للأسف لاأمتلك شجاعة الإنتحار !
للأسف لاأمتلك شجاعة الإنتحار !


بقلم: خضير طاهر - 08-01-2017
التقيته في أحد مكاتب الأمم المتحدة .. كنا نبحث عن فرصة الحصول على اللجوء على أمل نعيش حياة أفضل ... كان يحمل على أكتافه جبالا من الأحزان والوجع وخيبة الأمل في كل شيء ، كانت هذه المرة الأولى في حياتي التي ألتقي فيها شخص أكبر من حياة سوبرمان وبطل حقيقي .

في البدء مارست معه عادتي المفضلة في العطف والشفقة والتخفيف من قلق وأحزان الناس الذين أصادفهم ، وعلى العكس من طبيعة الإنسان الشرقي الذي يجد قيمة ذاته وتوكيدها في الكلام ، كان في أكثر الأوقات صامتاً يبادلني النظرات ويحرك رأسه وهو يصغي .. لقد أثار إعجابي بإمتلاكه حضارة الإصغاء وتسألت مع نفسي : كم تخطى وتجاوز هذا الكائن المتحضر من عيوب البشر في حبهم للظهور وإستعراض الذات بالثرثرة والجدال والصراخ ؟.


في أحدى المرات قلت له :

- لو كنت محظوظا ستقبل لاجئا في الأمم المتحدة .. لأن أكثر قصص العراقيين متشابهة ، والأمر الحاسم في هذه الحالة للحظ .

أجابني بلامبالاة :

- لم أعد أفكر بالحظ ولا في أقدار الغيب .

- هل أنت من المؤمنين بدور العقل والإرادة فقط في تحديد مصير الإنسان ؟

- أنا لاأهتم للعقل ولا للإرادة .

سألته بإستغراب :

- لكن من يصنع مصير الإنسان ؟

- فكرة المصير بحد ذاته مجرد عبث وأحد أوهام الحياة .. ماقيمة المصير إذا كان هناك موت ينتظرنا؟

- هل أفهم من كلامك عدم وجود معنى للحياة ؟

أجابني بهدوء وبرود :

- لايوجد معنى لكل شيء .

- ألا تجد المعنى في العمل الثقافة المال الجنس ؟

- كلها أوهام وعبودية للذات .


عرفت فيما بعد انه عاش فقيرا معذبا ، وقام بجهد عصامي شخصي بتثيقف نفسه ، ودخل المدارس الدينية للدراسة وإكتشف بعد ان حين ان الأديان مجرد تصورات بشرية أنتجتها مخاوفهم من شر الطبيعة وعذاب الجحيم ، فترك الدين وإتجه الى العقل ، فوجد ان العقلاء وحدهم هم من صنعوا الأسلحة وأشعلوا الحروب وليسوا المجانين !


أردت ان أعرف منه هل لديه مثل أعلى من بين البشر سواء الأحياء أم الأموات .. أخبرني انه يرى الإنسان حتى في أحسن حالاته هو كائن مشوه شرير ... والبطولة والسمو ألفاظ لغوية أكثر منها معاني ... لذا ليس لديه مثل أعلى من بين البشر.

لقد إنهار إيمانه بكل شيء .. بالدين والإنسان والعقل ونظام الحياة .

سألته :

- كيف هي علاقتك بالله ؟

- الله لايريد الإرتباط بعلاقة مع أحد ولهذا إحتجب عن الجميع ولم يظهر .. وأنا أحترم رغبة الله هذه وأبتعد عنه ، وكذلك لاأستطيع التفكير به لأنه أكبر من قدراتي العقلية البشرية .


قلت له :

- ماهو الهدف الذي يجعلك تعيش ؟

- لاتوجد أهداف عندي .

لطالما أحببت الشخصيات المتمردة التي قرأت عنها في الروايات الأدبية والتاريخ .. من النادر رؤية شخص يحطم روتين التفكير والعقل وينظر بوعي خاص حر .. كان خبيرا بالحياة إكتشف أسرارها وخدعها وتمرد عليها .. عرف الحقيقة .. حقيقة اننا نعيش في تفاهات وأوهام منذ الولادة حتى المماة وأكثرنا غير مدرك لهذه الخديعة .. خديعة ان الحياة لعبة سخيفة.

قلت له بجدية :

إن كانت الحياة بلا معنى .. لماذا لاتنتحر ؟


أجابني :

- للأسف لاأمتلك شجاعة الإنتحار !



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google