الرد على خطبة الأب المكرم ثيودورس داود،،
الرد على خطبة الأب المكرم ثيودورس داود،،


بقلم: فارس التميمي - 06-01-2017
لا أعتقد أنه من السهل الرد على مقالة أو خطبة الأب ثيودورس الهجومية، التهكمية، والمجحفة في كثير من جوانبها بحق العرب،،، أياً كان هؤلاء العرب،، قديماً أو حديثاً،، سواء كانوا قريبين من موقع نشوء العرب الحقيقيين أو بعيداً عنه،، لن يكون الرد سهلاً من دون تخطي الكثير من الحواجز والعقبات التي نعيشها مع حالة تكميم الأفواه في ظلّ الحالة المزرية من إنعدام حرية الرأي في هذا الوطن أياً كانت مساحته المفترضة،، والتي أضيفت لها في القرن الماضي،، ظلماً وعدواناً،، الكثير من الجغرافيا الشاسعة التي لا علاقة للعرب بها، ولا علاقة لها بالعرب،، لا من قريب ولا من بعيد،، وسيبقى الردّ قاصراً، مُعَوَّقاً،، بل مشلولاً مع إنعدام هذه الحرية التي حُرمنا منها منذ قرون،، قرون لا يمكن الإفصاح عنها هنا متى بدأت!!! ولا سبيل لنا غير أن نشتكي لله سوء حالنا،، وقمع أفكارنا،، وتنغيص حياتنا،، لله وحده لا غيره!!
لقد إعتدت أن أعتبر الأخوة الدارسين والمتخرجين من المدارس اللاهوتية المسيحية أن يكونوا على مستوى من العلم بالتأريخ واللغة العربية،، المستوى الذي ربما لا يتوفر للكثيرين من غيرهم،، كما أن المتخرجين من هذه المدارس حريصون على توخيّ الحقيقة فيما يكتبون وما يتكلمون فيه،، ومازال أمامنا الكثيرون منهم ممن هم حريصين على المحافظة والتأكيد على هذه الخاصيّة التي لم تخلُ منها أدبياتهم وما تركوه القدماء منهم بيننا،، وليس المجال هنا لتعداد من هم هؤلاء،،
إلاّ أن الأخ الأب ثيودورس قد طلع علينا بهذه الخطبة ليلقي علينا ما نعرف البعض منه ونقرّ بأنه حقيقة مُرّة،، ولكن لبَّ الموضوع كان إجحافاً كبيراً بحق العرب،، وأنا قد تجنبت في بداية الأمر أن أتطوع للرد على مقالته الخطبة،، لو لم تأتني من عدة جهات من أصدقاء ومعارف،، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين،، وقد تصوّرت أنها ستكون قريباً المعلّقة الثامنة،،، والتي لا نعلم أين كان من الممكن تعليقها،،،
وللحق أقول أن الأخ الأب ثيودورس لم يكن ليطرق هذا الباب من توجيه هذه الدعوة للبراءة من العرب،،، والتي لم أعلم لمن يوجهها،، هل للعرب الذين يعتّزون بأصلهم العربي ومن دون أن يدخلوا في مهاترات ومفاخرة مع غيرهم من غير العرب،، أم أنه يوجهها لمن هم ليسوا عرباً بالأصل وإنما حُسبوا في غفلة من الزمن على العرب،، إما لأنهم لم تعجبهم أصولهم أو أنهم لم يستطيعوا تحقيق إنتماء لغير العرب عندما كانت قد مرّت على العرب حقبٌ كانوا يودّون لو أنهم ينسِبوا أبناء القطب للعرب لو إستطاعوا!!! مثلما فعلها عبدالناصر رحمه الله،، وتبعه صدام حسين،، بطريقة أخرى!
