عزرائيل في زيارة مفاجئة ! ـــ قصة قصيرة
عزرائيل في زيارة مفاجئة ! ـــ قصة قصيرة


بقلم: مهدي قاسم - 31-01-2017
رجع من المسجد إلى البيت لاهثا بكرش مندلق و جبين متعرق و جلس منتظرا طعام الغذاء، كان الرضيع يبكي بسبب احتباس الغازات في بطنه والأم في المبطخ تبذل جهدها مستعجلة لتقدم الطعام ، فتمتم مع نفسه متبرما نزقا ــ
ــ أي و الله .. كيدهن لكيد عظيم .. هاتك النجاسات ــ ثم صاح بصوت عال وبنبرة عصبية :
ــ أين أنتِ أيتها النكداء الكسولة أكاد أن أموت جوعا ..
غيرإنها أجابته بلطف مبتسمة بأنها تريد أن تسخن الطعام لأنه برد قليلا !..
فرد بنفاد صبر :
ــ وحتى الآن ماذا كنت تنتظرين ؟ ..
ــ أسفة جدا .. ولكن أنت تأخرتَ كثيرا يا عزيزي .. دون أن أعلم متى ستأتي لأسخن الطعام ..
ــ والله كيدكنَّ لكيد عظيم ! .. أي و الله .. يلا أستعجلي و أجلبي الطعام .. ولكن قبل ذلك أسكتي هذا الجرو الصغير وهو يزعجني بزعيقه المتواصل ..
ــ حالا حالا ..
فحملت الرضيع و هرعت إلى المطبخ وهي تتمنى في داخلها لو ساعدها في الاهتمام بالرضيع على الأقل .. إذ عندها يدان فقط .. ولكنها خافت أن تطلب منه ذلك لكيلا يتفاقم غضبه أكثر ..
سمعته من المطبخ وهو يبسمل بصوت عال و يحمد الله و يرجوه بالغفران و الرزق الكثير و دخول الجنة ..
ثم داهمه نعاس شديد لا يقاوم ، على أصوات هفيف هزهزة المروحة المقرقعة والنسمة العذبة التي تسللت من النوافذ المفتوحة..
فكم كانت دهشته كبيرة عندما وجده نفسه امام كائن عملاق غريب الذي سأله بنبرة صارمة ومتعالية :
ــ هل تعرف من أنا ؟..
فرد بصوت مذعور وقد شحب وجهه تماما فزعا و هلعا :
ــ لا و الله .. لم يسعفني الحظ بمعرفة جنابكم الموقر ..
ففكر الكائن الغريب مع نفسه بقليل من تهكم : قبل قليل كان ديكتاتورا جبارا على زوجته المسكينة و الآن أصبح أرنبا مذعورا و مهذبا متواضعا أمامي .. فيا سبحان الله !! ..
فرد عليه بكل هدوء معرّفا بنفسه :
ــ طيب أنا عزرائيل جئت لأقبض روحك فتهيأ وكن مستعدا لذلك ! ..
انكمش على نفسه و أصبح ضئيلا وبملامح مرعوبة على وشك الانفجار بكاءا ، ثم بالكاد خرج صوته قائلا بنبرة متضرعة :
ــ أرجوك أهملني قليلا ولو لبضعة أيام فقط ..
اصطنع عزرائيل هيئة و أسارير من يستغرق بالتفكير ثم رد بلهجة مسالمة :
ــ طيب ولكن بشرط أن تجيب على بضعة أسئلة ، فإذا كانت أجابتك صحيحة فسأعفيك لبضعة أيام بل و ربما لبضع سنوات ، و إذا كانت أجوبتك خاطئة فسوف أقبض روحك حالا .. فلا مهرب من ذلك ..
فالسؤال الأول هو :
ـــ من هي المرأة حسب وجهة نظرك و نمط تفكيرك ؟ ..
فرد على عجالة و بتلقينية ببغائية سريعة :
ــ أن كيدهن لكيد عظيم .. و ...
رفع عزرائيل يده معترضا ومقاطعا :
ــ هذا يكفي ! .. أنت راسب في الامتحان .. فالأصح هو: المرأة هي الأم التي حملتك لتسعة أشهر في بطنها ... و سهرت عليك شهورا وسنينا وهي تعبانة ونعسانة و خاصة بعدما انجبتك بمشقة و عذاب ، لا تعرف للراحة سبيلا ولا نوما كافيا ... وأرضعتك من صدرها الحنون والطيب ... بينما قلبها في خوف وقلق دائمين عليك و أنت تنمو و تكبر، وسوف تقلق عليك دائما ، طالما هي باقية على قيد الحياة ... كما أن المرأة هي أختك التي تحّن عليك كثيرا كثيرا و مستعدة لتضحي بنفسها من أجلك .. و أخيرا وليس آخر : المرأة هي زوجتك الحبيبة التي تشبع وطرك وتمنحك حنانها وتنجب لك أطفالا و تطبخ لك طعاما و تخدمك و تسهر على راحتك ليلا و نهار .. والآن .. وبما أنت قد اخفقتَ بالأجوبة ورسبت في الامتحان فها أنا ذا على وشك أن أقبض روحك ... لا محالة ... خلاص !..
ثم مد عزرائيل يده ليقبض روحه بكل جدية وضراوة ..
و إذا به أخذ يصرخ و يعيط خوفا و فزعا ، محاولا التخلص من قبضة عزرائيل ... فكم شعر بنفسه مشلولا و عاجزا تماما عن الحركة و كأنه قطعة ثقيلة من خشبة عتيقة ..
فآنذاك بالضبط كانت ثمة يد كريمة تسرع لنجدته ، و قد أنقذته فعلا من قبضة عزرائيل ، عندما هزته بلطف و جعلته يستيقظ من كابوسه الرهيب و الخانق الثقيل ..كانت تلك اليد الكريمة و المنقذة هي يد زوجته ..
فشكر الله على أنه كان يحلم فقط !..
ليففتح عينه مذهولا وهو زال تحت وطأة الصدمة النفسية من حضور عزرائيل الكابوسي ... غير إن البسمة البشوشة والبهية اللطيفة على وجه زوجته ، و كذلك نكهة الطعام الطيب التي كانت تملأ الآن أجواء الغرفة بطيباتها الكثيرة والمتنوعة قد أرجعته إلى صوابه غير مصدق بأنه لا زال حيا يرزق !!..



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google