خلفيات العدوان الصهيوني على سوريا و استهدافاته
خلفيات العدوان الصهيوني على سوريا و استهدافاته


بقلم: توفيق المديني - 07-02-2017
مجلة الوحدة الإسلامية،السنة الخامسة العاشرـ العدد 182 ـ(جمادى الأولى1438 هـ ( ـ (فبراير-فيفري2017م).


قام الطيران الصهيوني فجر يوم 13كانون الثاني 2017 بعدوان جديد على سوريا، وتحديدًا على مطار المزة العسكري بدمشق، لتأكيد التفوق الجوي الصهيوني والحفاظ عليه ،حيث استخدمت «إسرائيل» في هذا العدوان الجديد على مطار المزة العسكري،لأول مرّة طائرتين حربيتين أميركيتين من طراز إف 35 ،أطلقت كل واحدة منها 4صواريخ موجهة ،ومن شرق بحيرة طبريا،أي من منطقة الأمتار القليلة التي رفض الرئيس الراحل حافظ الأسد في محادثاته مع الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون في «شيبردتز تاون» في26آذار/مارس 2000 التنازل عنها،والقصف من تلك المنطقة، يحمل مغزى ودلالات بأن «إسرائيل» لن تتنازل عن تلك المنطقة في أي محادثات سلام محتملة مع سورية، بعد رسم خطوط التسوية، حدود الرابع من حزيران/1967 ولا تنازل عنها.


كما يأتي العدوان الصهيوني في ضوء ما تشهده الساحة السورية ،لا سيما في مدينة حلب من انتصارات حققها محور المقاومة بقيادة الجيش العربي السوري وحزب الله اللبناني على التنظيمات الإرهابية و التكفيرية ،ورعاتهم من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني،وتركيا وبعض الدول الخليجية،الذين عملوا طيلة السنوات الماضية على الاستثمار في الإرهاب،وقيادة الحرب الإرهابية على سوريا وكل محور المقاومة،بهدف إحداث تغيرات جيو-استراتيجية نوعية تبقي المنطقة العربية تحت السيطرة الأمريكية والاستعمارية الغربية لمئات السنوات القادمة.وجاء العدوان الصهيوني على مطار المزة العسكري لنجدة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية التي استخدمت حرب المياه ضد سكان العاصمة دمشق بعد تحرير مدينة حلب مباشرة ،لا سيما بعد أن استطاع الجيش العربي السوري تحرير بلدة بسيمة والسيطرة على منطقة وادي بردى، وتحرير مياه دمشق من ابتزاز الجماعات الإرهابية، وبسبب التقدم الذي كان يحققه الجيش العربي السوري ميدانياً.

استهدافات العدوان الصهيوني

يعد هذا العدوان الإسرائيلي لمطار المزة العسكري هو الثاني في أقل من شهرين،إذ استهدف بصواريخ «أرض-أرض فجر الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول 2016.وقالت تقارير إعلامية حينها إن القصف طال مدرج المطار، بالإضافة إلى مقر قيادة عمليات الفرقة الرابعة داخل المطار، ما أدى إلى اشتعال النيران.كما استهدفت «إسرائيل» في السابق مواقع تابعة لـ«حزب الله» اللبناني داخل سوريا حيث يشارك في القتال إلى جانب الجيش السوري.وأدّى قصف صاروخي إرهابي معاد على بناء سكني جنوب مدينة جرمانا بريف دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى استشهاد المقاوم سمير القنطار القيادي البارز في حزب الله.وفي وقت سابق من ذلك العام قتلت غارة جوية إسرائيلية في سوريا ستة أعضاء من «حزب الله» بينهم قيادي وابن القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية قرب مرتفعات الجولان.

