سلطة الاعلام نافذة و غير عادلة
سلطة الاعلام نافذة و غير عادلة


بقلم: د ماجدة السباعي - 06-02-2017
سلطة الاعلام نافذة جدا و غير عادلة بالمرة و خاصة عندنا والكل يعرف أن اغلب الميديا لا تتسم بالحياد والموضوعية والتثبت من الخبر ..و خاصة في مسائل شائكة و حساسة و تقنية بحتة تتجاوز مدار الفهم عند العاملين في الاعلام و عند العامة عموما ...كما لا يجب ان ننسى أن اعلام بلادنا في أغلبه أصبح استفزازيا بامتياز ..تشويهيا و اقصائيا انطلاقا من تصفية حسابات و خدمة لمصالح فردية او جماعية تتحكم فيه نزعات حب النفوذ و سلطة المال والرغبة في النجومية السريعة الساطعة على حساب كل القيم والمبادئ الساقطة في بوتقة التتفيه و الامبالاة ..كما ان عدة حالات اجتماعية و نفسية وقع التطرق اليها بطريقة لا تخلو من ابتزاز عاطفي و متاجرة بالمشاعر الانسانية و الاخلاق و الحياء العام و الذوق المشترك ..و تطفو العقد الدفينة المكبوتة الى السطح فيجانبها صاحبها و لا يواجهها بل يقوم بعملية اسقاط و يرمي عقده على غيره بل يلبسه إياها ..

في السنوات الاخيرة القليلة في بلادنا ..لاحظت استفحال ظاهرة التعتيم على الحقائق الهامة و على الوقائع الصحيحة في اي حدث من أي نوع كبيرا كان او صغيرا و في كل القطاعات الحياتية سياسيا ...اجتماعيا ..ثقافيا..صحيا و حتى رياضيا بينما في المقابل يقع تضخيم الهوامش والتفاصيل الجانبية و التركيز على سفاسف الأمور و يتفاعل الكل اعلاما و رأيا عاما مع الحيثيات تفاعلا عاطفيا في مجمله و يركب الكل على الحدث ركوبا فوقيا و يحمى وطيس الجدال و السجال بصفة اعتباطية و يكون عادة عقيما فارغا و مفرغا من جواهره و هذه هي السفسطة التي لا تغني عن جوع و لا تروي عن عطش و تظل الأمور الجدية عالقة و محاولات الاصلاح بائسة و البدائل منعدمة .

أمر مضحك ان التونسي العبقري الفذ أصبح يفهم جيدا في السياسة و في الثقافة و في الطب و الاقتصاد و يبدع في كل الأطروحات ..طبعا أنا لا أنتقص من قيمة الفرد التونسي اطلاقا و أنا كائن تونسي تجمعني بكل التونسيين كل القواسم المشتركة و لكني فقط أريد ان أذكر ان لكل اختصاصه و ميدانه و تخصصه و المطلوب هو العمل بصدق واخلاص و تفاني و محاولة تطوير و تغيير تنبع من ارادة صادقة و التعمق في المجال الذي اخترناه مع الاخذ من كل شىء بطرف من اجل تكامل بين كل الاطراف و مساهمة فعالة ...دون الادعاءات الباطلة و التظاهر بالمعرفة التقنية ..اذ انه من الادعاء المرضي ان يكون الواحد فينا على إلمام و معرفة بكل شىء ..و بالتالي من الامعقول و من الاأخلاقي اصدار الاحكام المسبقة في حق الغير دون تضلع و اطلاع و امتلاك لحجج علمية و نقد الغير لمجرد النقد تبجحا يعتبر اعتداء صارخا و من المفروض يتوجب طلب الاعتذار و التراجع. ليس عيبا ان نعترف بمحدودية معرفتنا حتى انني أصدق القولة الشهيرة - " كل ما اعرف أنني لا أعرف شيئا - " و أزيد على ذلك بيت الشاعر الذي يقول : " قل لمن يدعي في العلم فلسفة ...علمت شيئا و غابت عنك أشياء " . كما انه ليس عيبا بالمرة الاعتراف بالذنب و الاستسماح عن الخطء بل طلب العفو من شيم الكرام حقا و العقلاء و الممتلئين معرفة وعلما

