ثنائية اعمدة الاسلام الخمسة : ح 3 *
ثنائية اعمدة الاسلام الخمسة : ح 3 *


بقلم: د. رضا العطار - 30-12-2016


ان غاية الاسلام ليست هي القضاء على الاغنياء، وانما القضاء على الفقر . . فما هو الفقر ؟
انه نقص في الاشياء الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها للحياة العادية. ان يمتلك الانسان اقل من الحد الادنى اللازم لأدامة الحياة . . ان يكون تحت (مستوى الحد الادنى للمعيشة)، وهذه مقولة طبيعية و تاريخية تمثل مجموع السلع اللازمة للانسان ولأسرته بما يسدً احتياجاتهم المادية والاجتماعية. ليس الهدف ان يجعل المجتمع جميع الناس يعيشون في مستوى واحد.
ان الاهداف الاجتماعية للاسلام مقصورة على القضاء على الفقر، ولا تمتد الى تسوية الملكيات بين الجميع، فإن التبريرات الاخلاقية والاقتصادية لمثل هذه التسوية مشكوك فيه. كل مجتمع مستقر يُدعًمه – بالاضافة الى المعايير الاخلاقية والانسانية – مبدأ البقاء. وقدرُ المجتمع الاسلامي ان يبلغ الحد الاقصى من ناحية الانسانية ومن ناحية الكفاءة معا. فليس اسلاميا ان تهدد الاعتبارات الانسانية استقرار المجتمع وبالعكس، اذا سمح التأكيد المغالى فيه على الكفاءة والقوة باهدار المبادئ الاساسية للحرية وحقوق الانسان والانسانية. فدستور المجتمع الاسلامي يتحدد بالتحام هذين الشرطين المتعارضين : اقصى الانسانية واقصى الكفاءة.

ان الاعتبارات القانونية المتصلة بالزكاة قاصرة على كم تعطى مما تملك ولمن ؟ - - إلا ان مؤسسة الزكاة تعتبر ان مبدأ التضامن في حد ذاته هو الاهم من مجرد الارقام و النسب المستحقة. وطبقا لهذا المبدأ، تُمثل التزام اغنياء المجتمع بكفالة فقرائه، الاهمية الحاسمة في القضية. ولا يساورنا ادنى شك انه اذا قام نظام اسلامي صحيح، فانه سيناضل من اجل تحقيق الهدف من هذا المبدأ، بصرف النظر عن مستوى الدخل او احصائيات السكان - - سواء تجاوزت حدا معينا او لم تتجاوز - - المهم ان يتحقق المبدأ بالتزام فريق الاغنياء في المجتمع بالانفاق على فقراء المجتمع لسد احتياجاتهم اللازمة للحياة – وحيث ان الزكاة حق للفقراء فانه سيتم توفيرها بالقوة اذا لزم الامر.
نذكر هنا على سبيل المقارنة الفكرة التي سماها (ملتون فريدمان) (الضريبة المعكوسة) وهو اقتصادي امريكي حائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية . . وتقوم وزارة المالية وفقا لاقتراح ملتون بدفع هذه (الضريبة) لجميع الذين يكسبون اقل مما يكفيهم - - ان الفقر كان من الممكن ان يختفي منذ زمن طويل اذا كانت الاعتمادات الاجتماعية تُوجًه حقا الى من يحتاجونها بالفعل .

وفقا لبعض المراجع، ذُكر الالزام بالعطاء او التوصية به في اثنين وثمانين موضعا في القرآن. ونتيجة لاصرار التعاليم الاسلامية على العطاء جرت ثورة هادئة في المجتمعات المسلمة تبلورت في مؤسسة (الاوقاف). والوقف، من حيث انتشاره واهميته لا يوجد له مثيل في البلاد غير الاسلامية. فلا تكاد توجد دولة اسلامية واحدة ليس فيها ممتلكات كبيرة مخصصة للاوقاف وخدمة الخير العام. ولم يذكر الوقف في القرآن، ولكنه لم يظهر في المجتمعات الاسلامية بمحض الصدفة، انما كان ظهوره نتيجة لسيادة روح التضامن ولتأثير وظيفة الزكاة التعليمي في المجتمعات المسلمة. هذه الخبرة الاسلامية توفر الامل في خدمة غايات اجتماعية معينة يمكن تحقيقها بدون عنف.
ان الوقف، او السلع المادية في خدمة الغايات الاخلاقية، يُبرهن لنا على ان تغيرات كبرى يمكن تحقيقها في مجال الاقتصاد بدون تدخل المصالح المادية.
من هذه الناحية يعتبر الوقف مناقضا لما يطلقون عليه (القوانين الطبيعية للاقتصاد) انه شذوذ من وجهة نظر الاقتصاد السياسي ولكنه من حيث ثنائيته (كنوع من الاقتصاد بواعثه انسانية روحية) هو في حقيقته ممارسة اسلامية صحيحة.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google