المسألة السورية وتركيا
المسألة السورية وتركيا


بقلم: صادق الزهاوي - 14-02-2017
(( لقد وضعت العوامل التاريخية الموجودة في البنية الدفاعية تركيا أمام ضرورة تلزمها بتطوير إستراتيجية دفاعية ، تذهب الى أبعد من مجرد الحدود الدولية الموجودة على الواقع . فلا يمكن لتركيا الدولة التي ظهرت على الأرضية التاريخية والجيوسياسية للدولة العثمانية ، والتي كان لها نصيب الأسد من ميراثها ، أن تقصر مجال تخطيطها أو تفكيرها الدفاعي داخل حدودها القانونية فحسب . ويفرض هذا الأرث التاريخي الذي تمتلكه تركيا عليها ضرورة التدخل في أي وقت في قضايا متعددة خارج حدودها . )) العمق الإستراتيجي / موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية ــــ الدكتور أحمد داود أوغلو .
الساسة عندما لا يتحلون بالحكمة ، هم من يقودون بلدانهم الى الهزيمة ، ويحولون شعوبهم الى دافعي ضرائب لحماقاتهم التي أرتكبوها . ويذكر الدكتور سيار الجميل ـــ في بحثه العرب والأتراك الأنبعاث والتحديث من العثمنة الى العلمنة (( أن دولة تركيا المعاصرة قد ورثت أجهزة وأشكالا وأساليب وأفكارا وبقايا ... وكان لابد عليها من أن تعالج بنفسها ما خلفته الدولة القديمة من موروثات ستؤثردون شك في الحياة الجديدة التي يراد لها أن تبدأ ، إذ لا تفتقر تلك البقايا على عناصر أفرزتها تجربة التنظيمات خلال القرن التاسع عشر ، بل يدرج كذلك ما خلفه النظام العثماني في المجتمع ، وما ترشح عن الماضي العثماني من أساليب بيروقراطية ، ومظاهر تتعلق بموضوع علاقة الفرد بالدولة القديمة . )) . أضافة الى ،أن أستنتاج المفكر حسن العلوي ، حول النظام الحاكم للعقلية العثمانية حينها ، ما زال قارا في العقلية العثمانية الجديدة ، الوارث الشرعي لها بكل مفاصلها ، والتي قال فيها العلوي :: (( أمام مشكلات بسيطة أو معقدة تواجه الدولة ،لم تستطع نظرية السلطة التركية ، أن تسعف القائد السياسي " سلطان ، وزير ، والي " بمقترحات أو حلول لمعالجة أي منها بما ينسجم وطبيعة المشكلة ولم تقدم هذه النظرية أفكارا لمناقشة مسائل أساسية ، كالتعدد القومي ، والتعدد المذهبي ، والمطالب الاجتماعية للسكان . ولكن حلا دائما وحيدا يتقدم بإستمرار الى غرفة القيادة محمولا على كتف جندي أو رجل جندرمة ، فلم يكن غير إستخدام القوة قريبا الى العقل السياسي . )) تلك العقلية وذلك الحل الذي يبدو أنه لم يغب ، ولم يبله الزمن بل غدت ، أحدى ثوابت العقلية السياسية ، والعقل الجمعي لقطاعات كثيرة من الترك . والتي يبدو أنها أستمدت من العلاقة التي يصفها الدكتور طارق عبد الجليل ــ في بحثه العسكر والدستور في تركيا : (( ... عقيدة الضابط العثماني أن الجيش هو الأب الشرعي للدستور . وورث الضابط الجمهوري عقيدة الضابط العثماني ، أذ العسكر هم من أسسو تركيا الحديثة ونظامها الجمهوري ، وهم كذلك من وضعوا دساتيرها الى الآن بداية من دستور 1924 ثم دستور 1961 وانتهاء بالدستور الحالي الحالي 1982 م . )) الى أن غدت عبارة ( الجيش حارس الدستور ) ، أعجوبة العجائب في عالم الدساتير الديمقراطية، والتي فصلت وفقا للمقاسات الأتاتوركية . ومن ثم فلقد كانت لتجربةالعلمانية الصلبة ، وعوامل الحداثة والتحديث في كل مناحي الحياة الذي رفعت شعاره الكمالية في تركيا المعاصرة ، الأثر الفاعل والحاسم في أنهاء حكم السلطنة ، والتغيير الكبير الذي حصل في