انطلاقا من هذه المبادئ العامة و الثوابت الأخلاقية التي لا تتقادم و لا تقبل طعنا ..أحب ان أعبر عن أسفي لما يلاقيه الأطباء من حملات تشويهية هوجاء بصفة مكثفة و متواترة من الاعلام و من الرأي العام عند كل منعطف حدث على اختلاف أهميته و سأحاول أن أكون موضوعية ما استطعت لانني بصراحة غيورة على هويتي المهنية و ادافع عن قطاعنا و عن الاطباء بكل كياني و هذا طبيعي و من حقي لإيماني بنبل المهنة الانسانية بامتياز و لإعتقادي الراسخ أن الطبيب لا يمكن أن يكون مجرما أو قاتلا لا في الواقع المعاش و لا في صلب ممارسته و لا في المخيال الشعبي المشترك ...هذا من ناحية و من ناحية أخرى لما يتعرض له الاطباء من تشويه أعتقد أنه مبالغ فيه و كأنه مقصود خاصة أننا نلاحظ أن العاملين في القطاع العمومي هم أكثر عرضة للتجريح والاستخفاف و الاتهامات الواهية العشوائية و هذا الجحود والنكران موجع للغاية و محبط ...و كاني بهذه الحملات أقاموها قصد اسقاط المنظومة العمومية بالضربة القاضية و هي أصلا عليلة و سقيمة و تشكو من عديد الاخلالات .

صحيح أن القطاع الصحي حساس للغاية لأنه مناط بعهدته الحفاظ على أهم رأسمال على الإطلاق و هو الصحة بمفهومها العريض كسلامة جسدية و عقلية و نفسية و لا قبول أبدا بمجرد احتمال التلاعب بهذا الرأسمال كما أن الطب ليس علما صحيحا اذ لا يمكن ان يكون الانسان معادلة رياضية أو ظاهرة فيزيائية بسيطة قابلة للتحقق ..الانسان لا يمكن ان يكون كائنا مخبريا ...هو كائن غريب الأطوار .

معقد والطب فن يلم بهذاالكائن من كل جوانبه بكل شغف و محبة لقداسة الروح الانسية كما تشهد كل الحضارات والثقافات.

أقر بوجود أخطاء عديدة في ممارستنا في كل الأزمنة و في كل الأمصار ..و أقر بعدة تجوازات من أطباء و انتهاكات لأخلاقيات المهنة من اجل مصالح مادية أو غيرها و لكن الشواذ تحفظ و لا يقاس عليها .

أقر بعجز الطب والأطباء امام الموت و أذكر ان الممارسة اليومية بما فيها من علاجات دوائية و جراحية و كل الطرق التطبيبية لا تخلو من أخطار معروفة عالميا و أكاديميا و متعارف عليها و لا يعاقب عليها القانون ان حدثت .كما ان التشريعات الوضعية لا تحاسب على النتيجة بل تحاسب فعلا على التقصير في الوسائل التشخيصية او العلاجية في حال توفرها كما تحاسب على الاهمال و الامتناع عن تأدية خدمات في متناولنا و هذا الامتناع يمكن ان يأدي الى الموت او الى نتائج وخيمة .

مسؤولية الطبيب متعددة الجوانب مدنية و جزائية و أخلاقية ...هذا بقطع النظر عن محكمة الضمير و لا أتوانى في التاكيد على ضرورة أن يتحمل أي طبيب مسؤوليته كاملة في تأديته لواجبه و بالتالي اذا أخل بأقل وجه من أوجه المسؤولية تلك عن وعي منه أو عن قصد او عن تقصير فليعاقب حسب القانون غير مأسوف عليه

ولكني أعود لأوضح أن تحديد مسؤولية الطبيب ليست من مشمولات العوام و لا وسائل الاعلام ..لأنه بكل بساطة تغيب عنهم تفاصيل تقنية و جوانب علمية و جزئيات خاصة لا يفقهها الا المهنيون و اصحاب المهنة و أهل مكة أدرى بشعابها و يرجع النظر الى لجان تحقيق خاصة من القطاع مهمتها رفع االلبس و توضيح الاخلالات و التعهد باخذ القرارات الازمة .

الطبيب ليس ملاكا ...هو قابل للخطإ و الصواب و لكن لا يعقل ان يكون موصوما بالعار و مشارا اليه بالإصبع على كونه مجرما او قاتلا ....لا للتشويه الذي يطالنا جميعا ...كفاكم استخفافا بالطبيب الذي يفني سنوات عمره بين الأوراق والكتب و في أروقة المستشفيات و لا ينام الليل كما باقي أصحابه سواء و هو طالب او متربص او طبيب متخرج ...كفاكم احباطا لجهودنا الكبيرة و تفانينا و تضحياتنا التي لا نمن بها على المرضى و لكننا نضطر احيانا للتذكير

ثم لا تنسوا يا ايها الاعلاميين ان الطبيب هو مجرد حلقة في منظومة كاملة يصيبها التسوس حد النخاع بفعل النقائص في الموارد البشرية والمادية و تخاذل سلط الاشراف و عوائق جمة وكل مهنيي الصحة يكابدون يوميا المتاعب والمصاعب من أجل القيام بمهامهم على اكمل وجه زد على ذلك آفة العنف اللفظي والمادي والاعتداءات العديدة التي نتعرض لها يوميا في المستشفيات من طرف المواطنين والسب والشتم و الجحود والخذلان و انعدام الحماية والامان خاصة في اقسام الاستعجالي ليلا حين يكون المسؤولون في الوزارة و في الادارة التابعة يغطون في نوم عميق و حين يكون المعتمد و الوالي ينعمون بدفء الفراش ..

