فكر رائد الصحوة الإسلامية العراقية الشهيد محمد باقر الصدر في الثابت والمتغير
فكر رائد الصحوة الإسلامية العراقية الشهيد محمد باقر الصدر في الثابت والمتغير


بقلم: د. قاسم خضير عباس - 17-01-2017
‏كاتب وخبير قانوني

إن معيار الثابت والمتغيّر في الدراسات العلمية يقضي بأن يكون المتغير أميناً لثوابته العامة ولا يتناقض معها ، وهذا ما أكد عليه المنهج العلمي الأكاديمي ، ولذا لابد أن تبقى الأصول على حالها ومنها ننطلق في دراساتنا لمعالجه الأزمات ، أو كتابه بحث علمي ما .
أما خدعة (تأصيل الأصول)، التي أطلقها بعض المفكرين العرب مؤخراً أثناء حديثهم عن الإسلام، في حين أنهم كانوا سابقاً يرفضون مجرد الحديث عن قيم الإسلام ومبادئه، فتندرج ضمن (منهجية فلسفية) للقضاء على الإسلام باسم الإسلام، وإدخال (توجهات الغرب وأخلاقياته) إلى مجتمعاتنا تحت غطاء (تأصيل الأصول)، وترويض (العقل العربي) على قبول (نظريات أخلاقية غربية)، لتغيير مفاهيم المجتمع المسلم وقيمه، واستبدالها بـ(قيم وأخلاق) نفعية ومادية ترتبط بجشع الإنسان وطمعه واستغلاله للآخرين.
والمعروف أن (النظريات الغربية) أعادت بناء الأخلاق وفق منهجية تنحدر بالفرد والمجتمع إلى الحضيض، فـ(دركايم) مثلاً ربط الأخلاق بـ(العقل الجماعي) للمجتمع، و(فرويد) فسّر القيم وفقاً لتحليله (النفسي الجنسي)، و(سارتر) هاجم المثل العليا في (فلسفته الوجودية). ومن الملاحظ أن (المفكرين الغربيين) قد أسقطوا أوجاعهم النفسية في (نظريات)، وصفت بأنها (علمية)!! وهي غير ذلك، فنرى (فرويد) قد أذاب (حزن اليهود وعقدهم) في (تحليله النفسي) الخرافي، وكذلك فعل (دارون) و(سارتر). وقد انتقلت هذه (الإسقاطات النفسية) إلى (الأدب الأوروبي) كله، حيث أدخل (كافكار) عذابات اليهود وشقاءهم المزعم في أدبه وأعماله .
ولكي لا يأخذنا الاستطراد بعيداً... نعود إلى صلب الموضوع لنؤكد على قوانين (الثابت والمتغيّر) ، لأن الزمان والمكان لم يتغيّرا بما يوجب تغيّر قوانين الاجتماع الإنساني: فالليل والنهار يدوران ـ في حياة البشر ـ بعينهما منذ آلاف السنين، والأرض لازالت هي كما كانت منذ آلاف السنين أيضاً. إنّ ما طرأ عليه التغيير حقاً هو طراز حياة الإنسان وذلك بفضل التقدم المطرد، بحيث أخذت حاجات الإنسان ورغباته تزداد يوماً بعد آخر أو يطرأ عليها التغير . ولذا فان ثبات أحكام الشريعة وعدم تغيرها مناط بثبات الاحتياجات الطبيعية المنبثقة من البنية الوجودية للإنسان. ولطالما بقي الإنسان إنساناً فإن بنيته ستبقى ثابتة يرافقها ثبات للاحتياجات الطبيعية المترتبة عليها.
بيد أن أحكام الإسلام وتشريعاته لا تقتصر على القوانين الثابتة (الشريعة)، وإنما للإسلام ـ في خط موازٍ آخر ـ أحكام قابلة للتغيير، والقوانين التي تشير إليها هذه الأحكام المتغيرة ترتبط بالتحولات الحياتية التي تطرأ على حياة الإنسان على إثر التقدم المدني .
وقد أوضح المفكر الإسلامي المبدع الشهيد محمد باقر الصدر ذلك بأسلوب استقرائي في كتابه رسالتنا قائلاً بأن: (ما يطرأ على مظاهر الحياة الإنسانية من تغيّر تارة يمس الطبيعة المادية التي تحيط بالإنسان، وأخرى يمس النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهذه الحياة) .
واستطرد الإمام الصدر كلامه ليبيّن موقف الإسلام من المتغيرات الحضارية فقال: (لا يقف الإسلام موقفاً سلبياً من هذا التقدم الذي أحرزه الإنسان المعاصر في هذا المجال، بل هو يدعو المسلم إلى الاستمتاع به والمشاركة والإبداع في مجالاته، لأنه ليس عدواً للتقدم والمدنية. بل هو حافز إلى التقدم وإنشاء المدنية) .
أما الموقف الشرعي من المتغيرات، التي تطرأ على النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فقال الشهيد الصدر بشأنها: (وقف الإسلام ليس موقف الرفض المطلق وليس موقف القبول المطلق، لأن الإسلام كما أسلفنا دين ينظم شؤون الحياة جميعاً ولذلك فلابد من عرض كل تغيير على مبادئ الإسلام... وحينئذ ما خالف أحكام الإسلام لابد أن يرفض نهائياً وبصورة قاطعة وحاسمة... فمثلاً لا يمكن أن يقبل الإسلام وجهة النظر الغربية في حيوانية الإنسان وماديته، ومشروعية الربا، والمسألة الجنسية، وما إليها. ولكن ليس في الإسلام ما يحول بين العمال وبين أن ينظموا أنفسهم ويعهدوا إلى هيئة منهم تتولى النظر في مصالحهم، وسبب اختلاف موقف الإسلام هنا عن موقفه هناك هو أن وجهة النظر الغربية في المسائل السابقة مخالفة لأحكام الإسلام، أما في المثال الأخير فإن مبدأ حرية العامل في عمله وكسبه مبدأ أساسي في الدين الإسلامي وهذا المبدأ يجعل للعامل الحق في أن يمارس الوسائل المشروعة التي تجعله قادراً على تحسين مستواه المعيشي وليس لنا أن نمنع من ذلك لأنه لم يكن في زمان النبي (ص) مادام المبدأ الإسلامي في العمل هو الحرية) .
وردَّ الإمام الصدر على أولئك الذين ينادون بتطوير أحكام الإسلام الثابتة قائلاً: (منشأ هذا الوهم هو السموم الفكرية الوافدة التي يعمل أعداء الإسلام على نشرها بين المسلمين ليجردوا الإسلام ـ في أنفسهم ـ من حيويته وأصالته وقدرته على الصمود) .....

[email protected]



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google