236


بقلم: حبيب عيسى - 03-12-2016
الحرية لا تتجزأ ... الحرية للمجتمع ...
هي الطريق إلى حرية المرأة ...!!

( 1 )
يحتفل العالم في الخامس والعشرين من تشرين الثاني كل عام باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ، وتستمر فعاليات ونشاطات هذا الاحتفال لمدة ستة عشر يومًا تبدأ من ذلك اليوم وحتى العاشر من كانون الأول المصادف لليوم العالمي لحقوق الإنسان .
وإذا كان اختيار هذا اليوم قد تم استنادًا لحدث إجرامي نفذه الطاغية المستبد /رافاييل تروخيلو/ ، والذي كان حاكمًا لدولة الدومنيكان حيث قام بقتل وحشي لثلاثة شقيقات هن /الأخوات ميرابال/ في يوم : 25/تشرين الثاني/1960 اللواتي جاهرن بنداء الحرية في مواجهة الاستبداد والتوحش الذي تمارسه الأجهزة القمعية لذلك الدكتاتور ، واحترامًا لذكرى تلك المناضلات قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ثلاثين عامًا من تلك الحادثة ، في : 17 كانون الأول 1999 تخليد تلك الذكرى باختيار يوم 25 تشرين الثاني من كل عام موعدًا سنويًا لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة تبدأ به النشاطات الدولية بهذا الشأن وتستمر حتى العاشر من كانون الأول .
ونحن هنا في سورية ، وفي هذه الظروف المأساوية التي تحيط ببلادنا ، نشارك الإنسانية بمشاعرنا على الأقل تلك الذكرى ، وهي مشاعر متعبة ، لكننا لا نملك سواها ، ونحن نشارك الإنسانية تلك الدعوة النبيلة لمناهضة العنف ضد المرأة في الوقت الذي يقاوم فيه مجتمعنا بكل أطيافه ذلك العنف والأجرام الذي تعرض ويتعرض له وطننا بشرًا وحجرًا ، لكننا نقول بكثير من الألم أن المنظمات الدولية وهيئات أممية متحدة ، وغير متحدة تبدو عاجزة عن مشاركة شعبنا مقاومته للعنف العنيف الذي تتعرض له المرأة ماديًا ومعنويًا في بلدنا ، وهي تندب كرامتها وحريتها وأطفالها وذويها وجيرانها ووطنها مما يكاد يأخذها بعيدًا ، فتتجاهل ولو مرحليًا ما تتعرض له من تمييز وتعنيف ذكوري ، أو بسبب من قوانين وأعراف ظالمة متعلقة بقوانين الأحوال الشخصية ، وغير الشخصية .
( 2 )
بل ، وأرجو أن تغفروا لي ما قد يعتبره البعض موقفًا صادمًا من منظمات دولية أنتجتها وترعاها دول محكومة بنشوة النصر بعد الحرب العالمية الثانية فاعتبرت نفسها وصية على الإنسانية جمعاء ، وشكلت مجلسًا أطلقت عليه تسمية "مجلس الأمن الدولي" لكنها هي التي تحتكر القرار فيه عن طريق "الفيتو" ، وأحاطته بديكور مما يسمى "الجمعية العامة للأمم المتحدة" قراراتها غير ملزمة ، وعندما بدأت المجتمعات تنتج جمعيات ومؤسسات مدنية وأهلية للحقوق الأنسانية عادت دول الهيمنة العنصرية بإنتاج مؤسسات كاريكاتورية في محاولة لاحتواء تلك النشاطات وتوظيفها انتقائيًا بحيث تعتبر تلك المنظمات انتهاك حقوق الإنسان في بلد ، ما ، عمل من أعمال السيادة ، وتعتبر ذات الفعل في بلد آخر جرمًا دوليًا ، وهكذا نسأل بكل بساطة كم يجلس على مقاعد ما يسمى "الجمعية العامة للأمم المتحدة " و "مجلس الأمن الدولي" و"جمعيات الأمم المتحدة للحقوق" من أمثال ديكتاور الدومنيكان "رافاييل تروخيلو" بل يُعتبر ما قام به ذلك الديكتاتور من توحش نقطة في بحر توحش الكثير من الطغاة والمستبدين الذين احتلوا ، ومازال الكثير منهم يحتل تلك المقاعد التي تُسمى دولية ؟؟، وبالتالي فهل يصلح المجرمون للتشريع في مناهضة الإجرام ؟ باختصار شديد إن ما يسمى قانونًا دوليًا ومنظمات دولية ، وما يتفرع عنه من مؤسسات مصابة بعوار قانوني شديد يستخدمها مجرمون وقتلة وعنصريون كواجهة ديكورية لتغطية القباحات العنصرية التي يرتكبونها ماديًا ومعنويًا بحق الإنسانية ، وما لم يتم تنظيف مقاعد "الجمعية العامة للأمم المتحدة من الطغاة والمستبدين الذين سطوا على السلطة في دولهم ، وإذا لم يتم اعتماد معايير حقوقية في صحة تمثيل الدول كأشخاص في القانون الدولي في الهيئات الدولية بحيث تكون حكومات الدول ممثلة لدولها تمثيلًا شرعيًا ‘ وما لم تنتخب الجمعية العامة للأمم المتحدة "مجلس أمن" كسلطة تنفيذية لمدة محددة ولدورة واحدة بحيث يتم تداول مقاعده دوريًا ، مالم يحدث ذلك ، فنحن لسنا في مواجهة منظمات دولية مشروعة ، وإنما في مواجهة متسلطين على القرار الدولي ، ومجرمين بحق الإنسانية يرتضون التمييز والامتياز والتهميش فيما بينهم ويفرضون ذلك على الآخرين .
