انتصار الأمية والجهل والتخلف؟!
انتصار الأمية والجهل والتخلف؟!


بقلم: علاء كرم الله - 12-02-2017
منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى الآن يعيش المجتمع العراقي صراعا قويا وواضحا بين مفهوم البداوة والحضارة! ورغم ما بذلته الحكومات التي توالت على حكم العراق من ملكية وجمهورية من جهود في سبيل الأرتقاء بهذه الأمة كلا على طريقته وسياسته
ورغم حالة الشد والجذب بين هذين المفهومين على مر التاريخ ألا انه ومع الاسف الشديد أن حالة التخلف والبداوة والجهل والأمية هي التي أنتصرت وسادت أخيرا وخاصة في السنوات الأخيرة التي أعقبت سقوط النظام السابق؟!.
وما أدل على ذلك من المظاهر التي نشاهدها يوميا في حياتنا من فوضى وتخلف وجهل لأبسط مفردات اللياقة في التعامل والقيم الحضارية والأنسانية وحتى الأخلاقية في ظل غياب القانون حيث لم تعد للدولة وكافة أجهزتها الأمنية أية هيبة بعد ان حلت محلها سلطة العشيرة وقوانينها!!.
ومما ساعد في ذلك هو أن الشارع العراقي جله من الأجيال الأخيرة(الثمانينات والتسعينات والألفينات)، ومن المعروف أن نسبة كبيرة منهم لم يكملوا حتى التعليم الأبتدائي والمتوسط! بسبب ما تركته ظروف الحروب والحصار على النسيج الأجتماعي وعلى ظروف الأسرة العراقية التي أصابها الكثير من التفكك والتمزق،
ومن الطبيعي أن هذه الأجيال تربت على ثقافة العنف واللاقانون وصور الحروب والموت وأفكار العشيرة والمذهب والطائفة في ظل غياب واضح للدولة منذ فترة النظام السابق الذي أصابه الكثير من الضعف في السنتين الأخيرتين تحديدا من عمر النظام! ،
حيث فشلت كل الحكومات التي توالت على حكم العراق من ملكية وجمهورية بوضع سياسة لأعادة بناء الأنسان بناء صحيحا على القيم الأخلاقية العالية في محاولة للحد من هذه الأفكار والنزعات المريضة.
والشيء المؤلم أن هذه النزعات والمفاهيم المتخلفة قد ترسخت وتعمقت أكثر بعد سقوط النظام السابق!، بفعل من توجهات الأحزاب السياسية المتحاصصة، فأنفتحت كل سبل الحياة والرفاه والعيش الرغيد أمام الجهلة والأميين ومزوري الشهادات وأنصاف المثقفين والمتعلمين! حتى غصت وأمتلئت بهم كل مرافق الدولة ومؤسساتها ووزاراتها، وصار الكثير من هؤلاء الجهلة والمتخلفين رؤوساء للعديد من دوائر الدولة!
( وأروقة دوائر الدولة وموظفيها يتذكرون قصة ذلك المدير والذي هو من هذه النماذج الذي دفعت به الأقدار والصدف والحظوظ! أن يكون مدير لأحدى دوائر الدولة، عندما قدمت له سكرتيرته البريد وطلبت منه أن يطلع على البريد ويهمش عليه، كتب عبارته الشهيرة همشت!!).
أما الشريحة المثقفة والمتعلمة والتي تنبذ مثل هذه الأفكار والمفاهيم فلم تجد ألا نفسها من تسمع صدى صوتها وندائاتها، حيث لم يسمعها ويلتفت أليها أحد!!، بحكم صورة هذا الواقع الأجتماعي المرير ومشهده المتسم بالتخلف فأضطرت للأنزواء مكتفية النظر بقلوب دامية وبحرقة أعصاب على مايجري!
بعد أن تيقنت تماما بأن لا قبل لها بهذا الصراع أمام الغوغاء والجهلة وأنصاف المثقفين والمتعلمين الجدد ولغة العشيرة والفصل والعطوة!! الذين ملؤوا كل ميادين الحياة وغالبية دوائر الدولة ومؤوسساتها،
ليس لضعف في تلك النخب المثقفة بل لأنهم لا يمتلكون أصلا أية أدوات لهذا الصراع المتخلف والعشائري والقومي والطائفي ولأنهم غير قادرين ولا يفقهون التعامل بشعار ( ان لم تكن ذئبا اكلت الذئاب)!.
نقول، صحيح أن الأنسان ابن بيئته التي يعيش فيها ألا ان الكثير من العراقيين ومع الأسف ميالون للفوضى والهوسة وعدم أحترام النظام ويتندرون على شيء أسمه الثقافة والمثقف!،
وليس من باب التشاؤم أذا قلنا أن كل مفردات ومظاهر حياتنا اليومية التي نعيشها والتي ننام على همومها ونصحوا على هموم أكبر وأكثر منها لا تعطينا أية بارقة أمل بأننا وفي المستقبل القريب ولا حتى البعيد سنخرج من النفق المظلم والمستنقع الآسن والمليء بالتخلف والجهل والأمية والذي أجبرنا أن نعيش ونحيا فيه منذ عقود وما زلنا.
أن الشعوب والحكومات هي التي تصنع الحياة ولا أعتقد أننا وفي ظل الظروف والأحداث الجسام التي مرت علينا وفي ظل هذه الأحزاب السياسية التي قادت البلاد منذ عام 2003 وسياساتها الفاشلة التي اوصلت البلاد الى حافة الضياع والأفلاس والجوع بسسب فسادها والتي كرست وغرست الكثير من مفاهيم التخلف والجهل والخرافات بين الناس نستطيع أن نخلق ونصنع الحياة لنا ولا لأجيالنا لا في المستقبل القريب ولا حتى البعيد.
وفي هذا السياق وجدت من المناسب هنا أن أنقل موضوعا كتب في مجلة التقدم العدد/4 في 21 تموز 1945 عنوانه( طريق النجاح) وهي محاورة بين شخصين أحدهما كاتب ومعروف عنه الثقافة وسعة الأطلاع وميله الى الدرس وكثرة القراءة:
( قال الآخر لصديقه المثقف وهو يحاوره: أراك قد أنصرفت عن البحث والدرس والكتابة فما أراك تحمل كتابا أعتدت أن تحمله من قبل ولم أقرأ لك شيئا تكتبه منذ زمان، فضحك وأجابه قائلا: لقد بعت كل ما أملك من كتب من غير ما حاجة الى ثمنها، بعد أن رأيت الأميين وأشباههم والجهلة تنفتح أمامهم أبواب العيش الرغيد والرفاه فأردت أن اتشبه بهم لعلي ألقي بعض ما يلقون من خير ونجاح!!).
الى هنا انتهى الحوار بين الصديقين. لا تعليق سوى أن نقول ما أشبه البارحة باليوم!، وما أشبه هذه الحكاية بالأيام التي نعيشها ونحن نعيش تحت سيطرة ووطئة الجهلة والمتخلفين وسراق المال العام والفاسدين. وصدق الشاعر حين قال: المال يرفع ذي الخسيس الى العلا ويقعد الفقر بالفتى المنسوب.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google