"وقفة تأمل لواقع علاقتنا مع الولايات المتّحدة وإدارتها الجديدة"
"وقفة تأمل لواقع علاقتنا مع الولايات المتّحدة وإدارتها الجديدة"


بقلم: لقمان عبد الرحيم الفيلي - 13-02-2017
يوم ٢٩/١/٢٠١٧ تم نشر التوضيح أدناه من السفارة الاميركية في العراق بعد توقيع الرئيس ترامب الحظر على سبع دول بينها العراق: (بتاريخ ٢٧ كانون الثاني، وقع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً وفق المادة ٢١٢ (ف) من قانون الهجرة والجنسية والذي يخص تعليق دخول الرعايا الأجانب من سبع دول الى الولايات المتحدة مؤقتا. يفرض الأمر التنفيذي على رعايا بعض الدول المعينة الحظر على دخول الولايات المتحدة لمدة ٩٠ يوما.

يتضمن هذا الحظر أيضا حظرً لمدة ٩٠ يوما على اصدار التأشيرات. أن هذه البلدان التي تم تحديدها من قبل الكونغرس أو وزير الأمن الوطني هي: العراق وسوريا والسودان وإيران والصومال وليبيا واليمن. سوف نعلن عن أي تغييرات أخرى تؤثر على المسافرين الى الولايات المتحدة في أقرب وقت تتوفر لدينا المعلومات). لعل البعض تفاجأ بشمولية قرار المنع للعراقيين لدخول الولايات المتحدة، وهنا يأتي السؤال عن أسباب المفاجأة ومعالم برنامج خيارات التعاطي العراقي مع القادم الاميركي الجديد؟

من خلال متابعة تصريحات السيد دونالد ترامب اثناء الحملة الانتخابية، ومن بعدها فترة فوزه واستلام الحكم هناك حقائق ومعطيات ضرورية من المهم ألا نهملها او نتناساها وهي:

١- لم يمدح المرشح او الرئيس ترامب العراق كحكومة او كشعب ولو مرة واحدة.

٢- تحدث عن واقع عراق مقسم وليس عراقا موحدا.

٣- لم يمدح محاربة ودحر العراقيين لداعش وتضحياتهم الكبيرة والمؤلمة المريرة ولو لمرة واحدة.

٤- تحدث عن سيطرة إيران على العراق مع أهمية تشخيص التصعيد الاميركي الايراني المقبل.

٥- ربط تأخر اميركا الاقتصادي (حسب ادعائه) بحرب العراق بعد ٢٠٠٣.

٦- ربط دفع الدول الاخرى لمستحقات واجور اي عمل متعلق بالأميركان ناهيك عن تكاليف تركة أعمالهم في العراق بعد دخولهم الطوعي لها.

٧- استخدام مفردات ومعان حول النفط العراقي والإسلام والتي لا تساعد على كسب ثقة العراقيين.

٨- عكس للآخرين انه جاد فيما يريد وانه سيغير مسار الولايات المتحدة نحو إعطاء الاولوية لمصلحة الولايات المتحدة أولاً وأخيراً وانه سيستمر بتفعيل وعود برنامجه الانتخابي.


ملخص المعطيات أعلاه تبين للمراقب المحايد ان الادارة الجديدة ترى ان العراق سوف لا يأخذ بحد ذاتها اولوية أميركية، وان اَي اهتمام به قد يأتي نتيجة أثر كمعطيات أولويات دول او ملفات اخرى. لا اعرف لماذا نحن العراقيين تفاجأنا!! وكأننا كنّا نعيش قبل إصدار القرار علاقة شهر عسل مع الشريك الاميركي غير مدركين ان الاستباقية والدبلوماسية الخشنة هي منهج مهم للرئيس الجديد. الواقعية والصحوة في التقييم السياسي للمعطيات أعلاه تعكس ان اي قرار منع للعراقيين من وجهة نظر الرئيس ترامب قد تكون مفيدة وتعطي عدة رسائل تحذير وتنبيه للأطراف الخارجية بالإضافة الى الالتزام بتعهدات انتخابية للأطراف الداخلية. طبعا هناك من يرى ان لصرامة القرارات تداعيات محتملة على مصلحة الولايات المتحدة وهذه من المفروض ان تكون رادعة لهم ناهيك عن ماهية المنظومة الاميركية التي تعتمد على عراقة مؤسساتها وليس برامج أشخاصها وان كان الرئيس، ولكن نستطيع ان نقول أيضاً انه قد يراها، مع عدم مقدرة المنظومة من الحد منها، بانها تداعيات مقبولة وممكن التعايش معها.

وهنا أمل شخصياً، وانا عملت على هذا الملف لثلاث سنوات اثناء تسنم السفارة في واشنطن، ان لا تكون هذه الخطوة من قبل الادارة الجديدة للسيد ترامب اخر مسمار بحق نعش اتفاقية الإطار الستراتيجي الذي يرقد منذ زمن على فراش موته السريري. ولعل قائلا اخر يعترض ويقول ان نبضات قلب الاتفاقية حية من خلال تعاوننا نحن والاميركيين على جبهات التحالف الدولي ضد «داعش» والمحافظات الثلاث التي حُررت خير دليل على ذلك، اعتراض مقبول ويعطي أملا لإحياء المريض وتعافيه ولو بعد حين. هذا المريض الذي كنّا نعول عليه في مخيلتنا الكثير من دون معرفة كيفية السعي والعمل لمعافاته ودورنا المحوري في ذلك، معتقدين ان الدعاء يكفي من دون عمل والرجاء ايضا يكفي من دون سعي، ولعل انعقاد الاجتماع الثاني للجنة العليا لمتابعة اتفاقية الإطار الستراتيجي قبل اقل من أسبوعين فقط، بعد سنين من النسيان والاهمال لمتابعة تفعيل اتفاقية الإطار الستراتيجي، خير شاهد على بطء تعاطي وتفاعل الدولة العراقية وخارجيتها كوزارة سيادية مع شريك مهم وجوهري مثل الولايات المتحدة.


