37 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 1/8
37 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 1/8


بقلم: ضياء الشكرجي - 13-02-2017
[email protected]

هذه هي الحلقة السابعة والثلاثون من مختارات من مقالات كتبي الخمسة في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة»، وستخصص ثمان حلقات لنشر مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم، سبق ونشرت في إحدى عشرة حلقة خلال الفترة من 23/05 لغاية 09/06/2013. لكن لكونها كانت قد نشرت من جهة، ولكون عدد من المتابعين لهذه المقالات المختارة ربما لم يتابعوها آنذاك، سأعيد نشرها مضمونا، وليس بكامل النص، وذلك ليس كما جرى آنذاك، بإيراد نصوص ما نشره كل من المتناظرين الربوبي – كما أحب أن يسمي نفسه – والمسلم، أي ليس كمناقشة، وإنما كموضوع كما لو كان كتب كبحث مستقل. ومفردة «ربوبي» يستخدمها الكثيرون كترجمة لكلمة deism وهي في الواقع ترجمة غير دقيقة، لأن deism مشتقة من الكلمة اللاتينية “Deus” ومعناها (الله) أي اسم العلم وليس اسم الجنس God بالألمانية Gott وليس (الرب) بالإنگليزية Lord وبالألمانية Herr وهي نفس الكلمة التي تعني سيد، وبالتالي تكون الترجمة الصحيحة لـ deism «إلهي» وليس «ربوبي».

كثير من المسلمين المدافعين عن الإسلام عندما يدخلون في (مناظرة)، كما يحبون أن يسموها، بينما يكون (الحوار) هو المصطلح الأنسب، يكون هدفهم كما يعبرون إظهار الحق من الباطل، وهذا ديدن مثل هؤلاء، بينما في الحوار لا يجب بالضرورة إثبات من على (حق) ومن على (باطل)؛ هذه الطريقة، التي أسميها طريقة «الـ(إما وإما)» أو طريقة «الـ(أسود/أبيض)»، وهي من موروثات الثقافة الدينية الشمولية التي لا تقر بنسبية المعارف الإنسانية، ونسبية الصواب والخطأ، بل هو عندها إما حق وإما باطل، إما هدى وإما ضلال، إما إيمان وإما كفر، إما جنة وإما نار.

ومثل هؤلاء عند دخولهم في حوار، يفترضون غالبا منذ البداية عدم اقتناع الطرف الآخر واتباعه لرؤيتهم، وبالتالي يعتبرونه من «الَّذينَ يَتَكَبَّرونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحقِّ»، وبأنه من المعاندين والمكابرين، بحيث يكون حالهم «إِن يَّرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِها»، وأنهم من «الَّذينَ إِن يَّرَوا سَبيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبيلًا وَإِن يَّرَوا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلًا»، وأنهم مكذبون تكذيب عناد واستكبار، وأنهم غافلون عن الحقيقة بل معرضون عن الحق. وهذا الأسلوب، هو سواء عن قصد أو عن غير قصد من قبل هكذا نوع من المحاورين، ولا أعمم، هو عبارة عن شتم استباقي لطرف الحوار الآخر، وخدش لكرامته، وحكم مسبق عليه، بمعنى أنها شتيمة جاهزة، سيستحقها طرف الحوار الثاني، عندما لا يقتنع برؤية محاوره ويذعن لعقيدته. وكأنه يقول له: إما أن تقتنع بما سأطرحه عليك من أدلة وحجج دامغة، وإما فأنت متكبر في الأرض، معاند للحق، لا تريد اتخاذ سبيل الرشد سبيلا لك، بل تصر على اتباع سبيل الغيّ، وأنت بالنتيجة إما مكذب بالحقيقة رغم إقرارك بها في العمق، وإما أنت غافل، غبي، لا تفهم، ولا تستوعب، ولا فائدة معك. بينما يتطلب الحوار الموضوعي من كلا طرفي الحوار احترام الطرف الآخر، دون اتهامه بالعناد والمكابرة، إذا لم يقتنع.

بينما يفترض في الحوار الموضوعي أن توضع له أسس، ومن أولوياتها أن يكون المرجع الأول هو العقل، ورفض كل ما يخالف العقل وثوابته.

والمشكلة عند الأعم الأغلب من الدينيين أنهم لا يقرون أو لا يستطيعون أن يدركوا إمكان التفكيك بين الإيمان والدين، أو بين الإلهية والدينية، بينما صحيح، إيمان ديني هو إيمان إلهي، ولكن ليس كل إيمان إلهي هو إيمان ديني، بينما يرون كل رفض للدين هو بالضرورة إلحادا وعدم إيمان بالله.

