محاكمة يسوع الناصري وحقيقة ألوهيته ... حوارات في اللاهوت المسيحي 12
محاكمة يسوع الناصري وحقيقة ألوهيته ... حوارات في اللاهوت المسيحي 12


بقلم: د. جعفر الحكيم - 01-02-2017
الإيمان بألوهية المصلح اليهودي الشاب يسوع الناصري وتجسده بصورة إنسان يعتبر الحجر الأساس في العقيدة المسيحية ومن هذا الاعتقاد تتفرع باقي المكونات الأساسية في الإيمان المسيحي, مثل عقيدة الصلب والفداء والقيامة والأضحية.


معظم المسيحيين يرتكز إيمانهم على عقيدة تجسد الله خالق الأكوان بشكل انسان هو يسوع الناصري, ومجيئه للعالم بهذه الصفة لكي يضع حلا لمشكلة الخطيئة الموروثة ولكي يدفع ثمن ذنوب البشر من خلال تقديم نفسه ذبيحة تضحية للرب والذي هو يسوع رب المجد نفسه!!

وتتمحور حول هذه الفكرة المسيحية كل فلسفة الخلق والحياة, وتتوقف عليها مصائر جميع البشر, فالذي يقبل بهذه الفكرة سينال الخلاص الأبدي وستكون كل ذنوبه وآثامه مغفورة ومدفوعة الثمن مسبقا عن طريق دم الرب \ الأضحية, أما من يرفض أو لا يقتنع بهذه الفكرة,فمصيره الشقاء الأبدي في الجحيم مع الشياطين حتى لو عاش كل حياته بارا صالحا تقيا.


ومع اتضاح أهمية هذه العقيدة( ألوهية يسوع) ومحوريتها, ومعرفة ان مصائر مليارات البشر متوقفة على قبولها او رفضها, فمن الطبيعي جدا والمنطقي ان يكون الرب المتجسد بصورة يسوع الناصري قد أوضح هذه الفكرة بشكل جلي ومباشر لا يقبل أي لبس أو تأويل لجميع الناس الذين كان يوجه لهم دعوته وعظاته , ويبذل قصارى جهده لضمان توصيل الفكرة لهم, والتأكد من فهمهم لها, على امل ان يؤمنوا بها و يحملوها للأجيال القادمة, كي ينجوا ويخلصوا جميعا!


ورغم أهمية هذه العقيدة وخطورتها, فإن الباحث في نصوص جميع الأناجيل, لا يجد أي قول صريح ومباشر للسيد المسيح يدعي فيه أنه (الله) وأنه قد تجسد وجاء إلى العالم لكي يعبده الناس و يتخذوه إلها, ورغم تمحكات اللاهوتيين ومحاولاتهم المستمية في جرجرة النصوص و مطمطتها ,لكنهم فشلوا في ابراز حتى نص واحد على لسان يسوع يشير الى هذا الامر الخطير, فلجأوا للتأويلات المتنطعة لسد هذا الفراغ العقدي, ونسف عشرات النصوص الصريحة الواضحة التي كان يصر فيها يسوع على تأكيد انه (انسان) وانه ( ابن الإنسان) لكي يبعد عن اذهان المتحمسين له أي شبهة قد تحصل لهم وتتسبب في مغالاتهم في شخصه او نسبة امتلاكه صفات الألوهية, لأن الكتاب المقدس يقول بوضوح وصراحة

( ليس الله انسانا فيكذب ولا ابن انسان فيندم.) سفر العدد 23: 19


لقد واجهت دعوة يسوع الناصري الإصلاحية مقاومة شرسة من رجال الدين اليهود الذين استشعروا خطورتها على مصالحهم وامتيازاتهم في المجتمع والتي يكسبونها من المتاجرة الكهنوتية, فحاولوا في البداية تسخيف اراء الشاب المصلح و تبيان جهله أو كذبه, لكن النتيجة كانت عكسية, وصار الشاب يسوع من خلال بساطة سلوكه وعفويته يفضح رياء ونفاق مرتزقة الدين, وصارت أصداء دعوته تتردد في مدن وقرى أكثر مع مرور الوقت.

اتخذ كهنة المعبد اليهودي القرار الحاسم بالتخلص من المصلح الجديد ووأد دعوته, من خلال التذرع بأي سبب يؤدي إلى إدانته وتجريمه بتهمة تكون كافية لتقديمه لمحاكمة صورية الغرض منها الحكم عليه بالموت,ليرتاح الكهنة من هذا الصداع


قبل الولوج لموضوع محاكمة يسوع الناصري وتفاصيلها ونتيجتها, من الضروري جدا ذكر أمرين مهمين اوضحها يسوع الناصري بشكل صريح ومباشر, وهما:

ان كل تعاليم ومفردات دعوته كانت علنية ومباشرة وقد قالها امام جميع الناس وليست لديه تعليمات سرية أو دعوة خاصة لمجموعة معينة من الناس, فكلامه كان واضح وصريح ولجميع الناس


(انَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً.أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا.وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْ)