ومن الملاحظ أن كل هذه الاعتداءات الإسرائيلية تستهدف بشكل رئيس كل المقاومين الذين يقومون بأدوار مختلفة في منطقة جبل الشيخ وغيرها من المناطق المتاخمة للحدود مع الجولان المحتل، كما أنها تستهدف أيضًا عدم عودة الجيش العربي السوري و حلفائه من المقاومة إلى الجولان المحتل، لا سيما مع اقتراب موعد الحوار السياسي الموسّع السوري – السوري الذي يتوقع له أن يعقد في الثالث والعشرين من كانون الثاني 2017في أستانا عاصمة كازاخستان والذي ينبئ بمؤشراته ومعطياته، أن الواقع على الأرض السورية فرض معطياته وشروطه، في ظلّ الانتصارات الكبيرة للجيش العربي السوري وحلفائه، واتساع رقعة المصالحات الوطنية التي باتت تعمّ الداخل السوري، في معنى جديد، يسهم في بلورة وإحلال وجهة نظر الدولة السورية في أيّ حوار قد يحدث، وفي أي مكان.ومن هنا، ليس مستغرباً أن تتزامن، وتشتد الهجمات والتفجيرات الإرهابية شراسةً ومثلها الاعتداءات الإسرائيلية في وعلى الأرض السورية «لخنق» أي حلّ سياسي للأزمة في سورية قد يرى النور.. أعمال إرهابية لا يصحّ وضعها إلا تحت عنوان «الإرهاب المفلس» الذي تصدّت له الدولة السورية، وأسقطته بصمودها، بكل اقتدار وحكمة، وحرفت من خلال هذا التصدي والصمود البطولي البوصلة الاستعمارية عن وجه سورية، مع ما أوقفته بمقاومتها من إرهاب أسود كان مخططاً له بدقة أن تتدحرج كرته الملتهبة إلى بنية الوطن العربي كاملاً، في أخطر مشروع تقسيمي وتجزيئي في العصر الحديث(1).

ويأتي العدوان الصهيوني الجديد على سورية، بعد تحرير مدينة حلب ،العاصمة الاقتصادية للدولة السورية،وانتصار محور المقاومة على الحركات الإرهابية والتكفيرية ومن يسلحها بالأسلحة المتطورة،ويمولها بمئات الملايين من الدولارات،وإسقاطه لمشاريع التقسيم والتفتيت للجغرافيا السورية ،حيث كان المخطط الأميركي -الصهيوني-التركي والخليجي ، يريد عادة إنتاج مشروع سايكس- بيكو جديد، ذلك المشروع الذي يفكك ويركّب المنطقة العربية على أسس مذهبية وإثنية وثرواتية،و يستهدف بالدرجة الرئيسة تحطيم الدولة الوطنية السورية، وتقسيمها إلى دُوَيْلات طائفية يتحكم فيها أمراء الحرب الإرهابية الذين تحتضنهم الولايات المتحدة الأميركية،وتركيا التي تريد استعادة المجد العثماني الغابر،والمشيخات النفطية الخليجية (السعودية وقطر)،و«إسرائيل» بوصفها جزءًا رئيسًا من المشروع المعادي لمحور المقاومة المتكون من سورية، وحزب الله و الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ففي الحرب الإرهابية التي خاضتها القوى الغربية والكيان والأطراف الإقليمية من تركياو بعض الدول الخليجية ضد سوريا، كانت الحركات الإرهابية و التكفيرية أدوات منفذة للمخطط الآنف الذكر أعلاه،و كانت «إسرائيل» السند والحامي لكل تلك المكونات والمركبات الإرهابية التي خصتها بالرعاية الطبية في مشافيها، وزودتها بالسلاح والمعلومات الاستخبارية، لتصل الأمور إلى حد مشاركة عدد من مقاتلي الجماعات الإرهابية في مؤتمرات داخل الكيان الصهيوني وتصريحات لقادة العديد من تلك الجماعات والفصائل تطلب من «إسرائيل» دعمها ومساندتها، والإشادة بها لقصفها الأراضي والمواقع السورية.في هذا الإطار والسياق يأتي تحليل مغازي وأهداف العدوان الصهيوني على مطار المزة العسكري.

و لا شك أن العدوان الصهيوني حصل بموافقة حقيقية من الولايات المتحدة الأميركية ، فلا تزال هذه القوة العظمى تكن الحقد الدفين على سوريا و رئيسها، الذي رفض الإنصياع لإملاءات وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول ورئيسه جورج بوش الإبن في محادثات تشرين الثاني 2003.فالولايات المتحدة الأميركية دخلت الحرب ضد سوريا من أجل إسقاط الدولة الوطنية ،وتقسيم البلاد،وهي جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد،الذي هو بدوره ليس سوى تَتِمَّة أو تَحْدِيث لمخطط «سايكس- بيكو».

