السيد شاهين
السيد شاهين


بقلم: سارة يوسف - 16-01-2017
حاول شاهين وهو من رجال القرية ان يمد يد العون لي بعد ان تعثرت وسقطت ارضآ .. هو الاقرب لي في تلك الظهيرة الحارة من صيف القرية القاسي .. يومها كان عمري سبعة اعوام .. ينام اهلنا ظهرا ونحن ننطلق الى حيث لا نعرف .. لطالما كانت هذه الساعات مملة لي .. تفرض علينا القيلولة ونحن لا نريد .. جل الاهتمام ان نخرج من تلك القيود الى الشارع الخالي تقريبا من البشر علنا نجد اصحاب لنا في الطرقات تحايلوا على الاهل لنلعب سوية .. اقترب مني مداعبا مالذي اخرجك هذه الساعة؟؟ لم اجب !!! .. الخوف امتلكني ساعتها .. تذكرت القصص المرعبة التي حكتها لي امي وجدتي عنه (( شاهين السكران ابو العرك)) ...

وقفت ..نظرت له .. استجمعت قواي وركضت باسرع مايمكن الى البيت دخلته اقفلت الباب وانضممت لحضن امي النائمة وانا ارتجف خوفا من الوحش

بقي شاهين منبوذا من القرية رغم انه لم يسرق ابدا ولم يقتل حتى نملة .. لكنه كان متمردا.. القرية يسكنها السارقون والقتلة والمنافقون جزء ينتمي لها . هو لم يكن كذلك .. غير مرحب به .. لا احد يتواصل معه .. حتى اطفال القرية يحملون الكره المزروع فيهم له .. لطالما كنا نركض ورائه ونحن نغني عليه بكلمات سخيفة . نرميه بالحجارة.. لا ينشغل بالرد علينا يبقى في عالمه البعيد الاتي من كأس العرق الابيض .. مازالت رائحة ذلك الشراب العجيب التي تفوح منه تجتاحني في بعض الاحيان اخجل من تلك الشقية ومن الاهل الذين نحبهم ونتمى لهم صورفي الذاكرة افضل من تلك التي ارضعوا فيها اطفالهم الحقد والكراهية لاخرين من البشر مثلنا وربما احسن منا ..

مات شاهين منتشيا بذلك العرق المصنوع من التمر العراقي الخالص .. وهو يساعد في اطفاء النار في دار السيد عبد الرحيم وقت ظهيرة مجنونة من صيف تلك القرية الحاضنة لذلك الجدول العذب .. تواجده بالقرب من مكان بيت السيد عبد الرحيم كتب له معنا انسانيا اخر وبدل شعور تلك الطفلة الخائفة منه .. لم يتردد بتقديم يد العون ابدا

دخل المنزل عدة مرات اخرج جميع افراد اسرة السيد عبد الرحيم حتى الحيوانات . قطته الصغيرة نجت هي الاخرى بفضله .. حينها صاحت الام بصوت مبحوح بعد ان تفقدت الجميع ان احمد طفلها مازال في البيت المحترق نائما .. لكن النار اجتاحت المكان واللهيب والاعمدة تتساقط في تلك البقعة الصغيرة .. شاهين بدا لي رافضا فكرة ان يموت احمد محترقا وهناك امل في انقاذه .. صوت امه وهي تبكي وتصرخ ليتني ماعشت بعدك يااحمد حافزا له ولنبله .. ركض متجها الى كتلة النار تلك عله ينقذه .

احمد .. اه منا يااحمد .. تذكرت كنا نتشارك معا في رمى الحجارة على ذلك السكران المنتشي بالعرق المسيح العراقي الاصيل .

انتظرناجميعا السيد شاهين يومهايخرج لنا مع احمد لكنه لم يفعل ابدا . تعثرت تلك الطفلة الهاربة من النوم ظهرا في الازقة مرات عديدة بعد ذلك الزمان دون ان تشعر بيد تتلقفها ..

شوهد احمد ذو العشرة اعوام يلعب في الجدول مع اصحابه بعد ساعتين على الحادث . (( تسلل من النائمين عند الظهيرة خلسة قبل الحريق ))كما هي عادة اطفال القرية ..

بعد يوم جمعت اشلاء شاهين ووضعت في حفرة في القرية كتب عليها (( هنا يرقد شاهين عبد الله )) بقي القتلة والسارقون والفاسدون جزء من وجوه واعيان القرية ... الاطفال في القرية يخافون من السعلوات وشاهين (السكران) .. الطفلة التي في داخلي تتسأل كل يوم كيف استطاع السيد شاهين ان يحول ذلك الكره والحقد والخوف الذي امتلكني منه الى كل هذا الحب والود .. كيف ارجع لي انسانيتي ؟؟!!!!!! الاكيد انه في الجنة يشرب من شرابها المفضل الخمر وربما العرق العراقي المسيح ..


سارة يوسف



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google