دين يتجه نحو الطبيعة ! *
دين يتجه نحو الطبيعة ! *


بقلم: د. رضا العطار - 03-02-2017


قلنا في الحلقة السابقة بان المدارس في صدر الاسلام كانت تُبنى قرب المساجد، وقد نتج عن هذا الاتجاه ظاهرة لا تعرف الا في اطار الثقافة الاسلامية، وهي ما يمكن ان يُطلق عليه (المسجدرسة) وهو بناء فريد يجمع بين وظيفتي المسجد والمدرسة معا، ولا يوجد له تسمية موازية في اللغات الاوربية. فهناك دليل تاريخي على ان المسجد الاول الذي بناه محمد (ص) بنفسه في المدينة المنورة في السنة الاولى للهجرة، كان مدرسة في الوقت نفسه، تُدرس فيها المسلمون القراءة والكتابة وكان يسمًى (الصُفًة).

وقد انعكس المفهوم نفسه في جميع البرامج التي قدمتها هذه المدارس. وكانت المدرسة (النظامية) في بغداد لزمن طويل، نموذجا للمدرسة الاسلامية في كل مكان. وقد رأى الاوربيون ان هذه المدرسة تعتبر مدرسة (دينية عليا).
والحقيقة ان برامج هذه المدرسة – الى جانب اشتمالها على علوم الدين من تفسير وحديث واخلاق وعقائد – كانت تعني على المستوى ذاته بالقانون والفلسفة والاداب والرياضيات والفلك والحقائق الاساسية لعلم الطب. كجزء لا يتجزأ من برامجها. وقد كانت المدرسة النظامية نموذجا يُحتذى لكثير من المدارس المماثلة. واصبحت اكثر الانماط شيوعا في جميع المدن الاسلامية الكبرى.

ولذلك لا يمكن تصنيف المدارس في العالم الاسلامي وفقا للمعايير الاوربية، التي تقسم المدارس الى مدنية ودينية. فهذا النوع من المدارس اعتبرها المسلمون جميعا امرا طبيعيا، لانها انبثقت مباشرة من الروح الاسلامية.
وقد ظل الموقف سائدا الى الوقت الحاضر، وحيثما وجد اختلاف فمرجعه الى التأثير الاجنبي. الوضع الاصلي للمدرسة يتوازى مع المفهوم الاسلامي الاساسي الذي يوحًد بين الدين والعلم. فأزهر القاهرة هو اكبر واقدم مدرسة
(انشأتها الدولة الفاطمية عام 972 م) ويُشار اليه دائما كمسجد وجامعة. ولم يقتصر التعليم في الازهر على الدين فقط الا في احلك فترات التدهور. وفي سنة 1961 تم اصلاح الازهر واستعاد خاصيته الاصيلة المتكاملة.
وفي باكستان عهدت الدولة الى أئمة المساجد بتنفيذ برنامج محو الامية، وهو اجراء صحيح في حد ذاته، وان كان يتم بفاعلية غير كافية. ويوجد نموذج مماثل في ايران، حيث يقوم الجنود المتعلمون الذين يؤدون الخدمة العسكرية من خلال تعليم الاميين القراءة والكتابة، حيث تستخدم المساجد كمبان مدرسية.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google