والحال هذه، ترفض الولايات المتحدة الأميركية ومعها ربيبتها «إسرائيل» أن يخرج الجيش العربي وحلفائه من محور المقاومة منتصرين في هذه الحرب الإرهابية الكونية على سوريا،لذا جاء العدوان الصهيوني الأخير ليستهدف تحقيق جملة من الأهداف في مقدمتها ما عبر عنه قادة اليمين الصهيوني في حكومة الاحتلال من نتنياهو وليبرمان، بأنه محظور انتصار سورية في هذه الحرب، ووجدنا كيف جنّ جنون قادة الكيان الصهيوني،عندما استعاد الجيش العربي السوري حلب، وبما يكشف عن مدى ترابط أهداف الكيان الصهيوني مع أهداف ومصالح تلك الجماعات الإرهابية والقوى اللاوطنية.

«إسرائيل» تدرك أن النصر للجيش العربي السوري والمقاومة على وجه التحديد، وانتهاء هذه الحرب وخروج سورية منها ومعها حزب الله منتصرين يعني سقوط وجود جيش لحدي على حدودها مع سورية يحمي وجودها في الجولان المحتل، وأنها ستجد نفسها في الحدود على الجولان مع الجيش العربي السوري والمقاومة، ولذلك هي ستستمر بدعم الجماعات الإرهابية لهذا الهدف، وكذلك يحاول نتنياهو الخروج من مأزقه بعد مسلسل الفضائح المتتالية التي تواجهه من فساد ورشى واحتمال محاكمته وسجنه ووضع حد لمستقبله السياسي، ورأينا كيف حاول استثمار عملية الشهيد القنبر بالقول إنه داعشي، لكي يجد مشروعية دولية في حربه على شعبنا الفلسطيني ووسم نضاله بالإرهاب(2).

وفي ظل عجز إدارة الرئيس أوباما السابقة عن فرض التسوية على «إسرائيل»، والدور الكبير الذي تضطلع به روسيا من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية في مفاوضات أستانة ،تريد «إسرائيل» بعدوانها الجديد على سوريا أن تجلب أنظار القوى الدولية والإقليمية المعنية في هذه المفاوضات ،بأن أمن الكيان الصهيوني يجب أن يكون بندًا مطروحًا في جدول أعمالها، و أن تخلط خلط الأوراق من جديد ، لكي يكون جزءاً من أي تسوية محتملة للأوضاع في سورية، بما يتصل بالحفاظ على أمنها ووجودهاو.ضمن هذا السياق، تصاعدت التهديدات العسكرية الإسرائيلية ضد سورية وحزب الله منذ أسابيع عديدة. ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف التصريحات الصادرة من كل المسؤولين السياسيين العسكريين الإسرائيليين من الدرجة الأولى، عن الدور المستقبلي لحزب الله ، وقدرته التسليحية،والمهارات القتالية التي اكتسبها في الحرب السورية الكبيرة، إضافة إلى قدرة الجيش السوري الذي خرج منتصرا من هذه الحرب، وقرب عودته إلى الجولان المحتل في تماس مباشر مع الجيش الصهيوني، وتخوف قيادات اليمين الفاشي الحاكم في الكيان الصهيوني من إمكانية فتح جبهة جديدة للمقاومة داخل الأراضي السورية بهدف تحرير هضبة الجولان المحتلة

هناك جانب من الحقيقة من أن قادة العدو الصهيوني أكدوا مرارًا وتكرارًا رفضهم المطلق للانسحاب من هضبة الجولان،معتبرين أن «سورية تنازلت عن سورية الكبرى والاسكندرون،ولا يوجد سبب يمنع تنازلها،في حالتنا،عن الجولان»وتدق،«إسرائيل» طبول الحرب من جديد بعدما تسببت إدارة أوباما السابقة التي تبنت فكرة حل الدولتين لشعبين،بموت التسوية السلمية بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، حين عجزت حتى الآن بالضغط السياسي على حكومة نتنياهو عن وقف بناء المستوطنات، وامتنعت عن استخدام الضغط المالي والمساعدات العسكرية لهذه الغاية كي تعاود المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية،ها هي الإدارة عينها تسلم القضية الفلسطينية برمتها إلى «إسرائيل» لكي تكون هي الجهة الوحيدة التي تحدد مسارها،بعدما تخلت الولايات المتحدة عن دورها الفاعل في تحقيق تسوية مرضية.