( 3 )
قد يعتبر البعض أنني خرجت عن صلب الموضوع ، موضوع المناسبة التي نحن بصددها ، وهي "مناهضة العنف ضد المرأة" ، لقد أردت مما تقدم التمييز بين جمعيات إنسانية حقوقية تشكلت بمبادرات ذاتية من ناشطين حقوقيين على الصعيد الإنساني يرعاها نشطاء أجلّاء يمولونها ذاتيًا وتحكمهم نظرة إنسانية نحترمهن/م ، ونقدر جهودهن/م ، وبين منظمات وجمعيات ترعاها أنظمة الاستبداد والعدوان والعنصرية بهدف مصادرة دور الجمعيات الحقوقية الإنسانية الحقيقية ذات الأهداف النبيلة وتهميشها واختراق نشاطاتها ومحاولة تدجينها وتشويه مصداقيتها للتغطية على الجرائم الواسعة التي يرتكبها الطغاة داخل دولهم ، والجرائم التي يرتكبها الطغاة الدوليون بالتمييز العنصري بين الدول على الصعيد العالمي ، وتعنيف النساء وغير النساء ليس إلا جزءًا من تلك المنظومة الجهنمية .
هكذا تسعى أنظمة الاستبداد إلى تحويل ذكرى تلك الجريمة التي ارتكبها طاغية الأكوادور إلى منابر كاريكاتورية للخطابة ، وحفلات "الكوكتيل" ، ومهرجانات ، ومعارض للموضة ، والمكياج ، لكن لا يمكن لروائح العطور المنبثقة من تلك المهرجانات أن تغطي رائحة الدماء التي تسيل الآن في وطننا ، وفي العالم ، لا يمكن لموسيقاها أن تحجب صرخات الأطفال ونحيب الأمهات ، لا يمكن لمناظر القاعات الفارهة أن تغطي مناظر الدمار والخراب الذي تحدثه أسلحة القتل المتطورة .
( 4 )
أما المرأة في سورية ، فإن كل يوم مرّ ويمر عليها هو يومها ، وهي تنتشل أطغالها من تحت الأنقاض ، وهي تضمد جراح الأخ ، والزوج ، والجار ، وهي تواجه قضبان الزنازين وظلامها ، وهي تبحث عن رغيف الخبز لسد رمق أفراد الأسرة المحاصرين ، أنها جزء من منظومة الحياة والأنسانية التي تضم المرأة والأطفال والشيوخ والشباب والرجال في مواجهة الموت والدمار والحصار ، ولا وقت لديها الآن للبحث عن التميز أو الامتيازات بين الرجال والنساء ، نعم هناك قوانين يجب تعديلها أو تغييرها ، وهناك حلم بالمساواة والعدالة ، ليس بين الرجل والمرأة ، وحسب ، وإنما بين المواطنين نساء ورجالًا ، لكن الجميع الآن في سورية ، نساء ورجالًا ، يدركن ويدركون أن مقاومة العنف على المرأة هو جزء من مقاومة العنف والعدوان على المجتمع ككل ، وأن المسألة لا تحتمل التجزئة ، فإما عنف على المجتمع بكل أفراده . وإما مساواة بين المواطنين جميعًا .
