"آمال وتطلعات لعام ميلادي جديد"
"آمال وتطلعات لعام ميلادي جديد"


بقلم: لقمان عبد الرحيم الفيلي - 05-01-2017
بعد ان قمنا بمراجعة اهم معالمنا العراقية لعامنا المنصرم (2016) بتغريداتنا الـ 12 في “تويتر”، من المفيد ان نفكر في ما نحتاجه ونأمل منه لعالمنا الحالي (2017) من خلال ما يلي:


-1 تعلمت من خلال معاشرتي لليابانيين ان البناء القويم الصحيح المتين يكون ضمانة قوية ضد اعتى زلزال او تسونامي، وان حسن بناء الانسان الياباني هو اهم رأس مال للمجتمع وللحكومة وللدولة اليابانية. ذلك البناء القويم جاء نتيجة تراكمية لتحسين مناهج الدراسة والتربية بحيث يرى التلميذ إيثار المعلم والمدير والأبوين قبل كل شيء ليبنوا سويةً إنساناً يُؤْمِن بكمال مسيرته واهمية دوره في بناء مجتمعه، ومن ثم تبقى اليابان منارةً للبشرية. أين نحن من منح التربية ومن ثم التعليم أولوياتها المستحقة لكي نبني الانسان العراقي قبل بناء الوطن؟.

-2 مع كبر حجم الولايات المتحدة الاميركية وكونها قارة اكثر من ان تكون بلدا، ومع اختلاف اجناسها واقوامها، إلاّ ان الأجنبي لا يستطيع ان يتجاهل أهمية سلطة القانون وحزم تطبيقه داخل المجتمع الاميركي. هناك نرى اختلاف خلفياتهم الحضارية والقومية والعرقية والدينية ومن جانب اخر نرى وحدة فهمهم للدستور والقوانين والتشريعات وإدراكهم ان قوة القانون مرتبطة بمدى إيمانهم به وان سلطة القانون لا يُعلى عليها، فعليه فانهم يَرَوْن في تنوعهم قوة، وفِي مرجعيتهم للقانون وضوحا. وهنا يأتي السؤال: اين نحن من تطبيق سلطة القانون في يوميات حياتنا المختلفة؟


-3 يقال ان الديمقراطية في بريطانيا هي من اقدم الديمقراطيات، ولعل نتائج استفتاء “بريكسيت” بخروجها من الاتحاد الأوروبي وكيفية تعاطيهم معها هي خير امتحان لقوة هذه الديمقراطية، النتائج كانت اقرب الى انقسام مجتمعي كامل ولكن نرى من جانب اخر احترام الأطراف لبعضها البعض وتمسك الكل بالديمقراطية كآلية تحكيم لتوجيه مسيرتها الجماعية. درس نعيشه ونستطيع ان نتعلم منه الكثير اذا حررنا أنفسنا من عقدة وسببية اننا كعراقيين مختلفون وأننا متميزون ولا نستطيع ان نقتبس الكثير من تجارب الامم الاخرى.


-4 التداول السلمي للسلطة والمنصب والكرسي يعتبر من اجمل وأحسن إفرازات الديمقراطية. من جانب اخر، نرى ان الديمقراطية، ان فُهمت بشكل صحيح، بحد ذاتها فهي في الحقيقة من أفضل الآليات لتطور المجتمع وسلامته، هنا يأتي السؤال عن طبيعة المعادلة الرياضية حول الديمقراطية من جهة، والأَمْن والسلامة والرفاه من جهة اخرى، وان كانت هي معادلة عكسية ام طردية؟ بمعنى اخر هل كلما طبقنا الديمقراطية نحصل على سلامة ورفاه وكرامة اكثر للمجتمع (طردية) ام ان سرعة تطبيقها تعني زيادة الفوضى واللاأمن (عكسية)؟ لعلنا لا نعرف بعد معنى الديمقراطية ومستلزمات نجاحها ومدلولاتها، إذن لنتعلم سويةً ولنعلم ان الانتخابات تعطي الشرعية ولكن المصداقية تترسخ فقط بالأداء المتميز للمسؤول.

-5 مشاريع التسوية أوالمصالحة المجتمعية...الخ كلها مفردات تدور حول عناصر معادلة دقيقة توازن بين السلام من جهة والعدالة من جهة اخرى، توازن هذه المعادلة ليس بعملية سهلة وهي دقيقة جداً وتحتاج لإلمام كامل بالماضي وآهاته والمستقبل وتطلعاته، نحتاج الى حوارات حقيقة وطويلة بعيدة عن الاضواء لكي نأتي بحلول غير صفرية.