استهدافات السياسة الأميركية

إن سياسة الإدارة الأميركية تستهدف بالدرجة الرئيسة تأمين حماية الأمن الأميركي المتلازم مع الأمن الصهيوني،والقضاء على ما تسميه الإدارة الأميركية بؤر الإرهاب،الذي يدخل في سياق تحقيق الهيمنة الأميركية وتلبية مطالب المجتمع الصناعي العسكري،وضمان التفوق الصهيوني الحاسم على الدول العربية.. ومن هذا المنظار، فإن السياسة الأميركية في ظل بناء مشروع «الشرق الأوسط الكبير» تقوم على اتباع أساليب إلحاق الهزيمة العسكرية بالدول المناوئة للولايات المتحدة الأميركية والقضاء على القوى الإسلامية الجهادية،واليسارية، والديمقراطية الرافضة للمشروع الأميركي وتذرير المنطقة إلى تيارات يراد لها أن تكون نابذة إلى أبعد حد، وإيكال الدفاع عن الديمقراطية إلى نخب أقلوية،عديمة الانغراس في تربة أوطانها وأمتها، باحثة عن الوسيلة الأسرع للقفز فوق المسألة الوطنية من أجل الدخول في رحاب الليبرالية الأميركية التي تقتل الإنسان في عالم الجنوب.

ولعل السياسة الأميركية في استقطاب الحكام العرب من ضمن استراتيجية الحرب على الدولة السورية ،إنما تهدف إلى كسر ما تبقى من شوكة العرب القومية.ومع انهيار كل مراكز الرفض العربي في أعقاب الحرب الأميركية –الأطلسية على العراق وليبيا، وسيادة منطق ومفهوم الاستجابة لمتطلبات وشروط المرحلة الجديدة المتمثلة في تطبيع العلاقات العربية-الأميركية-الصهيونية، بإملاءات الواقع وانخراط الحكم العربي الرسمي في هذا المسار على خلفية وحدانية الولايات المتحدة الأميركية، دخلت الإدارة الأميركية ومعها الكيان الصهيوني ، والأطراف العربية الرجعية المعادية لمحور المقاومة ، في حرب إسقاط الدولة الوطنية السورية بهدف تقسيمها، وتحجيم قواتها العسكرية ، وصولا إلى فصل السياسة السورية عن حزب الله .

لقد ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وسورية،على مدى العقود الماضية، علاقات معقدة، وصراعية، بسبب سياسة الممانعة التي تنتهجا دمشق الرافضة لطرد الفصائل الفلسطينية المقاومة وإغلاق مكاتبها في دمشق، و الداعمة للمنظمات الجهادية المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهي الحركات التي تعتبرها أميركا أهدافا ذات أولوية عالية، في حركتها ضد الإرهاب، ظهر ذلك بوضوح في الحرب الإسرائيلية- اللبنانية (يوليو 2006)، إضافة إلى تعزيز العلاقات السورية -الإيرانية، بعدما أصبحت طهران القوة الإقليمية الداعمة لصمود سوريا في الحرب الإرهابية الكونية التي شُنت عليها منذ بداية عام 2012.

موت إستراتيجية الحوار

فقد كان الاهتمام الأساسي للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما منصبًا على خوض الصراع الجيوبوليتيكي مع الصين،العملاق الآسيوي الصاعد، وهو ما يؤكد أن أوباما تخلى عن إستراتيجية الحوار والبحث عن تسويات، لكي يتجه إلى استنساخ نهج سلفه بوش في التعاطي مع الملفات الشائكة، ولاسيما منها الملف النووي الإيراني.. أما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فقد مارس الضغوطات على الرئيس محمود عباس للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل من دون وقف الاستيطان، الذي كان شرطاً أساسيا لاستئناف التفاوض مع الإسرائيليين.ومن وجهة نظر إسرائيل، إن ما يقف عائقاً أمام تحقيق تسوية للصراع العربي- الإسرائيلي هو المشكلة النووية الإيرانية، وبقاء حركات المقاومة في لبنان وفلسطين متمثلة بـ «حزب الله» إضافة إلى العلاقات التحالفية بين سورية وإيران.