فعلا اعترف بكل صدق بأني احسست اليوم بالذات بالإهانة ومرارة الجور والظلم و بفداحة العملية التشويهية التي تطالنا منذ مدة و التعامل مع الطبيب والمريض على حد السواء باستخفاف و تهور لا تحمد عقباه و كل ما تناقلته وسائل الاعلام حول حادثة رضيع مستشفى حشاد أفاض كأس الصبر لدي حين هذا الحين من الزمن التونسي السخيف و المقيت في نسق تصاعدي للتلاعب بكل القيم و كل الجماليات التي تميز علاقة التونسي بذاته و بآخره وبالدولة والقانون والعدالة ....هذا التونسي الذي يفقد بوصلته عند كل زاوية و في كل منحدر و منعرج في حياته و يتعلق بالاكاذيب والاوهام بانيا عليها كل تصوراته .

و ما آلمني أكثر اني رأيت صديقة لي تنشر تفسيرا طبيا علميا لا غبار عليه فيه مقاربة صحيحة لحالة الرضيع الذي قامت الدنيا وقعدت حوله ....صديقتي الاستاذة الشاعرة نشرت إفادة صديقة لها طبيبة تعمل في مستشفى سهلول وهي زميلتي واعرفها كما أعرف نفسي و أنزهها بكل موضوعية ...لكن افادة الطبيبة جاءت باللغة الفرنسبة و هذا أثار حفيظة بعض الأصدقاء الذين سخطوا على الطبيبة و حولوا اهتمامهم عن الموضوع الرئيسي الى انتقاد الطبيبة لانها كتبت بالفرنسية و هذا التحول في الاهتمام يحيلنا الى موضوع آخر مختلف يخص التكوين الاكاديمي ...ماهو ذنب الطبيبة اذا فسرت حالة بالفرنسية و هي التي تلقت تكوينا بلغة فرنسية مئة بالمئة .....اكيد أن كلامنا الطبي التقني يستعصي فكه و تفكيك معانيه على بعض الخلق لكنه موضوع آخر ليس الان وقت للتطرق اليه .

اعود لحادثة الرضيع الذي توفي مرتين حسب ما تداولته الاخبار .هذه الحادثة أثارت سخطا كبيرا لدى العموم .طبيا لا يمكن طبعا ان يكون ذلك ممكنا ...الرضيع ولد قبل أوانه - سبوعي - و كان لابد ان يستخرجوه بعملية قيصرية نظرا لانه مهدد بالاصابة بتعفنات جرثومية من جراء تعفن في الماء الذي يعوم فيه في رحم امه .و ولادته قبل الاوان لانقاذه من التعفن و ما ينجر عنه من مضاعفات يفترض ان يكون المولود ناقصا مناعة مما استوجب وضعه في - couveuse - حاضنة اصطناعية لاكمال نموه لكن يبدو ان المولود تعكرت حالته اذ لابد وانه اصابته جرثومة من ماء الرحم و توفي و المعروف انه اذا توقف قلب مريض مهما كان عمره لسبب طارئ نبادره بحركات لانعاشه منها مساج خارجي للقلب و تنفس اصطناعي مع حقن ادوية تنشط عضلة القلب و تعيد له الخفقان و من هذه الادوية الادرينالين و الدوبامين ..و حسب تقديري و تجربتي يمكن ان يتوقف القلب نهائيا و يعلن الموت ثم بعد ساعات تطول أو تقصر تعمل بقايا الأدوية في الدم على اعادة القلب الى الحياة بصفة اوتوماتيكية لا ارادية ليس للدماغ دخلا فيها لانه سكت بدوره نهائيا و لم نر قط ان دماغا سكت عاد يشتغل و لكن سرعان ما يسكت القلب مرة واحدة الى الابد لان مفعول الداء انتهى

و اغلب ظني ان الرضيع اياه حصلت له هذه الظاهرة المعروفة طبيا ....و بما ان الاطباء عادة لا يفسرون مثل تلك أمور للأولياء وقعت تأويلات عديدة واشكالات اهمها ان تتوقفاطبيبتان في منطقة الشرطة تحفضيا في انتظار التحقيق ربما و هذا يثير سخطي و غضبي و غضب زملائي و يشنج الاعصاب خاصة لما أتذكر ان ارهابيين و مجرمين كبار أحرار يحوسوا في الشوارع دون حساب ....

لا تنسى أ يها المواطن ان كفاءاتنا الطبية مشهود لها في كل العالم وأنك حين تمرض لا قدر الله موش الاعلام الفاسد المأجور باش يداويك .....لا تماهي الكذبة الأفاكين و لاتفقد ثقتك في الأطباء.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google