وأحيانا نرى المحاور المسلم أو عموم المحاور الديني يرحب بمنهج اعتماد العقل كمرجعية أساسية في الحوار، لكنه سرعان ما ينقضه بعد ذلك، بعدم إقراره لمرجعية العقل، التي جرى التوافق عليها، وأحيانا نراه يقع في التناقض، فيرفض مرجعية العقل عندما يراها تهدم أركان الإيمان الديني، لكنه يعود أحيانا لاستخدام استدلالات عقلية، إذا رأى في بعضها ما يدعم رؤيته. وعندما يواجه مؤمنا بالله لكن غير مؤمن بالدين، يبدي استغرابه، ويعدّ إيمان اللاديني بخالق عظيم، وفي نفس الوقت رفضه لعبادته من منظور المتدينين، لغزا، بل قد يدعي فيه تناقضا. فكثير من الدينيين من هذا النوع الذين يدافعون عن الدين نجدهم يعتبرون الإيمان بالله من خارج المنظومة الفكرية الدينية لغزا، كتعبير عن استغرابهم بالجمع بين الإيمان بالله وعدم الإيمان بالدين، هذا الذي هو عندهم بمثابة التلازم الذي لا انفكاك له، بينما من الناحية المنطقية لا تلازم بينهما، حتى مع فرض ثبوت الدين من خلال البحث المابعدعقلي في إطار فحص صدق ممكن عقلي ما أو عدمه. فصحيح كل إيمان ديني يتضمن الإيمان بالله، ولكن لا يجب أن يكون كل إيمان بالله إيمانا بالدين، أو بثمة دين، أي دين، لكن الدينيين غالبا ما يرفضون هذا المنطق.

فالديني من هذا النوع يتساءل غالبا مستغربا مستنكرا، كيف يمكن للمرء أن يؤمن بخالق عظيم بدون الحاجة إلى نص ديني، أو كتاب مقدس، ثم قد يسأل عندئذ ما إذا كان المؤمن اللاديني بالله هو من نوع الإيمان بالفطرة، ثم يحدد ما يعنيه بالفطرة، ألا هي عنده فطرة إبراهيم التي استدل منها على توحيد الربوبية. فهو يرجع الآخر المختلف دائما إلى مرجعيته هو، أي النصوص الدينية، ويفترض أنها ملزمة للآخر، بينما اللادينيون، أعني الإلهيين منهم لا يجدون ما يجعلهم لا يحتملون، أو قد يرجحون أن شخصية إبراهيم على سبيل المثال ليست إلا شخصية أسطورية لا أكثر، أو شخصية حقيقية حيكت عنها الأساطير بعد ذلك. فالدينيون يرون ما تذكره كتبهم المقدسة حقائق مسلما بها، ولا يجوز الشك بها.

وهم بذلك يغفلون أو يأبون أن يقروا بأن الإيمان بإله لا يحتاج إلى كتاب أو معجزات، إنما يحتاج إلى العقل والطبيعة، وما نراه من التصاميم الدقيقة في الكون، والذي يمكن أن يعتبر البعض إن هذا الإدراك هو الذي يأتيه بنداء الاعتقاد بالإله، أو أنه توصل إلى الإيمان به عبر ما يراه من أدلة عقلية، كقانون العلية، واستحالة تسلسل العلل، وبالإيمان بالتالي بثمة واجب الوجود، دون الحاجة إلى توراة أو إنجيل أو قرآن.