«إسرائيل» تريد بناء دولة يهودية خالصة، ولكن الذي يعيقها هو وجود أقلية عربية من سكان الـ 48 ضاقت ذرعاً بها، وهي تريد أن تتخلص منها بأي شكل. ويبدو أن الوقت أصبح مناسباً.. وفضلاً عن ذلك تريد «إسرائيل» استغلال حالة الضعف الشديد التي يتسم بها النظام الرسمي العربي، الذي لا يمتلك أي استراتيجية للمواجهة، بل أصبح يعتبر القضية الفلسطينية عبئاً عليه، لكي تنهي في الوقت الحاضر حالة اللاحرب واللاسلم القائمة على جبهة الجولان، طوال سنوات احتلالها التي امتدت إلى 50 عاما. إذ إن أيا من سورية و«إسرائيل» لم تخوضا أية حروب مباشرة منذ أكتوبر العام 1973.

ولا يمكن فهم الإعتداءات الإسرائيلية الأخيرة إلا من خلال ما يطلبه قادة الكيان الصهيوني من سورية بأن تتخلى عن الجولان، في مقابل التسوية مع «إسرائيل»، وفك الارتباط مع إيران، ولاسيما مع حزب الله. فمن الواضح أن منطق الحرب والتصعيد العسكري هو الذي يتفوق في «إسرائيل» على منطق التسوية، وبالتالي السلام.. وعوضاً عن أن تمارس الولايات المتحدة الضغوطات على إسرائيل لكي توافق على المرجعيات الدولية لما يسمى السلام، فإن السياسة الأميركية استمرت في ارتكاب المغالطات في آلية تحركها المعروفة التي تغيب المرجعيات الدولية والاعتماد بصورة كلية على مرجعيات بديلة تتناقض كلياً مع تلك المرجعيات وتنسف عملية السلام، ماجعل السياسة الأميركية رهينة لإملاءات وأفكار إسرائيلية تترجمها الممارسة الأميركية على الأرض، من خلال محاولة فرض الرؤية الإسرائيلية وتبنيها وتسويقها كأفق وحيد متاح للحل السياسي.

السؤال المطروح في المنطقة هو: ما مدى جدية الإعتداءات الإسرائيلية؟

إن اللحظة التي لا يتردد فيها الإسرائيليون في السير باتجاه الحرب، هي تلك اللحظة التي يشعرون فيها بأن التأخير عن خوض تلك الحرب قد يؤثر على وضع «إسرائيل» المتفوق أو الأمني،وما دامت أكثرية التحليلات التي يقدمها استراتيجيو الكيان الصهيوني ترى أن المشكلة النووية الإيرانية تشكل تهديدًا وجوديًا «لإسرائيل»، و«الوضع السوري» الممانع، ووجود مقاومة «حزب الله» المدعومة سياسيا وعسكريا من قبل سورية وإيران، شيئاً من ذلك الخطر، فإن الأكثر احتمالاً هو تغلب منطق الحرب.

الإعتداءات الإسرائيلية وعودة منطق الحرب

بالطبع تظل الأوضاع الداخلية للكيان الصهيوني عاملاً مهماً في تحديد اتجاه القيادة الصهيونية السياسية والعسكرية وقراراتها. من هنا نقول إن العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا المقترن مع التهديد بالحرب الشاملة على المنطقة كلها تزيد من حالة التوتر في المنطقة تمهيداً لدفعها إلى كارثة الحرب. إن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل حقيقة أن في القيادة الإسرائيلية من يحكمه مثل هذا المنطق.

وفي كل الأحوال،فإن الحرب والتهديد بالحرب عبر حملة من التهديدات الموجهة إلى سورية ولبنان، وتهيئة الرأي العام الإسرائيلي من جهة، والرأي العام العالمي من جهة أخرى، وإقناعهما بأن أي عملية مقاومة لـ«حزب الله» في الجولان تستدعي حرباً مباشرة على سورية ولبنان، من أجل تصفية بنية المقاومة، وبالتالي تصفية قضية فلسطين، هي أفضل ما في جعبة نتنياهو لتصدير أزمتة خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ثم خلط الأوراق، وتصعيد حالة التوتر وعدم الاستقرار، وذلك على طريق الهروب إلى الأمام.