والأخ الأب ثيودورس لم يكن ليخرج علينا بهذه الخطبة، لو لم يسبقه من أباحوا لأنفسهم من غير العرب أن يشتموا العرب ويلعنونهم علناً،، عندما أصبح العرب في هذا الزمن وكما يقول الأخوة المصريين (ملطشة) الزمان،، وكل من تعَلّم الكلام والكتابة وجد في نفسه مقدرة على هجاء العرب وشتمهم،، نعم، ربما قد قام بهذا الفعل من هو فعلاً من أبناء العرب،، ولكنه بالتأكيد كان بسبب الحنق والغضب على النفس مثلما هو الحال عندما يسب الأب إبنه،، وهو يعلم أنه إنما يسبّ نفسه،،،
والأخ الأب ثيودورس لم يهتم لحقائق التأريخ والتي يجب أن يكون هو أعلم بها من غيره،، هو وحاخامات اليهود أيضاً،، إذا ما آمنوا بأن (إبراهيم) السومري النازح من سومر،، والذي مما لاشك فيه أن الأب ثيودورس يعتز به،، أنه جدّ العرب بلا أدنى شك،، العرب أبناء (إسماعيل)،، مثلما هو (ربما) يكون جدّه وجدّ اليهود الذين يعتبرون أنفسهم منحدرين من (إبراهيم) المهاجر من سومر،، ولا أدري أي تأريخ إعتمده في خطبته (الغضبى،، الحانقة) والتي تخلوا من السماحة التي عهدناها في رجال الدين المسيحيين الذين عرفناهم والذين سمعنا عنهم،،
الأخ ألأب ثيودروس يقول في خطبته:
لا لسنا عرباً،، نعم أنت لست بعربي،، ولك أن تكون ما تكون،، وسنظلّ نحترمك ونقدّر لك أنك تمثل ديناً أو طائفة من الناس تأتي إليك لتستمع لك وتصغي لما تقوله،، وليس لدينا إعتراض عليك أو عليهم إن إقتنعوا بما تقوله أو لم يقتنعوا،، فهذا ليس شأننا،، إن أجداد العرب كانوا يجتمعون ليعبدوا أرباباً وآلهة مختلفة تجتمع رموزها في مكة في وضع وحالة ديمقراطية لم يسبقهم لها أحد، لا في أثينا التي أقرت (ديمقراطيتها) إعدام سيد الفلاسفة (سقراط)،، ولا شهدتها روما التي كانت بلاد (العُهر) والتي أحرقت المؤمنين المسيحيين قبل أن يأتي (قسطنطين) الذي رأى فرصة في إستخدام الديانة المسيحية ليوسّع ويثبّت حكمه،،، فكما ترى أخي العزيز أيها الأب الكريم أنها ليست القومية،، بل السلطان البحت مرة،، وأخرى الدين الذي يُطوّعه البعض من رجاله لخدمة السلطان،، ولم يكن العرب في تأريخهم القديم إلا أعِزَّة لم يعرفوا الذلّ والهوان على يد أحد،، ولم يكونوا غير دول تتناحر بينها،، كل قبيلة كانت تعتقد وترى في نفسها أنها دولة لها حدودها وسلطانها المتمثل بشيخ القبيلة،، مثلما كان قياصرة الروم يغزون شعوباً أخرى ومنها شعوب سوريا وفلسطين والعراق ومصر وكل من تقع عليه أيديهم ويبلغه عدوانهم،، ولم يكونوا ملائكة تعيش على الأرض،، وكان حال كِسرَوات الفرس مثلهم عدوانيين يهاجمون ويحتلون ويستبيحون ما يبلغونه من الحي وغير الحي،، ولم يكونوا يتنزهون في العراق ولا في غيره،، وسبقهم في ذلك الأقوام التي ذكرتها من المشرقيين الذين ذكرتهم من سريان وكلدان وآشوريين وبابليين وفينيقيين وفراعنة،،، ومثلما تقول أخي العزيز:
(يكفي كذباً وتزويراً وممالقة وعجزاً وخوفاً....)
