تفسير الآية السابعة عشر من سورة الحج
تفسير الآية السابعة عشر من سورة الحج


بقلم: مير عقراوي - 03-02-2017
/ كاتب بالشؤون الاسلامية والكردستانية
نص الآية الكريمة :
{ إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا * إن الله يفصل بينهم يوم القيامة * إن الله على كل شيء شهيد }


التفسير :
في هذه الآية الحكيمة ذكر الله تعالى خمس ديانات مختلفة ، هي الاسلام ، اليهودية ، الصابئة ، النصرانية والمجوسية التي تعرف اليوم بالزرادشتية ، والزرادشتية نسبة الى زرادشت النبي - عليه الصلاة والسلام - . هذه الديانات كلها ديانات سماوية وربانية وتوحيدية بالأصل ، وقد جعلها سبحانه الواحدة تلو الأخرى من حيث الترتيب ، فبدأ بالاسلام ، حيث الذين آمنوا به ، ثم اليهودية والصابئة والمجوس ، وفي الأخير جاء ذِكْر المشركين بعيداً عن الديانات السماوية المذكورة ، وبعيداً عن أتباعها ومؤمنيها ، حيث الله تعالى يحكم ويفصل بينهم جميعاً يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ، وهو سبحانه شاهد وشهيد - بلا شك - على كل شيء ، وهو تعالى عليم بكل شيء بالقطع واليقين .
في هذه الآية الكريمة تتجلّى العديد من القضايا الهامة ، وهي :
1-/ كما قلت قبل قليل إن الله تعالى قد فرَّق ومَيَّزَ الديانات السماوية المذكورة ومؤمنيها من العقيدة الشركية ، ومن المشركين أيضاً ، إذ جعل سبحانه الديانات السماوية المذكورة في الآية كلها في صفٍّ واحد ، بعدها جعل المشركين وعقيدتهم في صف آخر مغاير ، والسبب هو إن الديانات اليهودية والصابئة والنصرانية والمجوسية - الزرادشتية هي بالأصل ديانات سماوية - ربانية وتوحيدية ، ثم هم أهل كتب سماوية بالأصل ، ومن بعد هم أصحاب نبوة
2-/ لم يذكر الله تعالى الديانات بإسماء أنبيائها - عليهم – السلام - بل ذكرهم بأصل التسمية ، مثل النصرانية والمجوسية ، لأن نسبة الديانات الى الأنبياء هو خطأ في الاسلام ، لأن أنبيائها لم يكونوا إلاّ مرسلين بما كُلِّفوا به من قِبَل الله عزوجل في تبليغ الرسالة وأداء المهمة والأمانة للناس ، أي لأقوامهم الذين بُعثوا اليهم . لهذا ذكر الله تعالى النصرانية بدلاً من المسيحية ، حيث هي تسمية مستحدثة ليست لها خلفية تاريخية ، وهكذا ذكر سبحانه المجوسية بدلاً من الزرادشتية ، حيث هي أيضاً تسمية مستحدثة ليس لها جذور تاريخية .
3-/ للناس الحرية وحق التدين في هذه الدينانات ، حيث الحَكَم والحُكْم والحاكم والقاضي والفيصل والمرجع النهائي والأخير بين هذه الديانات ومؤمنيها ، وبين خِلافاتهم وآختلافاتهم هو الله تعالى تعالى فقط ، لاغيره على الإطلاق ، حيث هو سبحانه يقضي ويحكم ويفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ، حتى المشركون هم داخلون في هذا الحكم الكلي والنهائي لله تعالى في يوم الفصل الأخير ، أي يوم القيامة ، وذلك بنص هذه الآية الحكيمة ! .
في القرآن الكريم ، في الكثير من الآيات نلاحظ بوضوح هذه الحرية في المعتقد ، وهذا الإختيار في الإيمان ، أو اللاإيمان ، حيث في ذلك تتجلَّى عظمة الاسلام وحكمته وإنسانيته ... على هذا الأساس لم تتعرَّض الديانات ولا أتباعها الى القمع والإستئصال في طول تاريخ المسلمين ، بل كانوا وما زالوا ، مثل الديناتا اليهودية والمسيحية والصابئية والزرادشتية والإيزيدية !! .
يقول الله تعالى في آية حكيمة أخرى مخاطباً رسوله الصادق الأمين محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - : { ولو شاء ربُّك لآمن مَنْ في الأرض كُلُّهم جميعاً ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ الناس َ حتى يكونوا مؤمنين } ؟ يونس / 99
التفسير : يقول الله تعالى مخاطباً رسوله المريم محمداً بأنه لو شاء ربه المتعال لآمن جميع الناس ولجعلهم مؤمنين ، فهل أنت تكره وتجبر الناس حتى يكونوا مؤمنين ..!!؟ . بالحقيقة هذا خطاب عالي جداً ، وهو متعالي جداً ، وهو خطاب مشحون بالحِكَم والدلالات والأبعاد الهامة على مستوى الدين والانسان والحقوق والحرية في المعتقد ، وفي حرية التديُّن ! .
إذن ، اذا خاطب الله تعالى رسوله وحبيبه محمداً بهكذا خطاب واضح وبيِّن ، واذا لم يكن لرسول الله محمد - ص - الحق في إكراه أحد على الإيمان ، فكيف يتصرَّف البعض خلافاً لتعاليم القرآن الكريم ونقضاً لها ، بخاصة خوارج العصر الجدد !!! .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google