وتبقى القضية نوعاً من لعبة الوقت. وحتى لا يقع المرء في الفخ المنصوب، عليه أن يتوقع الحرب في أية لحظة، والأهم أن يستعد لتلك اللحظة. فنتنياهو لا يملك مشروعاً سياسياً، وهو يرى في المزيد من العدوان والتوسع والقتل والتدمير والاستيطان مشروعا يلبي غرائزه، ويرضي أتباعه من المتطرفين الحاقدين المشبعين بالعنصرية والعداء للعرب.

لقد قررت «إسرائيل» استغلال وضع سورية الصعب،والعمل -بالتفاهم مع إدارة الرئيس أوبما السابقة على إنهاء الدور الإقليمي لسورية وانتزاع أقصى تنازلات ممكنة من سورية،مثل وقف كل أنواع نقل الأسلحة والمساعدات والدعم العسكري الى «حزب الله» وسائر التنظيمات والقوى الفلسطينية المتشددة،على أن يتم التأكد من ذلك عبر مراقبة دولية مشددة للحدود اللبنانية– السورية،وإغلاق جميع مكاتب التنظيمات الفلسطينية المتشددة الأخرى ومراكزها في الأراضي السورية.

وتريد إسرائيل من خلال «العصارة الاستراتيجية» في التعاطي مع «حزب الله» «وجوب تقليص التهديد الذي يشكله على أمن إسرائيل والاستقرار في المنطقة من خلال إضعاف قوته وتحويله إلى لاعب هامشي ليس ذا شأن في المعادلات الإقليمية»،وذلك عبر ضرب العلاقة بين ايران والحزب، بوصفه الشرط الأهم في معادلة المساس بقوة الحزب العسكرية وموارده وطريقه الأيديولوجية، وتغيير سورية سياستها تجاه الحزب،الذي قد يتم بفعل اتفاق سلام مع «إسرائيل»،وكجزء من رزمة ترتيبات إقليمية في مرحلة ما قبل ما يسمى «الربيع العربي »سنة 2011، أو عبر إسقاط الدولة الوطنية السورية ،كما بينته مجريات الحرب الكونية ضد محور المقاومة منذ سنة 2012 و لغاية تحرير مدينة حلب، والتي انتهت بهزيمة المشروع الأميركي –الصهيوني.

وكانت سوريا على الدوام ترفض رفضًا قاطعًا فك التحالف مع إيران،ووقف الدعم لـ«حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الأخرى المرتبطة بدمشق كثمن لبدء مفاوضات السلاممع الكيان الصهيوني .وفي هذا السياق ،كانت القيادة السورية تشدّد دائمًا على أن سورية تريد أن تكون استعادة الجولان بالكامل وتأمين الانسحاب الاسرائيلي منه الى حدود 4 حزيران 1967 أساسا لأي عملية تفاوض جديدة. وهذا المطلب يشمل تثبيت الوجود السوري على الضفة الشرقية لبحيرة طبريا، ما يمنح السوريين حق المشاطأة،ويجعلهم بالتالي يطالبون بتقاسم مياه هذه البحيرة مع الإسرائيليين. كما أن الرئيس الأسد يريد استعادة الجولان بالكامل خلال فترة زمنية قصيرة بعد توقيع معاهدة السلام،ويرفض كليا ترك هذه الأرض السورية في أيدي الإسرائيليين سنوات طويلة بعد توقيع المعاهدة.وبالمقابل ترفض «إسرائيل» الانسحاب من الجولان إلى حدود 4 حزيران 1967، بل انها تريد الاحتفاظ، في أقل تقدير، بالسيطرة الكاملة على بحيرة طبريا وعلى ضفتها الشرقية التي طالب بها الرئيس الأسد بإلحاح، لأن هذه البحيرة تؤمن للإسرائيليين أكثر من 40 في المئة من حاجتهم من المياه.