المجتمع بما أدى الى جنوح كامل نحو تغريب لكل مظاهر الحياة . وتركيا المعاصرة مرت بأحداث وتطورات كان للعوامل الخارجية ، والتي تفاعلت مع العوامل الداخلية ، والتي كان أهمها العلمنة على الطريقة الكمالية – التي يقول عنها المفكر الكبير محمد آركون (( هكذا تلاحظون أن تجربة أتاتورك قد ذهبت بعيدا في جرأتها . لكنها لم تكن في الواقع إلا كاريكاتيرا للعلمنة رافقته بعض التطرفات كما حدث ذلك في فرنسا سابقا . لكن الشعب التركي لم يستجب لهذه التجربة التي دوخته ، مما يفسر العودة الدينية العنيفة بدأ من العام 1940 م )) أن بروز الإسلام السياسي ، والتي يصفها الباحث في الشأن التركي أرغون ييلدرم في بحثه " السياقات المعرفية والآيديولوجية لظهور الإسلام السياسي وتطوراته في تركيا " معالجا العوامل المنتجة للحداثة في تركيا المعاصرة ، ومحددا شروطها الاقتصادية والسياسية والثقافية التي أدت الى تكريس "" الأنموذج الكمالي "". ويحدد الباحث ولوج حركات الإسلام السياسي للمشهد السياسي ، " بالنتائج الأغترابية للمجتمع والوعي الجمعي " والذي كان من أفرازات الحداثة السريعة أو المقحمة ، فتصدت الرؤية الإسلامية للمشهد المأزوم هذا ، بطرح نفسها كصاحبة الحل لإشكالية الأغتراب وعلى ذلك قام ونتج الفكر الوطني تركيا . والخلاصة أن الأوضاع والأسباب السياسية والإجتماعية التي ساهمت في بروز الإسلام السياسي هي (( أولها :: الأزمة التي شهدتها الحداثة ، وثانيها : الفراغات الأيديولوجية الناجمة عن اأيديولوجيات الحرب الباردة ونهاياتها ، وثالثها : ردات الفعل المتصاعدة ضد ممارسات العلمنة الصلبة ومحاولة إقحامها في المجال السياسي من جديد ، وأخيرا تشكل الطبقة الوسطى والتمدن في تركيا الجديدة . )) تلك كانت الأسباب والعوامل التي أدت الى بروزالإسلام السياسي ، والذي يبدو أن العقلية السياسية التركية ، قد ألبسته الثوب العثماني بكل ما تعني كلمة الوراثة من معنى ومبنى . والسؤال الأهم والذي يطرح نفسه ما الذي يغري بلد مثل تركيا للدخول في مغامرة مع شعب يصفه رئيسه شكري القوتلي (( يوم وقع "جمال عبد الناصر " مع " شكري القوتلي " ( رئيس جمهورية سوريا ) إتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا ( فبراير 1958 ) فإن أقلام التوقيع لم تكد تفلت من أصابع الذين وقعوا حتى صاح " شكري القوتلي " قائلا " لجمال عبد الناصر" :: الآن وقد وقعت ( إتفاقية الوحدة ) ، اريدك أن تعرف ماذا تسلمت ؟ تسلمت شعبا نصفه من الساسة المحترفين ... وربعه من القادة والزعماء . وترتفع نبرة صوت " شكري القوتلي " ويضيف : : " والربع الباقي ـــ لعلمك رسل وأنبياء . " ))أننا نرى أنه يجب علينا البحث في الوقائع وعلى الأرض ، لا أن نجنح الى الخيال أو الإستسلام لنظرية المؤامرة , فبكل تأكيد عقلية ، ومحددات الرؤى السياسية لأي نظام أو حزب أو تيار سياسي هو ما يفسر ما يقوم به ممارسة . عليه نحن نرى أن العامل الأول والأهم هو المنظومة الفكرية التي تحكم عقلية ورؤى الحكام الترك ، والتي نرى انها محددة بعامل نسميه القصور التاريخي ، بأختزال تاريخ الشعب التركي الى الفترة العثمانية فقط ، هي التي كانت وراء ذلك وهي التي أورثت تلك الخصوصيات لتيار الإسلام السياسي في تركيا ، فعقدة القصور كانت وراء ، طروحات الراحل أوزال والتي اكملها بشكل برنامج ذا رؤى ستراتيجية أحمد داود اوغلو . تلك الرؤية التي غاب عنها أنها تسعى لميراث سلطنة :: (( منعت ........