هنا تأتي حكمة القيادة ومدى قدرتها على قيادة الشارع وترشيده، وفق متطلبات الشارع المنصفة وغير المنصفة.


-6 مع قرب انتهاء اخر فصل من كتاب ارهاب داعش في العراق، يأتي السؤال حول طبيعة الشائعات التي تتحدث عن شخصيات الرواية القادمة، ومن المحتمل ان تحتوي هذه الرواية الجديدة على شخصيات بطولية إرهابية من احفاد القاعدة وأُخرى من ضحايا أبناء الشعب، نأمل ان تكون هذه الرواية من الخيال وليس استقراء دقيقا للواقع الجديد، إذ ان شعبنا أُرهق من اعمال العنف وان حكايات الرواية وشخصياتها يجب ان تكون حول المهندس والمعلم لا الإرهابي ، وحول البناء والفرح لا الحزن والإرهاب. كفانا داعش ومخلفاته ولنعمل سويةً لغدٍ افضل.


-7 يُقال ان الإدارة السيئة هي الام غير الشرعية لكل مولود له علاقة بحالة فساد (إداري، مالي، أمني، اجتماعي)، الإدارة القوية تأتي من الإرادة الحازمة، وهذا الحزم يعتمد على وضوح الهدف وعدالة القضية ومشروعية البناء وتطلعات المظلوم لإحقاق حقه. كفانا نسمع من المسؤول ادعاءه بأن العام القادم هو عام البناء او محاربة الفساد او...الخ. نحتاج من المسؤولين ان يركزوا على قضايا مهمة ومحدودة (مثل عقود الفساد الكبيرة في الوزارات الشتى) بدل سعة وعودهم وضعف او ضيق مردودها.


-8 عند مراجعة الكيان الجديد لجمهورية العراق التي بُنيت على ركام جمهورية صدام حسين، لا يستطيع المراقب الا ان يعترف ان هيبة الدولة لم تعد بعد كما كانت، وان انتهاكات كثيرة ترتكب بحق هيبتها من شركاء العملية السياسية (في جهاز الدولة نفسها) ناهيك عن الغرباء. الحفاظ على هيبة الدولة ليس بأمر كمالي بل هو أساس محوري لأي بناء جديد قويم. يا ترى هل من متعظ؟


-9 الحكمة تقول “قل لي من تصاحب أقول لك من انت”، عندما نُقيّم العلاقات الستراتيجية للعراق مع الدول الاخرى، هل نستطيع ان نجيب بإنصاف وطمأنينة عن طبيعة شركائنا الستراتيجيين؟ وان كانت ماكنة الدولة وبوصلتها والمجتمع العراقي تسير باتجاه واحد صوب هذا الشريك او ذاك. ارى اننا نحتاج ان نُعيد قراءة مفردات مستلزمات العلاقات الستراتيجية، لأننا من دونها سوف لن نعرف من هم أصحابنا فضلاً عن ان يعرف الاخر من انت.


-10 هناك شبه إقرار من المجتمع الدولي والعراقي ان حدود الدولة العراقية الحالية سوف لن تتغير قريباً رغم سعي الإرهاب الدولي بشراسة لذلك، من جانب اخر هناك شبه إقرار أيضاً ان كيان الدولة العراقية غير متماسك وان الزمن بحد ذاته سوف لا يساعد على زيادة تماسكه. هناك الكثير من المعطيات التي تستطيع ان تعكس للآخرين سرعة تماسك الدولة وتعافيها، منها حسن الخدمات وسلطة القانون وترسيخ الديمقراطية وإيجاد فهم مشترك للدستور ونزاهة القضاء والحكم الرشيد. لنعمل سويةً لإعادة الهيبة للدولة ففيها أماننا.