فكل يوم ، وكل عام ، والمرأة في سورية : طفلة ، وشابة ، وأمًا بخير ، وكل عام ، وهي على أبواب الشيخوخة بخير ، رغم أنها لا تعترف بتلك المرحلة ، فهي دائمة الشباب ، وهي جزء من هذه الملحمة الوطنية بشموخها ، وأحزانها ، ودمائها ودموعها ، لتنهض سورية منارة للحرية ، في وطنها ، ولإمتها العربية ، وللإنسانية جمعاء ، رغم أنها منذ ما يقارب السنوات الست لم تستمتع بأصوات "الدرمبكة" فقد تم استبدالها بإصوات الرصاص و"البكبكشن" ،لا أعرف إن كان هذا أسمها ، فهي تميز صوتها فقط ، واستبدلت أصوات الطبول بإصوات المدافع ، واستبدلت أصوات الأبواق بإصوات صفير الصواريخ التي لا تعرف من أين تنطلق لكنها بعد حين تعرف أين دمرّت ...
( 5 )
لكن تلك المرأة العظيمة في سورية وفي كل المواقع تدرك أن هذا الليل مؤقت ، وسينجلي ... وأنها ستصل إلى يوم تقول فيه : كانت محنة ومضت ، وستحتفل دمشق بالصبايا ، وستكون المرأة سيدة الموقف ، وستنعم بقوانين الحرية والمساواة وسيعتذر منها المجتمع عما لحقها من حيف ، وستكون سورية قلب أمتها العربية النابض ، وعقل الإنسانية الراجح ، والحكيم ، والإنساني لبناء نظام دولي يليق بالإنسانية على أساس من المساواة والعدالة بين بني البشر جميعًا ، لا تمييز ، لا امتياز ، لا تهميش .
قد يقول قائل : عجيب أمر هؤلاء السوريين ... بلادهم تُدمّر ، ليس البنيان الحاضر فقط ، ولكن حتى التاريخي والأوابد ، سيادتهم تُنتهك من كل الأطراف ، والجيوش الغازية تتزاحم على أرض وطنهم لا لكي تتقاتل فيما بينها على ما بينها من عداوة وإنما لاقتسام مناطق النفوذ ، وتجريب القوة التدميرية لأسلحتها بقتل أطفالهم ، وسماء الوطن تكتظ فيها الطائرات الغازية ، لتقصفهم ، ومياههم الإقليمية تعج فيها الأساطيل ، لتدمير مدنهم ، ومع ذلك يتكلم السوريون عن إنهاض أمتهم العربية من كبوتها ، بل أكثر من ذلك يتحدثون عن تغيير هذا النظام العالمي الشائه ؟ أليس هذا ضرب من الأوهام ؟ ، يتحدثون عن ذلك كله ، وهم بالكاد يستطيعون مغادرة عتبات بيوتهم لا يعرفون إن كانوا سيعودودن إليها ، وهم بالكاد يحصلون على ما يسد رمقهم ، وهم بالكاد يجدون مأوى ، وهم بالكاد يحصلون على ضماد لتضميد جراح أطفالهم ، وهم بالكاد يتمكنون من دفن موتاهم ، وهم بالكاد يجدون من يقبل بهم ، وهم مشردّون في أرجاء الأرض .. عجيب أمر السوريات والسوريين عندما يذكرّهم أحد بذلك الواقع المر لا ينتابهم الإحباط ، وإنما يشعرن ، ويشعرون بالاعتزاز ، ويجبن ، ويجيبون بصوت واحد : أليس كل ماذكرتم دليلًا على عظمة هذا الشعب ؟ ، أليس دليلًا على أن تحالف كل تلك الوحوش الضارية المتصارعة ، شرقًا وغربًا ، شمالًا وجنوبًا ، في هذا العالم ، وهي تضع صراعاتها جانبًا لحصار شعب سورية ، وهو في تلك الحالة التي ذكرتم أكبر دليل على أن تلك الوحوش الضارية تدرك أن هذا الشعب السوري العظيم إذا انطلق من محنته فإن كل مزاياهم العنصرية ستسقط ، وأن العالم لن يكون عالم التمييز والعنصرية ، وإنما سيكون عالم الإنسانية المتساوية الحرة ؟ .
فتحية لكل من يقاوم الطغاة والغزاة ، تحية للنساء ، للرجال ، للشباب ، للشيوخ ، للإطفال في بلادي ، فالحرية لا تتجزأ . وحلم الحرية مشرع ومشروع .
حبيب عيسى
Email:[email protected]
يكتبها : حبيب عيسى



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google