ماتريوشكا عراقية
ماتريوشكا عراقية


بقلم: فيحاء السامرائي - 12-01-2017

ستندهش كثيراً، هاك هذه الـ (متريوشكا)، امسكها جيداً..ألم تسمع بدمية خشبية تراثية من روسيا؟..افتحها من وسطها، ستجد في داخلها دمية صغيرة، وفي داخلها دمية تصغرها تحتوي على دمية أصغر..فيها مفاجآت مسلية..افتحها، ستندهش كثيراً.
هل تفضّل أن تضحك كثيراً بل وتقضي وقتاً جيداً في تسلية طريفة أخرى؟..العب دومينو، لكن ليس بطريقة تقليدية..رصّ قطعها قطعة تلو أخرى لتكون قائمة على طرف واحد..بعد أن تفرغ، ادفع أول قطعة باصبعك على مهل باتجاه القطع الأخرى، ستسقط الأجزاء الباقية تباعاً، ستتهاوى قاطبة بايقاعية مسلية..ستضحك كثيراً.
لنلعب معاً..سنضحك ونندهش حد البكاء، ستكون أنت قطعة الدومينو الاولى أو المتريوشكا الكبيرة، ليتسلى بك من يهوى اللعب..هيا، امض الى جامعتك اليوم دون أن تعبأ بخطر قناص أو متربص خاطف.
- لا، لا، لا يجوز لشاب مثلي في جنين آماله أن يمضي مبكراً عن هذه الدنيا، ما زالت الحياة تنتظر مني الكثير وانتظر منها الأكثر.
هراء، هل تسمي تضاليع مرارات حياة؟ سنمنحك وآخرين فرصة التخلص منها والذهاب الى أفضل منها، وفي الوقت ذاته سنمتّع أنفسنا.
- ينبغي على الحياة أن تستمر بكل تلاوينها، مددها، عجائبيتها، وكيفما تكون، بيضاء رمادية سوداء، طويلة متوسطة قصيرة، مبهجة عادية محزنة، ستدوم بعدم تناسقها وعدم كمالها وتعرجاتها، فلها صعود مثلما لها هبوط.
عجّل، بدون لغو فارغ، ليس لديك في بلدك هذا سوى خيارين، أما ان تكون قطعة دومينو لا رقم لها أو أن تكون القطعة الاولى في اللعبة..كيف يمكن لنا أن نضحك أو نتسلى ونندهش إذن؟
يطلعون من حيث لا منفذ ولا أمل، يضعونني في سيارة مسرعة ويمضون.
كل شيء أظلم..لا أبصر سوى طفل يلعب في شوارع المدن، أمّ تمسح عرقه و تحوطه بقلبها، أب يغلفه بابتسامة حنون..يكبر الطفل، يصير شاباً لا يسعه عالم واحد، تنبت أحلام من جسد غض يسكنه، تعجز تربة تنمو فيها عن ريّها..أين أنا؟ أين آمالي؟
يقتلونها حين يقتلونك، علام لا تفهم قواعد اللعبة يا فتى؟..ستكون قطعة الدومينو الأولى، لكي يتسلوا ويضحكوا ويكبّروا ويباركوا بعضهم البعض..سيضعون مواد متفجرة في جوفك قبل أن يرموك على عتبة باب أهلك.
ناس كثيرون يجهشون بالبكاء حول جسد مسجّى، يوجع الجثة دمع وشعر مقطع يتساقط عليها لأم ناحبة..تصهر لوعة في الهواء، ما في داخل الجسد الميت، ينفجر..يتمزق نسيج أمل وأسرة وآتٍ من زمان.
تتحرك قطعة الدومينو الثانية وتسقط.
ينصبون مجلس عزاء، يتجمع معزّون وحزن في سرادق أسود، يدخل عليهم من يرتدي حزاماً ناسفاً، يفجّر نفسه، تتناثر أشلاء بشر وحروف كلمات كتاب مقدس.
تتحرك قطعة الدومينو الثالثة وتسقط.
تأتي سيارات شرطة للاستعلام وللقبض على الجناة، تباغتها سيارة مفخخة، تنفجر، تتناثر هيْبة أزياء رسمية ونجوم حكومية.
تتحرك قطعة الدومينو الرابعة وتسقط.
يتجمع ناس، يضرب شخص كفاً بكف أسفاً، يجلب عربته، ينقل بقايا بشر وقطع لحم..بين المتجمعين، ثمة من يحرّك قطعة الدومينو الخامسة ويُسقطها، يصوّب سلاحه على من حوله مطلقاً عيارات نارية تجيد قتل كسبة وتتقن تعليم معاني جوع وحرمان لأفواه وبطون أطفال.
يفزع ناس، يتصلون بالاسعاف لكثرة عدد المصابين.
تنطلق سيارة اسعاف بجرحى وضمادات وأنين، تمرّ بالقرب من عبوة ناسفة، تنفجر، تتطاير أردية بيضاء وأيدٍ سمراء مكرّسة لإنقاذ وإشفاء.
تتحرك القطعة السادسة وتسقط.
تتواصل قطع الدومينو بالتساقط واحدة تلو الأخرى، لكنها تبدو لعبة غير مسلّية على الاطلاق، لأننا بكينا كثيراً، لم نضحك ولم نندهش، بكينا الى حد أغزر من الطوفان.
وبعد الطوفان، من سيبقى ليضحك؟



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google