الشهيد الذي ولد في يوم أربعينيته
الشهيد الذي ولد في يوم أربعينيته


بقلم: وليد كريم الناصري - 12-01-2017
لمولدك حكاية طفلاً حل أكليله عطر أزهار تملأ الفضاء بهجة وسرور، عبق من نسيم يافع، يعطي للفجر ألوان الصباح، ندى يهرب من بين أصابع الغيوم، فتخجل السماء بلونها الأحمر، ويرتحل الندى الى فضاء الدنيا، يعاكس زغاريدهم فرحاً، توشم خدك قبلةٌ، فتزيحه إبتسامة والدةٌ ضانية متعبة، يسامرها ضحكاتهم الصفراء ألخائفة، فيعالجونها بتمتمة لله فيها شكراً على العرفان بالمولود، ما بين مقتنيات الدهر، وصناديق قلوبهم المفعمة بالإيمان، وجدوا ظالتهم، التي تجعلك سمي وصي رسولهم الأكرم، فسموك "حيدر"يا عبق من "حيدر".

لهواجسك رحلة، في فضاء مخيلتك البعيدة الظلماء، أمتعة بسيطة، ضمير حي، وأخلاق ويقين، لم تبحر بعيداً، لم تكن ممن يرى المغامرة في المجهول حلاوة، يتناولها الفتيان بعمرك، ولدت بجسد صغير، لم تغنيك العابهم، وشببت بعقلاً كبير، لم تلهيك أحلامهم، لعينيك حكاية دمعة على الحُسين، لفمك صوت ينعى الحسين، لكفيك وصدرك قصة تحكي الوفاء للحسين، كنت تكرس من الأعمال ما يصلحك، ومن العشق ما ينفعك، ومن عاشوراء ما يخلدك.

الشهيد الذي ترك من خلفه ألام وأوجاع، بمساحة مدينة يسكنها، ودموعاً بقدر مجالس كان يحضرها، أخر مرة أطل عليهم، وكانت إبتسامته مشرقة كقرص شمس لاهب، وبيده رسائل سوداء، جاء ليبثها الى معشوقه الحسين، إيذانا بذكرى رحيله الى الملكوت مذبوحاً بشط الفرات، "حيدر" علق رسائله، رايات وقماش أسود على جدران الجامع، الذي كان يكثر الصلاة فيه، ليرجع مسرعاً يحزم أمتعته الى حيث ركب الحسين، والجهاد ضد نسل أمية والإرهاب.

راح "حيدر" وفي قلبه عشق لحيدر، يقارع الصعاب، وينهش جسد التعب بأنياب يقينه وإيمانه، أثخنته صرخات الوطن، وأستنزف الحق قوام جسده، ليجد نفسه في ميدان الجهاد، يشاطر الإرهاب أزيز الرصاص، ذلك الشاب البصري، الذي حمل في قلبه عشق النصر على أعداء الإنسانية، فأدرك النصر بالطريقة التي أرادها له الله، وأرتحل "حيدر" شهيداً ليُزيين الجنان، بنور وجهه الأبيض.

لم ترى عائلة الشهيد "حيدر" بولدها، بأنه ضحية إرهاب، خصوصا وإن والدته منعت النساء من البكاء عليه..! وأن لا يندبن موته بالجزع والبكاء، كانت ترى ولدها الشهيد قد تلاقفته الملائكة بالتهليل والتبريك، ولا ترى مكان تأمن على ولدها فيه غير الجنة، التي يملأها الملائكة والصالحين.

ترى ولدها ذهب ليعيش في مدينة الشهداء التي يتسيدها الحسن و الحسين، تصديقا لحديث رسول الله بأن "الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة" أحتفظت عائلة الشهيد "حيدر البصري" بمقتنياته بالترتيب في حجرته الخاصة، ولازالت تحتفي بيوم مولده، ويوم إستشهاده من كل عام، ومن المؤلم أن تحتفل والدته، بذكرى ولادته ويوم أربعينته بنفس الليلة، فسلام عليه يوم ولد.. ويوم جاهد.. ويوم أستشهد.. ويوم أربعينيته..ويوم يبعث حيا.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google