الخطاب الديني في نينوى ماله وماعليه
الخطاب الديني في نينوى ماله وماعليه


بقلم: عبدالكريم الكيلاني - 15-01-2017
مخطيء من يقول بأن الرأي العام لا يتأثر بالخطاب الديني سيما وأننا نعيش في العالم الأسلامي وفي الشرق الأوسط تحديداً الذي يتأثر ويؤثر في الواقع الحياتي للفرد والاسرة والمجتمع ويلامس بصورة مباشرة او غير مباشرة التغييرات السياسية في هذه المنطقة او ذاك بحسب نوعية الخطاب متشددا كان او سلساً، متطرفاً أو معتدلاً، فالاحداث تتأثر بتأثر المتلقي للخطاب الديني وهذا الأمر حساس وخطير جداً، لأننا جميعا نعلم بأن الاسلام هو دين الرحمة والتسامح والموعظة الحسنة، يقول سبحانه وتعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) صدق الله العظيم، هذه الآية والآيات الأخرى العديدة التي تحض على العدل والتسامح والتي لم يغفل عنها القرآن الكريم، كافية حتى نعرف الحق من الباطل وندعو من خلالها للتعايش والتآلف والتآخي وتقبل الآخر بدلا من الغلو والتطرف الذي لا ينتج عنهما سوى الفرقة والارهاب وتهميش الآخر الذي هو شريك لنا في الارض والانسانية والحياة.

ان الارهاب بصورته الحديثة حاول استمالة العواطف للبسطاء من العوام بفكرة اعادة الخلافة الاسلامية التي لا تتلائم مع العصر الحديث بالصورة القاتمة التي توشحتها والتي ارادت من خلالها استقطاب السذج من الشباب ليلقيهم في محرقة الموت والدفاع عن اجندات خارجية لتدمير الحياة واعاقة ركب التطور واللحاق بالعالم ووضع المنطقة ككل في بوتقة الحروب والاغتيات والقتل الجماعي والتشريد والتهجير وكل المصطلحات الشاذة التي اعتدنا سماعها بسبب الجرائم اللا انسانية التي التزمها وانتهجها تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق وتحديداً في الموصل وبعض المناطق الأخرى من نينوى، اننا امام تحديات كثيرة ان لم نتصدى لها فستكون هذه البقعة من الارض جحيما يتلظى بناره الناس وستعود بنا الى العصور المظلمة، هنا علينا ان ندرك جيدا بأن السلاح الوحيد الذي ينهي هذه المأساة هو سلاح المعرفة والوعي والخطاب الديني المعتدل الذي يعيد الامور الى مسارها الحقيقي والقاء كل ماجاء به داعش في سلة المهملات لأنه لا يتوائم مع الدين الاسلامي الحنيف ومع الوسطية والاعتدال اللذين جاء بهما الرسول الكريم.

اننا بصدد واقع جديد ونينوى جديدة بعد تحريرها كاملة من براثن هذا التنظيم المتطرف الذي حرق الزرع والنسل وشوه تاريخ العلاقة الطبيعية بين مكونات هذه المحافظة واحدث شرخاً واضحاً في نسيج التواصل الانساني الطبيعي بسبب جرائم الابادة الجماعية التي تبناها التنظيم وعناصره في مناطق متفرقة من نينوى، ولهذا كله علينا ان ندرس الواقع الجديد والمستجدات الفكرية التي عبثت بالعقل الجمعي ومن الضروري جداً ايجاد وسائل عملية واقعية لاعادة الاستقرار بعد القضاء على قدرات داعش وعناصره، وعلى رجال الدين ومن كل الاديان تبني خطاب ديني معتدل وواضح لاعادة اللحمة بينها وبين المكونات المختلفة التي تتشكل منها نينوى، كما أن على المؤسسات الحكومية وضع شروط ومؤهلات لخطباء الجوامع الذين يقع على عاتقهم القضاء على التطرف الذي جاء به داعش وزرع المحبة والتراحم والتسامح في العقل الجمعي لمجتمع نينوى ككل، والأهم من هذا كله وضع آلية أكاديمية عملية لاختيار خطباء الجوامع ومراقبة ادائهم باستمرار ووضعهم في دورات تأهيلية لتحسين القدرات والاداء بأشراف الأمم المتحدة ومنظماتها العالمية لضمان عدم تكرار الكوارث الانسانية التي حدثت فيما مضى وعدم دفع المجتمع للفوضى الناتجة عن جهل وعدم ادراك البعض من الخطباء للمسؤولية الانسانية الملقاة على عاتقهم في المرحلة المقبلة التي تلي تحرير الموصل بشكل نهائي .

ان الآثار السلبية التي خلفتها داعش لم تنته ولن تنتهي بتحرير الموصل وطرد التنظيم منها ، فالسنتين الماضيتين كانت كافية لهذا التنظيم للتأثير سلبا ً على عدد كبير من المراهقين والاطفال وزرع الافكار المتطرفة في عقولهم وهذا الأمر واضح جداً للعيان، فكلنا رأينا كيف أن داعش جند الاطفال والمراهقين على فنون الذبح والقتل والتعذيب، لذا نينوى بحاجة الى ثورة معرفية تتبناها الامم المتحدة بالتسيق مع الشباب المؤمنين بالسلام والتعايش والمنظمات المحلية العاملة بحرفية لتغيير الواقع تغييرا شاملاً والقضاء على كل اشكال التطرف وعوالقه في العقول والا فالسلام سيكون حلماً نتطلع اليه دون ترجمته واقعا.

من الواضح جدا أن الأصوات المعتدلة لدى رجال الدين في نينوى من النازحين كان خافتا في السنتين الماضيتين والكثير الكثير منهم فضل السكوت عن قول الحق والدفاع عن الانسانية والتسامح، فلم نلمس تجاوبا ملحوظاً بينهم وبين الاصوات المنددة لاحتلال داعش للموصل سوى عدد قليل منهم وهذا الأمر مخيب للآمال نوعاً ما وهذا الأمر يجب معالجته من قبل الحكومتين المحلية والاتحادية بعد تحرير الموصل والأبقاء على الاصوات المعتدلة وتجميد الأصوات المتذبذبة لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة الحسم وعلينا عدم التهاون في هذا الأمر بأي شكل من الأشكال .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google