سياسيون أم مقاولون؟!
سياسيون أم مقاولون؟!


بقلم: ناظم محمد العبيدي - 15-01-2017
عادة ما تقرأ ظاهرة الفساد على أنها سلوك مخالف للقانون والقيم الأخلاقية، وقلما يجري تحليل الأسباب العميقة التي تقف وراء استشرائها في العراق على هذا النحو، فأصبحت أسلوباً تدار به الفعاليات الاقتصادية لتحرفها من كونها عملا ذا جدوى عامة وخاصة على نحو سواء ـ وهذا ما توصف به كل المشاريع الحقيقية ـ الى عملية استحواذ على الأموال دون التفكير بما وجدت له، وما يرافق ذلك من ضروب التلاعب والتجاوزات القانونية، فمن الملاحظ على غالبية المشاريع الفاشلة التي استنزفت الثروة الاقتصادية أنها تجري وفق منطق لا تحيد عنه، يمكن اختزاله بقصة رواها لي أحد الفنانين التشكيليين، اذ قال إن أمانة بغداد أرادت قبل سنوات إقامة نصب، فحصل مقاول على المقاولة بمبلغ 200 مليون، قام بدوره ببيعها الى مقاول آخر بمبلغ 150 مليون، ثم بيعت لآخر بـ 80 مليون حتى انتهت الى وسيط أخير بمبلغ 8 ملايين، وكلف هذا فناناً بعمل النصب نظير أربع ملايين لم يعطه منها سوى إثنين فقط!.
هذه القصة التي تشبه الطرفة تتكرر بذات الآلية ولكن على نحو كارثي يتجاوز قضية نصب فني، عندما يتعلق الأمر بمشاريع كبيرة أو صفقات سلاح ومعدات مما يستخدم في المجالات الأمنية والعسكرية، ولكن التساؤل الذي يستحق التوقف عنده هو: لماذا تركت المشاريع دون متابعة من الجهات المسؤولة؟، ولماذا ترك المجال للمقاولين الذين لا يمتلكون المصداقية للتربح على حساب المال العام دون تدقيق بأهليتهم؟. الجواب الشائع هنا هو أن المحاصصة التي وزعت الوزارات على الأحزاب والكتل السياسية وفق المنطق الطائفي تمنع المحاسبة، لأن جميع الأحزاب تقوم بالتغطية على مفسديها، إلا أن هذا الجواب لا يفسر عملية الفساد ذاتها بل حمايته وتوفير الغطاء له، لأننا إذا أخذنا بمبدأ المحاصصة فسنطرح السؤال ذاته: لماذا أجاز السياسي الممثل للمكون الشيعي أو السني أو الكردي لنفسه الاستحواذ على مال “الطائفة” وحقوقها؟.
إن ما يستنتج من هذه الممارسات يبدو أبعد من قضية محاصصة ـ وإن كانت مبدأ خاطئاً لبناء الدولة ـ ولا بد من التأكيد هنا على أن ثمة خللا في الثقافة السياسية التي تنتهجها الأحزاب، فليس من مبادئ أي حزب أن يتحول أعضاؤه الى مقاولين كبار بدل ممارسة العمل السياسي، وهنا تكمن إشكالية ما يحدث في العراق منذ اكثر من عقد، والأمر المهم هنا هو أن ردود فعل الناس بإزاء هذه التجاوزات يجب ان تترجم عبر صناديق الانتخابات، فربما يدرك حينها الكثير من السياسيين أن العمل السياسي ليس رديفاً للمقاولات أو المساومات التجارية، وأن ما يبقى في ذاكرة الناس هو المنجزات الحقيقية التي لمسوها في حياتهم اليومية، وأسهمت في تغيير واقعهم المعيشي، عندها يمكننا أن نشير الى السياسيين على أنهم ممثلون حقيقيون للمجتمع لا كما يحدث منذ سنوات وكأننا نشاهد سباقاً محموماً يتحالف فيه التجار والسياسيون في لعبة اسمها العملية السياسية!.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google