بينما الكثير من المحاورين الدينيين عموما، والمسلمين خصوصا، ينكرون للعقل أي دور، مدعين أو لنقل متوهمين أن التعويل على العقل في قضية الإيمان بدون كتاب مقدس يهديه، يمكن أن يقود، أي العقل، الناس إلى الإيمان بالأصنام والأوثان، وعبادتها، أو عبادة الملوك، أو ليكونوا ملحدين أو لاأدريين. لكنهم يتناسون أنه عندما جُعِل الناس يعولون على الوحي، أو ما يعتقد أنه وحي إلهي، توزعوا مسيحيين ويهودا وصابئة وإيزيديين وزرادشتيين ومسلمين، وتوزع داخل كل دين المؤمنون به إلى شيع وأحزاب وملل وفرق وطوائف، بعضها - حاشا للعقلاء منهم - يكفر بعضا، وبعضها يبيح دماء بعض، واتُّخذ الدين نفسه وثنا وصنما يُعبَد من دون الله، يُطاع في معصية الله، فيُأتمَر بما لم يأمر الله به، ويُنتهى عما لم ينه الله عنه، ويباح ما لم يُبحه الله، ونجد في الإسلام على سبيل المثال سنة وشيعة، متطرفين ومعتدلين، نقليين وعقليين، شكليين وجوهريين، مسيسين للدين وغير مسيسين، عنفيين وسلميين، إلى آخر الثنائيات المتضادة، وغالبا المتعادية. ويبدو إن مثل هؤلاء غير مطلعين، أو ينكرون حقيقة أن تاريخ الفكر الإنساني مليء بالفلاسفة الإلهيين الذين لا ينتمون إلى دين، وهم بلا شك غير وثنيين. ومشكلة مثل هؤلاء أنهم يخلطون بين العقل المجرد كمصدر معرفي له قوانينه (العقليات)، كما الرياضيات والمنطق، وبين الإدراك النسبي المتفاوت، الذي يصيب ويخطئ، ولا أدري كيف يتوصل من يتوصل منهم إلى أن العقل يقود إلى عبادة الأصنام والأوثان والملوك، فكيف يتسق العقل والعقلانية مع عبادة ما ذكر؟ إنهم يبررون ذلك بكون معطيات العقل متفاوتة للغاية، وتخريجاته مُربكة، خالطين هنا هذه المرة بين مما هو عقلي (العقل الفلسفي)، وما هو عقلاني (العقل العملي)، وبين ما هي الملكة الخاصة لكل شخص في صحة استخدامه للعقل والقواعد العقلية، فعندما نقول أن هناك ضرورة عقلية مثلا، أو امتناعا عقليا، أو إمكانا عقليا، فهذا لا علاقة له بقابلياتي الذهنية الخاصة في استخدامي لأدوات العقل، فالعقليات لاسيما الضروريات أي الواجبات العقلية والممتنعات صحيحة دائما، كالرياضيات والمنطق، ولكن عقل كل شخص - أي قابليته على استخدام العقل - نسبي وقابل للوقوع في الخطأ، كما لو أخطأ شخص في معادلة رياضية، فالعيب ليس في علم الرياضيات، وكذلك عندما نتكلم عن (العقليات)، فنعني علم العقليات وقواعده وقوانينه، وهذا تماما عندما لا يقبل الدينيون نسبة خطأ المتدينين في فهمهم للدين إلى الدين نفسه، وكذلك خطأ أي إنسان لاستخدامه لعلم من العلوم، لا يعني أن العيب في ذلك العلم. إنهم يغفلون عن حقيقة أن معطيات الدين متفاوتة للغاية، وتخريجاته مُربكة جدا، فهو حمّال أوجه، متعدد الفهم والتفسير والاستنباط والتأويل إلى ما لا نهاية، وكله حتى الذي ينقض بعضه بعضا يُعَدّ مقدسا وإلهيا، ويُعَدّ نفيه كفرا. وبعض هؤلاء يستشهد بما توصل إليه بعض الفلاسفة العالميين عندما استخدموا عقلهم، على أن العقل يبني ويهدم، يرفع ويخفض، يُؤله ويوثن، ولا أدري ماذا يقولون عن المدارس العقلية في الإسلام كمدرسة المعتزلة والمدرسة الإمامية في العقائد، فهما يعتمدان العقل لا النص، ويقولان ألا تقليد في الأصول، وإن كانا لم يوفقا لاعتماد المنهج العقلي إلى آخر شوط، فبالغ المعتزلة في التأويل، وتحولا - خاصة الإمامية - إلى المنهج التبريري، الذي اكتشفته شخصيا عندما درّست العقائد لسنوات بالعربية والألمانية، ملبسين منهجهم التبريري هذا الحلية العقلية، خشية أن ينتهي بهم مواصلة المنهج العقلي إلى (سوء العاقبة) بـ(الارتداد) عن الدين كنهاية حتمية. ثم إذا سلمنا بأن العقل يبني ويهدم كما يذهب إليه مثل هؤلاء، فهل نسوا أو غفلوا عن حقيقة أن الأديان نفسها تبني وتهدم أيضا، بل وأكثر بكثير، وتاريخها حافل بالهدم، عبر الخرافة، والتعصب، والتطرف، والعداوة، والبغضاء، والاقتتال، وأنهار الدماء والسبي، و... و...، فكان للأديان – صحيح – ثمة منافع للناس، كما كان فيها إثم كبير، ولعل إثمها أي ضررها كان أكبر بكثير من نفعها.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google