رفقا بفقراء العراق
رفقا بفقراء العراق


بقلم: محمد رضا عباس - 08-01-2017
الإرهاب لا يعنى فقط أن يتحزم بهيمة على شكل إنسان بحزام ناسف ليفجر نفسه في وسط الأبرياء , ولا يعني تفجير سيارة مفخخة وسط سوق لقتل اكبر عدد ممكن من المواطنين تقربا إلى الله تعالى والنوم مع 72 من الحور العين , وإنما يشمل أيضا إرهاب الدولة لشريحة الفقراء بأرزاقهم وهو أقسى أنواع الإرهاب على الإطلاق , لأنه كما يقول المثل الدارج " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".
الأمر الذي قادني لكتابة هذه المقدمة هو إن منظر محزن وغير حضاري وليس في وقته شاهدته وإنا في طريقي من حي العدل إلى مدينة الكاظمية قبيل ظهر أحد الأيام الخريفية وهو قيام بلدية المنطقة بالهجوم على بسطة أحد البقالين ورمي بضاعته على الأرض. المنظر كان مؤلما لكل من كان راكبا معي في سيارة الكيا , حيث علق احد الراكبين إن "المشاكل في العراق قد انتهت والحمد لله ولم يبقى لدى الدولة إلا محاربة الفقراء ", وأخر ذكر إن" هؤلاء البقالين هم أبناء الشهداء أو إباءهم , وليس لهم من يحميهم لأنهم من الفقراء ولو كان هؤلاء من أبناء الوزراء والمتنفذين لما تجريء شرطي البلدية برمي بضاعتهم في الشارع " , وأخر علق قائلا " إن البقال ربما لم يدفع الرشوة هذا اليوم إلى بلدية المنطقة فكان عقابه رمي بضاعته تحت عجلات السيارات القادمة والذاهبة إلى مدينة الكاظمية ".
لا اعرف السبب الذي دعي دائرة بلدية المنطقة لاتخاذ هذا الإجراء الأحمق ضد هذا البقال السيئ الحظ؟ فإذا كان هذا البقال متجاوز على رصيف المارة , فان هذا الرصيف هو بعيد عن المارة وربما لا احد يستخدمه للمشي لكونه بعيدا عن مركز المدينة وكان أحرى ببلدية المدينة تنظيف بقية الأرصفة المتجاوز عليها في المناطق التي تغص بالمارة. وإذا كان هذا البقال قد تجاوز على ملك خاص فالأحرى بشرطة المدينة إزالة البسطة بشكل حضاري تماما كما تتعامل الشرطة الاتحادية مع أبناء المدن المحررة في نينوى. فهل من العدل والإنصاف التعامل مع هذه الشريحة من المجتمع بهذه الحماقة والقسوة لأنه لا توجد قوة سياسية تحميهم او تهتم بشأنهم و تتحدث باسمهم وتهدد من يسيء لهم؟ هل تحتاج هذه الشريحة لاسامة النجيفي ورعد السليمان ورافع الرافعي واحمد المساري حتى لا تعتدي شرطة البلدية على هؤلاء الكسبة؟
كما قلت , لا اعرف السبب ولكن السبب لا يبتعد كثيرا عما ذكرته أعلاه وهو إما متجاوز على طريق بعيد جدا عن المارة أو متجاوز على ملك خاص وبذلك لا تحتاج بلدية المنطقة التعامل مع هذا الكاسب وبقية الكسبة بمثل هذه الإجراءات . لا تستطيع بلدية المنطقة الدعوة بان هذا البقال قد شوه منظر الشارع , لان طريقة عرضه الجميل والمنتظم لبضاعته يزين المنطقة ولا يشوهها وفي شارع لا يوجد فيه إي مسحة جمالية غير أكوام الأنقاض على جانبي الطريق وأكداس الأوساخ المتطايرة هنا وهناك . أقول لا يحق لبلدية المنطقة بإزالة بسطة هذا البقال في الظرف الاقتصادي الحالي. هل توجد فرص عمل أحسن لصاحب هذه البسطة فرفضها؟ أو بكلام أخر هل وفرت الحكومة فرصة عمل لهذا الكاسب حتى يستطيع توفير ما تحتاجه عائلته؟ هل قامت أمانة العاصمة المدللة بتوفير أماكن منتظمة لهؤلاء الكسبة تخلصهم من مطاردة "قوات البلدية " وسهولة وصول المتبضعين إليهم؟ أقول ان دوائر البلديات لم تساوي حتى الدول المحيطة بدولتنا في تعاملها مع شريحة البقالين والكسبة. الم تروا كيف تعاملت حكومة الأردن مع البقالين وكيف وفرت لهم المكان المناسب لهم؟ الم تشاهدوا كيف تعاملت دولة الإمارات العربية معهم؟ البحرين؟ إيران؟ تركيا؟ يا أصحاب المعالي حل مشكلة أصحاب البسطات لا تحتاج إلى عملية جراحية دماغية ولا بناء عربة فضائية تنقلنا إلى كوكب المريخ. كل العملية تتطلب أيام من الجهد والإخلاص والوطنية وتقربا إلى الله. نعم , صيانة الفقير واحترام أدميته عديله الصوم والصلاة . الم تقرؤوا قول الرسول الأعظم " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"؟ لان ظلم الفقراء وقهرهم ومعاداتهم وإرهابهم يسخط الله ويحبس عنا بركات السماء.
لقد تركت العراق لفترة تفوق الأربعين عاما فلم أجد فرق بين النظام العسكري الذي حكم البلاد في تعامله مع الفقراء وبين العراق الجديد , عراق الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان . في زمن الراحل عبد السلام عارف كنت أشاهد غزوات بلدية الكاظمية وهي تصادر عربات وبسطات باعة الفاكهة والخضرة و رمي بضاعتهم وسط الطريق , وفي خريف عام 2016 شاهدت نفس المنظر ! إذن ماذا تغيير؟ ما حاجة الفقراء إلى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهم جياع خائفين من بلدية المنطقة! يا سادة , بدماء الفقراء وقف العراق على قدميه ضد أسوء مجاميع إرهابية عرفها التاريخ الحديث . وبدماء الفقراء تحررت صلاح الدين وديالى والانبار وأخيرا نينوى من داعش , وبإصرار الفقراء على التغيير استطاعت الأحزاب السياسية الحصول على المقاعد في البرلمان وبالمنافع الشخصية التي يتمتعون بها. وبصبر ومثابرة وإصرار الفقراء أصبح المتبضع يستطيع شراء كل ما يحتاجه من سلع وخدمات وبأسعار معقولة. وبفضل الفقراء تزينت المدن بصيحاتهم المعروفة وبعرض بضائعهم.
وهل احتاج إن اذكر قادة البلاد إن الربيع العربي الذي سرقته القوى الإسلامية المتطرفة كان فتيلة ناره بائع فاكهة في أحد شوارع تونس اعتدت عليه بلدية منطقته. البقالين فقراء لا برلماني يحميهم ولا وزير يحل مشاكلهم , ولكن لهم ربا يحميهم و قوة عددية ضخمة إذا انفجرت سوف تحرق الأخضر واليابسة وسوف لن يلوم قادة البلاد إلا أنفسهم .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google