أَلْمَتْحَفُ وَالذّاكِرَةُ
أَلْمَتْحَفُ وَالذّاكِرَةُ


بقلم: نــزار حيدر - 04-01-2017
أَلْمَتْحَفُ وَالذّاكِرَةُ
نـــــــزار حيدر
على الرّغم من انَّ العراق هو واحِدٌ من أَعظم بُلدان العالم التي تحمل بين جنَباتها تاريخاً غائراً في القِدم، الا انّهُ في نفس الوقت أَحد أَفقر البُلدان بالمتاحف!.
والمتحفُ كما هو معروف مكاناً لحفظ التّاريخ والانجازات وبالتّالي فهو مكانٌ لتنشيط الذّاكرة، ولهذا السّبب يمكن القول انَّ البلاد التي ليس فيها متاحف فهي أَحد إِثنَين فامّا ان تكون خالية لا تمتلك تاريخاً وليس لها انجازاً أو انّها لا تُحبُّ تنشيط ذاكرتها بأَيّ شكلٍ من الأشكال فهي تميلُ الى النِّسيان والتّناسي لأيِّ سببٍ كان، لحفظ الوحدة الوطنيّة مثلاً! أَو لتحقيق [التّسوية التّاريخية]!.
طبعاً ليسَ المقصود بالتّاريخ هنا هو التاريخ الزّمني المُتعارف عليهِ وانّما المقصود به كلّ ما هو حاضرٌ لهُ امتداداً تاريخيّاً، وعلى رأس ذلك الانجازات، فالولايات المتّحدة الاميركيّة مثلاً دولة حديثة لا تمتلكُ من التّاريخ معشار ما تمتلكهُ أِيّة دولة حديثة في الشّرق الأوسط، ولكن مع ذلك ففي واشنطن العاصمة وحدها عشرات المتاحف على جانبَي الطّريق الممتدّ بين البيت الأبيض ومبنى الكونغرس، وعلى مُختلف الاصعدة، كمتحف الفضاء والمتحف الطّبيعي ومتحف العلوم ومتحف الفنّ وغير ذلك الكثير!.
فضلاً عن عشرات المتاحف المُختلفة في كلِّ ولايةٍ وأحياناً في كلِّ مدينةٍ، يزورها السوّاح فيتعرّفون على قيَم البلاد وتاريخ كلّ ما هو حاضر، كما يزورها طُلّاب المدارس خاصَّةً الصِّغار ليتعرّفوا على بلادهِم وجذورها وكيف بُنيت؟ ومن الذي ساهم في بنائِها؟ وكيف؟ كذلك على مُختلف الاصعدة أَكثر فأَكثر!.
للأَسف ففي العراق لا يوجد هذا الشَّيء الا ما ندر، فالمتاحف عادةً يتقصر وجودها في العاصمة بغداد، امّا في المحافظات فيندر إِن لم ينعدم وجودها!.
لقد أُثير في ذهني، وانا أتجوّل في [متحف التُّراث السّرياني] في ناحية عنكاوا في محافظة أَربيل خلال زيارتي الأَخيرة للعراق، التّساؤل التّالي؛
ما هي الفائدة من مثل هذهِ المتاحف؟.
١/ في بلد كالعراق متنوعٌ في كلِّ شيء، ينبغي على كلّ مواطن ان يعرف ما الذي قدّمهُ كلّ مكوّن من مكوّنات المجتمع لهذا البلد وتحديداً لبنائهِ كدولةٍ حديثةٍ منذ ما يقرب القرن من الزّمن.
فعندما يعرف المواطن انَّ سريان العراق، مثلاً، لهم بصمة كبيرة جداً في بناء البلد كدولةٍ حديثةٍ وعصريَّةٍ وعلى مختلف الاصعدة، عندها سيحترم التنوُّع أَكثر فأَكثر، بل انّهُ سيفتخر بهذا التنوُّع ويحافظ عليه ويحميه ويُدافع عَنْهُ، فلا يدع زمرةً من الارهابيّين التكفيريّين يرتكبوا من الفضائع بحقِّ هذا المكوّن الأصيل لإجبارهِ على ترك بلادهِ الأصليّة ومسقط رأْسهِ ومحلّ صباه!.