«إسرائيل»وظيفة إمبريالية أميركية

ونعود إلى البداية للتأكيد أن «إسرائيل» بغض النظر عن التنظيرات الايديولوجية للحركة الصهيونية هي ظاهرة استيطانية إجلائية,وإن كانت تطرح نفسها دولة قومية يهودية استعادت المملكة اليهودية القديمة, وبصفتها وريثة لهذه المملكة,فقد حاولت الحركة الصهيونية حبس الفكر العربي ضمن نطاق الأسطورة- التاريخ,أي مناقشة المشروع الصهيوني في إطار مرحلة زمنية تعود إلى ماقبل 2000-3000 سنة, ومنعت مناقشته في إطار سياسي عصري.‏

«إسرائيل» واقع استعماري,وهي جزء من الظاهرة الاستعمارية الأوروبية, وقد تبنى هذا الموقف العالم الثالث على أوسع نطاق,و يحار المرء في الانتقاء بين التأكيدات العربية فها هو عبد الناصر في كتابه( فلسفة الثورة) يحكي أفكاره كضابط في الثلاثين من العمر عند عودته من حرب فلسطين عام 1948 :( لقد كان ذلك كله على توافق طبيعي مع الرؤيا التي رسمتها في ذهني التجربة,( فالمشرق العربي) يشكل منطقة واحدة تعمل فيها الظروف نفسهاوالعوامل نفسها وحتى القوى نفسها المتألبة عليها جميعاً,ومن البديهي أن تكون الامبريالية أبرز هذه القوى, ولم تكن «إسرائيل» ذاتها سوى نتيجة من نتائج الامبريالية).‏

«إسرائيل» في نظر الشعوب العربية،ومحور المقاومة المتكون من سوريا وحزب الله وإيران،وكل الحركات الجهادية المؤمنة بتحرير كامل فلسطين، قاعدة امبريالية أقامتها في الشرق الأوسط الامبريالية البريطانية بالاتفاق مع الامبرياليات الأخرى وهي جزء من النظام الامبريالي العالمي, ونشاطها في العالم منذ وجودها مرتبط بالنشاط الامبريالي سواء أكان لمصلحتها الخاصة أم لحساب الامبرياليات الأوروبية والأميركية, هذا هوالتصور الأكثر شيوعاً في العالم العربي.‏

وجاء قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ضمن مخطط استعماري استهدف المنطقة كلها بما فيها فلسطين،وكان الوجود الصهيوني في فلسطين جزءاً منه, إذ قام المخطط الاستعماري على تجزئة العالم العربي, وضمان تخلّفه, وتنصيب فئات رجعية قيادات في كل (دولة) من دوله,وهدف الوجود الصهيوني الحفاظ على هذه الفسيفساء, وظل الكيان الصهيوني مرتبطاً بحركة الرأسمالية العالمية عندما كان مركزها في أوروبا, وأصبح جزءاً من المخطط الامبريالي الأميركي حين انتقل مركز هذه الرأسمالية العالمية إلى أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.‏

وبناء على ذلك،فإن سيرورة وجود (إسرائيل) كانت وستبقى, محكومة بطبيعة العلاقة بين الشق اليهودي الذي قام على المسألة اليهودية وبين الشق الامبريالي الذي قام على المسألة الشرقية وتجلياتها اللاحقة, ومن هنا يظل وجود (إسرائيل) متوقفاً على جدلية العلاقة مع الامبريالية العالمية وحركتها التي تقودها الآن الولايات المتحدة الأميركية.‏

فإسرائيل قوية بقوة هذا المركز الامبريالي الذي يدعمها بوسائل القوة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والمالية من أجل أداء دورها الوظيفي كقاعدة عسكرية متقدمة مستعدة لخوض الحرب, أي السحق العسكري للقوى والموارد في بلدان الشرق الأوسط تمهيداً لتطويعها السياسي, وإسرائيل ضعيفة بضعف الولايات المتحدة الأميركية.‏

الأداء الناجح للدور الوظيفي العسكري هو الذي يعزز موقع «إسرائيل» لدى الولايات المتحدة الأميركية, والتقصير في الأداء الوظيفي كما حصل في حرب تموز2006 يخلخل أسس موقعها لدى الإدارة الأميركية.‏

الهوامش:

(1)-صحيفة تشرين ، 15كانون الثاني 2017
(2)-صحيفة تشرين،18كانون الثاني 2017



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google