يوحنا 18\ 20

الأمر الثاني والاهم ان يسوع الناصري وقبل القبض عليه وأخذه للمحاكمة \ المؤامرة, اعلن بشكل واضح,واشهد الله تعالى على ذلك, بأنه قد أنجز و بشكل تام مهمته التي أوكلها الله إليه, فنجده في تلك الليلة التي قضاها يسوع في الصلاة والتوسل الى الله يسأله أن (يعبر عنه هذه الكأس) ويخلصه من هذه المحنة التي جعلته يشعر بالحزن والكآبة لحد الموت (متى 26)

في تلك الساعات التي سبقت القبض عليه, أعلن يسوع الناصري ان مهمته قد اكتملت وأنه أنجز العمل الموكل إليه واتمه


(أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ) يوحنا 17\4


تم القاء القبض على يسوع الناصري واقتيد لمحاكمة تم التحضير لها على عجل, وصدر الحكم فيها مقدما!, ولم يبق سوى الباس المتهم تهمة تجعله مستحقا للحكم عليه بالموت, وقد تكونت محاكمة يسوع من ست مراحل ثلاث منها دينية أمام كهنة المعبد اليهودي, وثلاثة سياسية أمام ممثلي الحكم الروماني المحتل, بيلاطس وهيرودس.

لم تستغرق كل هذه المراحل الستة وقت طويل, وقد تم سلق المراحل وإصدار الحكم وتنفيذه في أقل من 24 ساعة!

ما يهمنا هو نوعية التهم التي تم توجيهها إلى يسوع الناصري في هذه المحاكمة المهزلة, لأنه في مثل هذه الحالة من المتوقع أن يتم البدء بأفظع التهم وأشدها كي تتم إدانة المتهم وحسم الأمر بسرعة.

ولو كان يسوع الناصري قد تكلم عن الوهيته تصريحا او تلميحا,فلن يجد الكهنة المتآمرون عليه أفضل من هذه الفرصة كي يستغلونها ويوجهون له تهمة التجديف لادعائه الربوبية.

لكن مجريات المحاكمة بمراحلها الستة تخبرنا ان هذه التهمة لم يوجهها أي أحد للمتهم يسوع رغم جلب الكهنة المتآمرين لشهود زور ادعوا كذبا أن يسوع قال انه قادر على نقض الهيكل وإقامته في ثلاث ايام!

ولكن غاية ما استطاع الكهنة بخبثهم الحصول عليه من المتهم يسوع هو اعترافه بشكل صريح أنه ( المسيح ابن الله)

أي المسيح الموعود الذي ينتظره اليهود والذي سيكون (ابن الله) والتي تعني,عبد الله المجتبى والمقرب حسب المفهوم اليهودي لهذه الكلمة, أي بمنزلة إسرائيل(يعقوب) وداود وسليمان الذي هم جميعا ابناء الله.

حينما سال كبير الكهنة اليهود, يسوع عن ادعائه انه المسيح, لم ينكر المسيح ذلك , واستشهد لهم بنبوءة النبي دانيال


(وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ) متى 26\64


اعتراف يسوع الناصري بأنه يرى نفسه أنه المسيح الموعود, كان كافيا لتوجيه تهمة التجديف إليه, والحكم عليه بالموت بعد ان قام رئيس الكهنة بحركة مسرحية وشق ثوبه للإشارة الى فظاعة وهول ادعاء يسوع للمسيحانية, وافتراءه كذبا على الله, رغم ان اليهود يعتبرون المسيح الموعود مجرد إنسان وملك بلا أي صفات إلهية.

الولاة الرومان بدورهم لم يوجهوا تهمة ادعاء الألوهية ليسوع الناصري, ولم يسألوه عن هكذا ادعاء أو قول منسوب له

وكان غاية همهم ان يسألوه عن ادعائه أنه ملك اليهود, وقد أوضح لهم يسوع ان مملكته روحية وليست ملك مادي دنيوي

انتهت محاكمة يهود, وأصدر الحكم عليه, وتم تسليمه للمحتل الروماني لتطبيق عقوبة (الصلب) وهي عقوبة سياسية وليست دينية كانت تطبق على المتمردين والخارجين على السلطة الرومانية.


من هنا نستنتج ان موضوع ادعاء الألوهية أو التجسد الإلهي بجسم الإنسان( يسوع) لم يكن مطروقا وليس له ذكر أو إشارة في كلام ودعوة يسوع الناصري التي كانت علنية وواضحة وكانت قد اكتملت قبل إلقاء القبض عليه, ولم يفكر حتى خصومه, رغم خبثهم ومكرهم وانتهازيتهم, بتوجيه التهمة له بادعائه الألوهية, وربما لم يكن يخطر على بالهم هذه الفكرة التي تبناها (لاحقا) بعض المتحمسين للمصلح المغدور الذي بالغوا في تقديسه الى ان وصل الامر الى اعلانه الها, بعد أربعة قرون في مجمع نيقيا الكنسي, واعتبار هذا الاعلان الكنسي المغالي محور الإيمان المسيحي, وعليه يتوقف المصير الأبدي لمليارات وربما تريليونات البشر...وربما أكثر!!
د. جعفر الحكيم



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google