اذا عرِف المواطن ماذا قدَّم السِّريان للعراق وعلى مختلف الاصعدة وكيف ساهموا في بنائهِ الحديث فسوف لن يمنح أَحدٌ الفرصة لإجبارهِم على ترك بلادهم كما فعلوا من قَبْلُ مع يهود العراق الذين قدَّموا من الخدمات الجليلة وتركوا من البصمات العظيمة في تاريخ العراق الحديث الشَّيء الكثير، الا انّهم أُجبروا، في نهاية المطاف، على مغادرة العراق في ليلةٍ ظلماء تاركين خلفهُم كلَّ أَموالهم المنقولة وغير المنقولة! باستثناء ذكرياتهم الجميلة وآهاتهِم وحسراتهِم.
نفس الحالة وربما بشكلٍ أَوسع تمَّ التّعامل مع الكُرد الفيليّة ومن قبلِهِم مع فُرس العراق، وهكذا!.
٢/ اذا اطَّلع المواطن على مُشاركات كلّ مكوّن من مكوّنات العراق في بناء البلد، فسيُؤمن بأَهميّة التعدديّة والتّنوّع في إطار التّعايش، وبالتّالي سيزداد منسوب المواطنة عندهُ على حساب الدّين والمذهب والعنصر والمنطقة والعشيرة.
مشكلتُنا في العراق انَّ كلّ مكوّن يجهل إنجازات المكوّنات الأُخرى ولذلك يتصوَّر كلّ واحدٍ من هذه المكوّنات انَّ العراق ملكُ يمينهِ وليس لأَحدٍ الحقّ فِيهِ الّا بالمقدار الضَّئيل جداً!.
ولو اطَّلع كلّ مواطن على مُنجزات الآخرين من أَبناء هذا البلد لربَّما اكتشف انَّ أَصغر المكوّنات حجماً وعدداً أَنجز أضعاف ما أَنجزهُ أَكبر المكوّنات! مَن يدري؟!.
٣/ كلّما زاد عدد المتاحف في البلاد كلّما نشطت ذاكرة المواطن أَكثر فأَكثر، والحمد لله فالعراق بتاريخهِ وعلى مُختلف الأَصعدة يمكنهُ ان يتحوّل الى متحفٍ كلّهُ!.
ولذلك فانا أَدعو مؤسَّسات الدّولة المعنيّة بهذا الامر الى تأسيس المتاحف في كلِّ محافظةٍ ومدينةٍ، ليكونَ التاريخُ حاضراً وشاهداً، فهي سببٌ مهمٌّ في تنشيط الذّاكرة من خلال إِستحضار التاريخ القريب على الأَقل، وتبيان مساهمات كلّ مكوّنات المجتمع العراقي في بناءِ الْعِراقِ الحديث.
ولعلَّ من أَهمّ المتاحف التي يجب الاهتمام بتأسيسها هو ما يخصُّ جرائم [الحزب الوهابي] ونظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية [نظام آل سَعود] الارهابي، والذي يجب ان يُقام في محافظة كربلاء المقدّسة كونها أوَّل ومن أَكثر المدن العراقيّة التي تعرّضت لجرائمهِم وإرهابهِم منذ قِرنَين من الزَّمن ولحدِّ الآن!.
ومن نافلة القول الإشارة الى اهمّيّةً تأسيس المتاحف التي تخلّد جرائم نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين، وخاصّةً قمعهِ لانتفاضة الشّعب في شعبان (آذار) والمقابر الجماعيّة وغيرها.
فاذا نشطت ذاكرة شعبٍ من الشّعوب، عندها يحقُّ له ان يكتب عند مداخل متاحفهِ عبارة؛
‏ Never Again
كما يفعل اليهود عند البوّابة الرّئيسيّة لمدخل متحف (الهولوكوست) في العاصمة الاميركيّة واشنطن!.
٤ كانون الثاني ٢٠١٧
لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920







Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google