وهنا يأتي السؤال عن ما يجب فعله لتقليل تداعيات القرار (وما قد يتبعه من قرارات سلبية اخرى) ، فمن وجهة نظري المتواضعة علينا ان نعكس للأميركان اننا سنسير لوحدنا او مع غيرنا في طريق محاربة «داعش» وللإرهاب وتطهير مدننا منها، وأننا نرغب في شراكة قوية معهم في هذا الامر بالتحديد وان لا نأخذ نحن العراقيين إجراءات تعيق فعالية هذا الملف المهم، ، اما بقية الشراكات والقطاعات المذكورة في وثيقة الإطار فهي تحتاج الى عملية مراجعة حقيقية ومن ثم اعادة صياغة في تحديد مدى وعمق شراكتنا مع الولايات المتحدة بعد معرفة ماهية جوهر هذه العلاقة وسبل تعافيها، وان كانت متمحورة حول ملفات أمنية او عسكرية او سياسية او اقتصادية او تعليمية او مالية او الخ. إدارة ترامب تبحث عن شريك عراقي يعكس القوة وليس عن منهج الوسطية في كل شيء، ارى من الضروري ان ندرك ان منهجية تعاطي إدارة ترامب تختلف جوهرياً عن منهجية إدارة اوباما ودبلوماسيته الناعمة وان سرعة أدراكنا لذلك سيقلل من تداعيات القادم خصوصا إذا فكرنا بطرق استباقية لنقل الرسائل المناسبة بذلك للإدارة الجديدة لكي نحمي أنفسنا ونقلل من وقع التوتر المتوقع بين الولايات المتحدة وإيران.

عدم وضوح رؤانا تجاه الولايات المتحدة والآخرين من الدول المهمة جعلتنا كالذي يسير بطريق نحو هدف لا يعرف بتضاريس ارضه وكم يحتاج من مؤنة ومستلزمات الحياة للوصول للهدف على هذا الطريق الوعر الذي لم نسر عليه من قبل. تحديد رؤانا مع معرفة مستلزمات نجاح العلاقات الستراتيجية وإيجادها هي خير رد فعل لما يجب ان نعمله ونتعلمه من هذا الدرس القاسي والذي كان قادماً لا محال للمراقب المطلع. ما احوجنا الى إقامة مراكز بحث حكومية وأهلية عراقية تركز على تحديد مواطن الإيجاب والسلب في هذه العلاقة وترسم خارطة طريق تشريعية وسياسية وتنفيذية للحكومة منطلقةً من واقعنا الجيوسياسي والجيواجتماعي. هنا تأتي أهمية ورشات العمل للمتخصصين الأكاديميين والسياسيين التنفيذيين والتشريعيين والدبلوماسيين والاقتصاديين والتي لا يمكن ان تنجح من دون انفتاح ورعاية الحكومة ومؤسساتها على كل هذه القطاعات المجتمعية منطلقةً من قناعة عدم مقدرتها لوحدها على إنجاز هكذا مشروع ضخم. غير ناسين أهمية تقوية دور وزارة الخارجية والسفارات بكوادر وامكانيات تناسب سمو الهدف وصعوبة المهمة، مؤملين عليها تشخيص سبل التأثير في المجتمعات والحكومات الاخرى.

وهنا ايضا ارى من الضروري ان نفكر في نطاق واسع ونسبق الأحداث ولنفكر في إيجاد طرق تفعيل دبلوماسيتنا مثلا عن طريق آلية المبعوث الخاص او اقامة المؤتمرات الدولية بالشراكة مع معاهد بحث معروفة في ساحات عمل اخرى او تفعيل اليات التجمع (اللوبيات) في واشنطن الخ علما ان هكذا آليات هي ليس ببدعة وان كانت خارج المألوف العراقي ورتابة روتينها ومناهج عملها. كما لم يمكن ان ننجح في رسم سياسات خارجية من دون وضع خطط خمسية وعشرية وعشرينية لبناء مرافق والبنى التحتية للبلاد. التخطيط والإدارة معتمدةً على إرادة عراقية صلبة هي حجر أساسي لتعافي الجسم والعقل العراقي المنهك بالعنف والفساد وتخبط الدولة وضعف ادارتها للتغيير المنشود في الدستور. لا نستطيع ان نستقر كبلد وسط غابة الجيوسياسية العالمية الا بوضوح علاقاتنا الخارجية وتوفير مستلزماتها الستراتيجية مع وضوح الفوائد التي لنا والضرائب التي علينا تحملها إذ عالم السياسة الخارجي ما هي الا غابة لها قواعدها وشروط تعايشها ونظم تبادل منافعها ومخاطرها.


لقمان عبد الرحيم الفيلي



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google