ابو صبيحه يصلي الجمعة
ابو صبيحه يصلي الجمعة


بقلم: عباس العزاوي - 04-12-2016
خر ساجداً لله فور رؤيته الصنم في التلفاز وهو يهوي على الارض..فقد هاله مايحدث بعد كل هذه السنين الطويلة...هو لم يسجد لله يوما قط بل كان يعتبر ذلك معيباً ولايليق به أن يرفع أسته للسماء وجبهته تطامن للأرض بخضوع... حاول أن يتذكر اي شي من سور القرآن ،فهو لايجيد إلا الفاتحة...التي اعتاد قراءتها دون عناية في مصائب الآخرين واحزانهم ،أخذ يرددها بخشوع لعَلَّه يتذكر شي اخر غيرها وربما تذكر التكبير الذي كان يسمعه من جوامع المدينة ...الوضع تغيّر وكل شي حتماً سيتغيّر، إذن يجب ان اتغير أنا أيضا ، ردد الكلمات بصوت خافت،لايجب عليّ الخروج قبل أن أصبح شخصا آخر ، شخص تلوح على محَيّاه ايات الخشوع وعلى جبهته أثر السجود ..ساخرج بـ ( نيولووك ) كي يبدأ الناس باعتياد شكلي الجديد ،انه زمن الصلاة والتقوى ايها الرفيق، زمن البقع السوداء التي تعلو الجباه،وخواتم الفضة ، وبها فقط يمكنني الولوج مرة اخرى تحت عباءة الحكومة الجديدة!.

قلب البيت رأسا على عقب وهو يفتش بهستريا طافحة عن مسبحة سوداء بإعدادها المائة وواحد ،هو لايتذكر ان كان قد رأها من قبل او حتى لامسها، فكل مايتذكره ان امه التي ماتت قبل سنتين كانت لديها واحدة تقلب بحبيباتها الناعمة بعد الصلاة مشفوعة بهمهمة لايُسمع منها الا لفظ الجلالة...تدسها بعد انتهاء طقوس العبادة مع تربة صغيرة من ارض كربلاء بقطعة قماش خضراء نقش عليها اسماء المعصومين (ع) باللون الاسود.

صرخ في وجه ابنته البكر التي مرت بقربه بالصدفه، هل تعرفين اين اجد مقتنيات المرحومه؟.. لا بويه مادري اسال امي!!! اجابت وهي تبتعد خوفاً من نظراته المفزوعة....محد بيكم ايصلي؟ الله يلعنكم ياكفره!!!.

أصابته رعشة حين لامست يده دفتر اسود كان مخبأ خلف الأوراق المالية التي جمعها ايام الحصار ، رشى وعمولات وصفقات غير شرعية ، ارعبه المشهد وكاد ان يسقط على الارض، فهو لايريد ان يرى ايّ شي يشير لتاريخه الاسود، اي شي مهما كان صغيراً.. سالم عبد علي ، محمد حسين علوان، علي حسين صيهود ، اسماء الغائبين عن الاجتماع الاخير في الفرقة الحزبية!! كاظم عبد الكريم طاهر، سعد عبد الحسين ماهود ، سالم حسين ماضي، اسماء المشتبه بهم بالانتماء لمنظمات مناوءة للحزب والثورة، اراد ان يبتعد عن المكان اراد ان يهرب حاصرته فكرة ان يقع هذا الدفتر المخيف بيد احدهم فتكون نهايته الحتمية، الى اين يارفيق!!؟ حدثه كاظم عبد الكريم وهو يبتسم بسخريه، رأى سعد عبد الحسين يعتلي الدفتر ويشير اليه بأصبعه ،انت ايها البعثي القذر!! سنسحل جثتك العفنة في طرقات الثورة، تراجع الى الخلف فتعثر بطرف السرير الذي كان خلفه!!.

تحسس ذقنه وابتسم بمكر فهو لم يمسها منذ ايام ، ستكون مناسبة جداً لطقوس العبادة التزلفية القادمة...علي اللحاق فوراً بالجموع المحتشدة هناك قرب المسجد ، ستبدأ صلاة الجمعة!! توضأ كيفما اتفق في باحة داره وارتدى ثوبه الاسود الذي كان يرتديه ايام مهامة الوطنية في متابعة الزائرين ايام عاشوراء، لم يكن يخطر بباله بأن ادوات التجسس ستصبح يوما ما وسائل انقاذ مهمة ومثمرة ، حث الخطى الى راس الدربونه في قطاعه وهو يتحاشى نظرات الجيران المتسائلة وابناء المنطقة!! واخذ يتمتم بمفردات لايكاد يسمعها هو نفسه ، كي يكتمل مشهد الورع والتقوى امام الاخرين، وماكاد يصل الى اطراف صفوف المصلين الذين تجمعوا باعداد هائلة وافترشوا الشارع لاقامة الصلاة ، حتى سمع صوت من خلفه ، صوت كان قد سمعه من قبل ، ابو صبيحه ابوصبيحه وين رايح!!؟ لم يكترث للصوت مطلقاً ولم يلتفت!! فهو نذير شؤم في كل الاحوال ،بدأ الصوت يتعالى تدريجياً... وين رايح رفيق ابو صبيحه وين يمعود؟!، شعر بدوار اصابه،حبيبات العرق شرعت تتساقط من جبينه بغزاره واخذت مفاصله ترتعش رغم ارتفاع درجات الحرارة!!! فما كان الا ان ادلف برشاقة بين صفوف المصلين وراح يتنقل بينهم حتى ذاب بين كتل السواد التي اختنق الشارع بها، تلاشى الرفيق بين الابرياء والمنافقين كما تلاشى صوت الشاب الذي نادى عليه بين دويّ اصوات التهليل والتكبير والصلوات.

عباس العزاوي



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google