-11 مجتمعات الاقتصاد الريعي المعُتمد بنسبة كبيرة على واردات النفط هي اقرب مثال الى شخص يستمر بصرف ماله بإسراف بسبب ما ورثه من ابيه من دون دراية بالمتبقي من الارث او كيفية زيادته لكي يحميه من غدر الزمان. هنا يأتي السؤال عن مدى ادراك المجتمع العراقي لخطورة الحالة المالية وضرر اعتمادها على سلعة أصبحت متوفرة بسهولة وعرضة للمنافسة من سلع اخرى (مثل الطاقة المتجددة او غيرها). بالاضافة الى سؤال الإدراك، يأتي سؤال الإرادة لشد الحزام المجتمعي بصرفياته وتقليل اعتماده على وظائف الدولة. هل نملك الشجاعة الكافية لمصارحة مجتمعنا (بالارقام وليس بالعناوين العامة) عن جسامة التحدي وعمق المشكلة وأثر التخطيط وطبيعة التغيير المطلوب هيكلياً وثقافياً ؟ كيف نستطيع ان نخطط من دون احصاء سكاني؟ ضروري ان لا ننسى ان دقات الساعة تدق.


-12 عندما نلاحظ تطور المجتمعات نرى بوضوح وجود ثلاث مرجعيات (سياسية واجتماعية ودينية) تحدد لمجتمعها طبيعة خياراته المستقبلية وحدود حركته ودرجة انسيابية التعاطي فيما بينها. إن قوة وسرعة وفعالية حركة المجتمع تعتمد على درجة الوئام بين المرجعيات الثلاث أعلاه. السؤال الجوهري في الحالة العراقيّة هو عن مدى وضوح هذه المرجعيات ومدى قوتها ومصداقيتها وانسيابيتها لأننا من دون معرفتنا للإجابة فان المجتمع سيضيع ولا يعرف بوصلة مسيرته ويفقد حيوية التطور الإيجابي.


-13 لعل من اكثر الأسئلة التي توجه لي من الأجانب هي عن تفسير سبب ضعف التطور المجتمعي للعراق مع عمق حضارته وميزة جغرافيته ونباغة افراده وغنى ثرواته وغيرها من مفردات عناصر القوة للمجتمعات. بحثت كثيراً عن اجابات مقنعة لهذا السؤال ووصلت الى نتيجة ان نباغتنا العراقية فردية لا جماعية وان ثروتنا مادة خام لم تُستغل بشكل صحيح بعد وان جغرافيتنا أصبحت محل طمع للآخرين بدل ما ان تكون نقطة قوة لنا. وأخيراً، ان الحضارة يجب ان تستمر مع الزمن لا ان تكون متقطعة. ولكي نخرج من هذه الحلقة القاتلة نحتاج ان نبدأ من نقطة الصفر ومنطلقها بالعمل الجماعي في البناء، وترسيخ ان الفريق اهم من الفرد وان العمل الجماعي شرط جوهري للتطور وخصوصاً في زمن العولمة.


-14 هل نعرف ماذا نريد مع تقادم الزمن؟ لعل عام 2017 يكون عام مراجعة حقيقية وواقعية لحالنا لنشخّص مكامن الضعف والقوة في يوميات مجتمعنا ومسيرتنا، لكن هل ستشمل هذه المراجعة نواقص ومتناقضات الدستور، او طبيعة ثقافة وهيكلية العملية السياسية التي تحتاج الى تحديث جوهري لانها لا تلبي الكثير من احتياجات واحلام جمهورها المتمسك بالديمقراطية.


-15 عام 2017 سيكون عام تحضير لانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات، هل سنرى برامج انتخابية مختلفة وواقعية او سنرى دوراً حقيقياً للفكر في فرز الكتل والأحزاب؟ وهل سيكسر الناخب القيود النمطية لطريقة انتخابه لابن عشيرته او مذهبه او قوميته ويختار الشخص المناسب للمكان المناسب؟


-16 جعلنا الله سبحانه وتعالى شعوباً وقبائل لنتعارف ويتعلم احدنا من الاخر، فهل سنتعلم من التجارب البريطانية واليابانية والأميركية وغيرهم؟ ام ان مقولة اننا متميزون ستشل نمط ومنهجية تفكيرنا وتجعلنا ندور في حلقة مُضرة ومُدمرة؟. لنفهم ونتعلم من الآخرين لكي نتطور تزامناً مع سرعة العصر ودقات ساعاته.


نأمل بالكثير من المشاريع والمفاهيم والاعراف والسنن الجديدة التي تستطيع ان تنهض بواقع حالنا نحو مسيرة بناء جماعية مليئة بمتعة التعب والنهوض نحو التكامل المجتمعي.


وكل عام وأنتم بخير

لقمان عبد الرحيم الفيلي



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google