أقول لك: يكفيناً مفاخرة جوفاء بإمبراطوريات حَكَمَت بالحديد والنار أبناء إمبراطورياتها،، فالحال في حقيقة الأمر لم يكن كما تقول أخي الأب أن الناس في بلاد المشرق كانوا يرقصون ويزرعون ويشربون ويعيشون الرفاهية التامة،، لقد كان الناس في خدمة السلاطين والأباطرة وعبيداً لهم،، دوماً،، وكل قوي يسهل له العدوان على الضعفاء في كل عصر وزمان،، ومن هؤلاء الأقوياء الأباطرة الذين ظهروا من العرب في بني أمية وبني العباس،، وتبعهم من هم ليسوا عرباً من ترك وفرس وأقوام أخرى ربما تحترمهم وتعتز بهم،، ليست لهم صلة بالعرب وأذاقوا الجميع الويل والهوان والتحقير،،، لا أعتقد أن أجداد العراقيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين ولا كل الذين عاشوا فيما تُعَرَّف اليوم تعريفاً غير دقيق بأنها البلاد العربية،، لا أعتقد أن أياً منهم قد سَعُدَ في أيام حكم من حكمهم من غير العرب في القرون التي خلت،،
إن من توفرت له الأرض الخصبة والماء الوفير لابد أن يقوم على زراعتها وإستثمارها،، وهذا ليس شيئاً يحتاج أن تفتخر به الأقوام،، لكن من عايش شظف العيش وصارع جفاء وقساوة الصحراء،، ثم إستطاع أن ينطق مثلما نطق به العظيم (أمرئ القيس) الذي جالس قيصر الروم،، وإنتهى به الأمر أن غدر به قيصر الروم لظنون وشكوك أثيرت حوله في بلاط القيصر،، وإنتهى به الأمر أن إغتاله القيصر العظيم (المتحضر) أبشع إغتيال،،، ألا تعتقد أننا يحق لنا أن نفخر بما يقوله هذا الشاعر العظيم وهو يصارع سكرات الموت من السم الذي أهداه له القيصر العظيم:
أجارتنا إن الخطوب تنوب وإني مقيـم ما أقـام عسـيب
أجارتنا إنا غريبان هـاهنا وكلُّ غريب للغريب نسيب
إن كلّ ما أوجده الكرام من أهل الحضارات الشمالية كان مبنياً على رغبات السلاطين الذين حيثما رغبوا ذهب المبدعون ومن أسميتهم "أولاد أصل" وهذه التسمية التي لا أستطيع إلا أن أشمَّ منها رائحة الخنوع والتبعية والهوان،،، لم يكن العرب يوماً في تأريخهم البعيد،، نعم أقول في تأريخهم البعيد،، تبعاً لأحد،، ولهذا لم ينشدوا ولم يبدعوا إلاّ لأنفسهم ولحاجتهم،، وما كانت لهم يوماً حاجة لما كان في أيدي السلاطين،، كانت تكفيهم صحراؤهم وسماؤهم المفتوحة،، ولم يعتدوا على أحد،، ولم ينقضوا العهد مع أحد،، كانوا ينامون وأعينهم مفتوحة تحسباً لمن يمكن أن يسطوا عليهم،، مثلهم مثل كل دولة تخاف أن يأتيها غزو من دولة أخرى،، فالعرب كانوا دولاً ولم يكونوا عوائل بسيطة وضيعة متدنية المطامح،،، كان يكفيهم ما خفّ حمله وزهدت قيمته،، كانوا مثال التجرد والعنفوان في مواجهة طبيعة لاتعرف الرأفة بأحد،، هذا هو المجد،، ولم يعتدوا على أحد مثلما يقال من كذب وتلفيق،، أنهم تحاربوا بسبب (جمل) أو (إمرأة) أو (حمار) كما ورد في خطبتك التهكمية سيدي الأب الكريم،، هذه كلها أكاذيب وتسطيحات للحقائق،، وأنا لست هنا بمقام أن أذكر في كلامي هنا تفصيلات عما أعلمه عن أبناء الصحراء الذين أفخر بالإنتماء لهم،، وعن ماذا إكتشفوا من طب وعلاج ولقاحات لأنفسهم ولما يهتمون به من حيوانات يحرصون عليها،، ربما سيكون ذلك في وقت آخر،، وإن رغبت في التعرف على نماذج من ذلك،، أستطيع أن أشير عليك بمؤلفاتي العربية والإنكليزية عن الصقور وما علمته من إبداعاتهم في مجال رعاية الصقور!!!
