قدرة الحاضر، عجز المستقبل ! *
قدرة الحاضر، عجز المستقبل ! *


بقلم: د. رضا العطار - 01-02-2017


اكبر خطر يتهدد مجتمعات الغنى والثراء في العالم الثالث ـ ومنها بالطبع مجتمعات الثراء العربي ـ قدرتها الشرائية الهائلة. اي الاستهلاكية اللامحدودة. نعم ان (القدرة) هنا تهدد (بعجز) كثير في المستقبل.
فهذه المجتمعات تستطيع ان تشتري بالمال احدث المعدات والاجهزة، من ضروريات ومن كماليات، وتستطيع ايضا توظيف اكبر العقول الاستشارية لتشغيلها وصيانتها . . بل انها تستطيع ان تجلب مصانع بأكملها من الخارج، من اعقد جهاز فيها الى اصغر (برغي) . . وهكذا تكر مسبحة التنمية واموال التنمية.
وماذا في هذا ؟

ما المانع ان نشتري بما انعم الله علينا، ما انعمت به حضارتهم عليهم ؟
المانع اننا بهذه العملية (نشتري) الاختراع دون ان نمر بمراحل المعاناة العلمية الاختبارية التي مر به الاختراع في بيئته المتقدمة. . . وفي ذلك ضرر كبير على نوعية نمونا العقلي والعلمي والصناعي والحضاري.
وهو ضرر كبير محقق، واخطر ما فيه انه غير ظاهر للعيان للوهلة الاولى وفي زحمة الاحتياجات العملية، وفي ظل الخطط التي يرسمها لنا البيروقراطيون المكتبيون الذين لا يمتلكون قدرا كافيا من الرؤية الحضارية البعيدة والثقافة المعمقة. هذا اذا امتلكوا القدر الكافي من (امانة) الاداء الوظيفي المكتبي في حد ذاته.

ان اي اختراع اوربي نشتريه اليوم، اذا تتبعنا جذوره الحضارية، او حتى التقنية المحدودة، نجد انه حصيلة عصر النهضة الاولى (الرينسانس)، فالكشوف الجغرافية، فالثورة العلمية، فالثورة الصناعية، فالتكنولوجيا الحديثة.
غير ان من يقود السيارة عندنا، يتصورها كائنا سويا قد جاء هكذا، وخرج من عجائب الف ليلة وليلة دون عصور المعاناة المتدرجة، المتراكمة، الطويلة تلك.
وهنا الخطوة، نحن نتعاطى مع منتوجات الحضارة، لا الحضارة ذاتها، من الداخل.
ثم نتصور بسبب قدرتنا الشرائية اننا نستطيع ان نجلب كل اختراع من الغرب، وكل عقل علمي من الغرب . . فلماذا نتعب انفسنا ـ اذن ـ بمعاناة الاختراع ومشكلاته ؟ وفي ظل هذا التصور وهذه الممارسة الشرائية الاستهلاكية غير المبدعة وغير الخلاقة، كيف ستنشأ اجيالنا من اداريين وباحثين وصناعيين وعلماء مبدعين ؟

بل ماذا سيكون مصير المصانع والاجهزة عندما تقل قدراتنا لسبب او لاخر ونعجز عن شراء قطع الغيار ومعدات الصيانة واستجلاب خبراء الصيانة والتشغيل ؟ ؟
وبالمناسبة فان الغرب والشرق مرتاحان جدا لوضعنا هذا. ففي الغرب الصناعي، وفي الشرق المستهلك، تعودت المجتمعات الغربية على الانتاج. وعلى المزيد من الانتاج ـ وتريدنا نحن ان نتعود على الاستهلاك، وعلى المزيد من الاستهلاك الى ما لا نهاية : تلفزيون ثم تلفزيون مللون ثم تلفزيون ذي الابعاد الثلاث ثم فيديو وقس على ذلك.

فهكذا تعمل مصانع العالم المتقدم وتربح وتزدهر !
نريد ان نشتري ابرة ؟ إذن فالابرة جاهزة.
نريد ان نمتلك مصنعا متطورا ؟ إذن فالمصنع المتطور برسم البيع !
المهم ألاً نصنع شيئا عندنا، بيدنا، بكدنا، بعقلنا، بمعاناتنا، والا نقتدر الاستمرار في صنعه بأستقلال عنهم.
هذه هي اسس المعركة الدائرة منذ بداية النهضة !
مصانع تدور بقطع الغيار الغربي وبالخبرات الاوربية لا بأس . . تنمية تحت رحمة التكنولوجيا الغربية لا مانع . . اما تصنيع حقيقي على هذه الارض وبأدي اهل هذه الارض، فتلك جريمة لا تغتفر. والحل ؟ الجواب صعب للغاية. ولا نزعم اننا نملكه. ولكن ما نستطيع تأكيده ان الاستمرار في بهرجة الاستهلاك ليس هو الحل.

* مقتبس من كتاب تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها لمحمد جابر الانصاري.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google