إنه من الواضح أنك سيدي الأب الكريم،، قد وجهت خطبتك الكريمة لغير العنوان الذي يجب أن تتوجه إليه،،، فالعرب الذين قصدتهم في خطبتك نحتاج لمقام آخر وفرصة أخرى للتدقيق في مدى مسؤوليتهم عما ورد من مساوئ أحلت مسؤوليتها على العرب،،، فالعرب هم،، النعمان بن المنذر،، هم حاتم الطائي،، وهم قبل ذلك كله (الأحناف) الذين تمثلت بهم أعلى القيم الإنسانية،، وبدون أن يكونوا مدفوعين بإنتماء لدين أو مذهب أو قومية،، كانوا أحنافاً كرماء على قدر سجيتهم وطيبة معدنهم،، هؤلاء هم العرب الأقحاح أحفاد (إبراهيم) السومري،، والذي كل ظني أنه لو علم بهم لكانوا موضع فخره،، أكثر من فخره بمن جعلوا من قيمه أحزاباً،، تناوبت السلطان على مرّ الزمان،، العرب هم المتنبي،، هم أبو العلاء المعري (فيلسوف الشعر وشاعر الفلسفة) والذي لم يكن للسلاطين دور في نشوءه ولا في رجاحة عقليته،،، ولا أريد أن أكون متطاولاً عندما أتغنى بأحد إبداعاته وهو يقول:
أرائيك فليغفر لي الله زلّتي فديني ودين العالمين رياء
العرب هم الجاحظ العظيم،، الذي لانبالغ إذا ما قلنا أنه ساهم في وضع أصول النقل وأمانته العلمية،، العرب هم إبن خلدون (بالرغم مما يحيط بشخصيته من مجهول)،،
وأنا أعرف وأقدر مقدار حزنك على ما أصاب إخوتنا المسيحيين في العراق من مآسي وإعتداءات،،، ولكنك لابد أنك تعرف أنها لم تكن لها علاقة بعروبة من قاموا بها،، فمن كانوا يذبحون ضحاياهم لم يكونوا يهتفوا بإسم العروبة،، وأنت لابد تعلم أن منهم الكثيرون ممن هم أصلا لا علاقة لهم بالعرب وليسوا عرباً بأي مقياس،، وأنهم يفتخرون بأصولهم غير العربية،،
يلوح لي سيدي الأب أن خطبتك بالفعل قد توجهت لمن هم الآن في أتعس الأحوال،، وقد تبرأت منهم هذه الدنيا الظالمة والتي لم تحفظ عهداً لأحد،، فمثلما هي اليوم تقوم على الشتم والإهانة للعرب بحق وبغير حق،، فإنها في نفس الوقت تقوم على تجويع وإذلال أصحاب الحضارات التي ساهمت في رفد الإنسانية الأولى بالعلم والأدب،،، وبالديمقراطية،،، اليونان وروما،، كلاهما تعانيان اليوم من إجحاف هذه الدنيا،، وربما في هذا عزاء للبعض من العرب عندما يرون أنهم ليسوا وحيدين في طريق موحش،، قد يدوم طويلا،، وربما لن يبلغ أحد نهايته،،،
كلمة أخيرة،،، لأخي الأب ثيودورس،، كلمة صدق أقولها لك،،، لم أكن لأصدق أو أتصور أنك وبما تعتمده من حكمة وسماحة السيد المسيح،، مثلك الأعلى،، أن توجه كلمات غضب وتحقير لقوم تميزوا بالكثير عما ليس في غيرهم،، الكثير من الحق الضائع،، وعانوا الكثير مما تكالب عليهم من مظالم،،، من ظلم ذوي القربى،،،
فهل أطمح في أن تغير رأيك،،، فالتأريخ الحق لايرحم،،،،
فارس التميمي
3/1/2017



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google