على المجتمع العربي ، العرب والمجتمع الإسلامي من التطور ، بل قضت على الحياة التي كانت موجودة في ذلك المجتمع ايضا ، وهذا ما وصفه طه حسن وآخرون بــ "" الفترات المظلمة "" أو ما وصفه مجيد خدوري "" بالعهود المسكونية "" ، ووصفناه نحن بــ "" الأزمنة السكونية "" إعتمادا على توصيف أرنولد توينبي في تصنيفه العثمانيين ضمن "" حضارة متوقفة النمو "" .)) الدكتور سيار الجميل ــ العثمنة الجديدة . ثانيا :: ونتيجة لصفات العثمنة الجديدة ، ولكن برؤية وطروحات أسلامية وجد تيار الإسلام السياسي ظالته في تيار الأخوان المسلمين وللدوافع أدناه ، أن التجربة الفكرية لفترة السلطنة العثمانية لم تنتج أية مدرسة فكرية أو أجتهادات خارجة عن ما أتى به أصحاب المذاهب من قبل . أضافة الى أن الأخوان بطروحاتهم كانوا يمجدون الفترة العثمانية بأعتبارها أمتداد للحكم الإسلامي الرشيد ، أن لم يكن الخلافة . عالمية حركة تنظيم الأخوان كان عاملا مهما لما يروم القيام به الإسلام السياسي التركي ، بالسعي لقيادته مستندا لعوامل عديدة ، أهمها وزن تركيا النوعي كدولة في المنطقة ، أضافة لوزنها الأقتصادي الذي بدا متناميا ومنذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي . تلك الزعامة التي سعت وتسعى لها تركيا هي تفسر العلاقة الوطيدة والقوية لها كمنظومة سياسية مع تيار الأخوان المسلمين في سوريا . ثانيها : أن تركيا القلقة بحكم أشكالية تكوينها كدولة معاصرة قامت على السعي الى أتباع سياسة الصهر القومي لباقي القوميات المكونة لما عرف بعد تكوين الدولة المعاصرة بالشعب التركي ، وقامت ممارسة السلطة فيها على قمع وحتى إنكار وجود غير الترك . ومصدر القلق الآخر جاء نابعا من سعي تركيا للأنضمام الى السوق الأوربية والى منظومتها وتعارض ذلك مع حيثيات العقل السياسي التركي عموما ، اضافة المعارضة الأوربية لذلك . مما ساهم في ايجاد تيار دافع نحو العلاقة مع الشرق الإسلامي بالذات والتركي بشكل أخص ، خاصة في ظل الظروف التي نتجت بعد أنتهاء الحرب الباردة وأنهيار المنظومة الأشتراكية بقيادة الأتحاد السوفييتي . ثالثا :: أن تنامي الأقتصاد التركي والذي غدا بحاجة الى أسواق خارجية ، لا يسود فيها المنتوج الوطني تداولا . وقرب الأسواق المحلية للمشرق ومنطقة الخليج العربي مع توفر المال اللازم لدفع ثمن المستورد ، أو الحصول مع ضمان مصدر مستقر للطاقة من النفط والغاز ، والذي غدا عاملا محددا أمام نمو وأستقرار الأقتصاد بكل قطاعاته . كل تلك العوامل الموضوعية ومحددات العقلية السياسية التركية ، نرى أنها أنتجت نهجا لديها يسعى الى الأمتداد والتواجد بفعالية في ساحة الشرق خاصة بعدا ، أن وجود ولاية الفقيه في أيران وبروز تيار التشيع السياسي على الساحة . وفي مناطق تقع في حدود البعد الحيوي للدولة التركية ، في نطاقها العثماني الجديد كما طرحها أوغلو . لذا كانت سوريا المحطة الأهم والأكبر للأسباب التالية لدفع تركيا الدولة والنظام السياسي بالتدخل في الشأن السوري ، لابل وكما اثبتت الأحداث الأخيرة لما عرف بمؤتمر الإستانة مدى سطوة القرار التركي على ما سمي بالمعارضة السورية . فما هي ميزات الساحة السورية ؟؟ !! وذلك لتسعى تركيا الى التدخل فيها . أولا :: الحدود المشتركة ، والجوار الجغرافي مما يجعل التدخل التركي فعالا وفاعلا . ثانيا :: تيار الأخوان المسلمين والذي تسعى تركيا لزعامته ، أحد أهم واقوى فصائل الإسلام السياسي في سوريا وهذا القرب الفكري والعقائدي يعطي تركيا قدرة المناورة والتأثير في القرار السوري . ثالثا :: رغم الفكر والطرح القومي للبعث السوري ، وجنوحه في الكثير من تاريخه السياسي في السلطة نحو ممارسة قريبة للعلمانية ، ألا أن تمذهب أجهزة السلطة وبالذات العسكرية متمثلة في سرايا الدفاع ، دفع بالبعد الطائفي في الصراع الى حده الأقصى . رابعا :: تواجد القوى الكوردية في الساحة السورية والتي أثبتت مدى قدرتها وهمتها في مواجهة النظام في الأحداث التي مهدت للأنتفاضة على صعيد سوريا كلها . ذلك كان لابد له من أن يجعل عامل التدخل التركي فعالا ، لا بل وكما أثبتت الوقائع تمت بشكل مدروس ووفقا لتهج سعى لأيجاد منظمات إرهابية على أمل أن تضم لتلك القائمة قوى الثورة الكوردية المعاصرة سواء في كوردستان تركيا أو سوريا . وهذا ما تثبته الأيام يوما بعد آخر . الى أن غدا حقيقة واقعة يعلمها الجميع . أما عن ما هي الدوافع وراء تدخل تركيا فهي كما نرى وبأيجاز أولا :: الكل يعلم الندية التاريخية بين تركيا الوريث الشرعي للعثمانية السلطنة ، وبين إيران اليوم والتي يحكمها ولاية الفقيه ، والتي تنعت بالصفوية ، وأيران اليوم لها دور فاعل في ساحة المواجهة مع إسرائيل ، سواء ما كان لها من علاقة وثقى مع حزب الله في لبنان أم النظام في سوريا ، بل حتى مع منظمات مثل حماس فالدور القيادي للعالم السني ــــ الإسلامي يوجب على تركيا ان يكون لها نصيبا هاما في ذلك الصراع والحل أيضا وذلك لايمكن له أن يحدث ألا من خلال الأخوان المسلمين كبديل للبعث السوري . وسوريا هي البلد الوحيد الجار لتركيا له حدود مواجهة مع اسرائيل . ثانيا :: أحدى أهم عقد الصلح بين أسرائيل وسوريا كانت هو التفاهم على منطقة الحمية ومياه منطقة الجولان وجبل الشيخ ، والتي هي موضع نزاع لايمكن حله ألا بأن تعوض تركيا سوريا بكمياة من مياه الفرات . أي أن تركيا لو كان الحاكم في دمشق من معسكرها لملكت الباب والمفتاح لحل أكثر المعضلات تعقيدا في مسائل الصلح مع أسرائيل . ثالثا : لضمان تركيا القضاء على كل ما يمت لحقوق الكورد في غرب كوردستان , لابد لها من أن يكون الأخوان المسلمون هم الحكام في دمشق . رابعا : ستكون هي صاحبة الكلمة الفصل بالتعاون مع حلفائها في دمشق ونعني تركيا في موضوع خط أنابيب الغاز القطري والنفط السعودي لكي يصل الى موانىء الأبيض المتوسط وأروربا . خامسا : سيكون لها تأثير فعال في ميزان القوى عراقيا من خلال تأثيرها في الوسط السني عموما عربيا بشكل خاص ، ومن خلال موضوع المياه الذي لم يعد سرا مخفيا على كل الأطراف . سادسا : لو كتب لهذا المخطط وبالشكل الذي عرضناه سيكون لتركيا مجالا حيويا سياسيا يصل الى أبواب الخليج العربي ويحل لها عقدة النفط والغاز اي مسألة الطاقة عموما أضافة الى سوق واعدة في حاجة الى كل منتوج . ولكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر وذلك (( أن العثمنة الجديدة عبارة عن محاولة مؤدلجة تستعيد مرجعية تاريخية ، وهي لا يمكن أن تكون مصدرا حقيقيا للقرن الحادي والعشرين ، علما بأن إستعادتها تمثل إستعادة للمشكلات التاريخية التي خفتت منذ أكثر من مئة عام ، مشكلات تتعلق بالحدود والأقليات ومشكلات دينية وطائفية وبحرية وبرية واقتصادية وثقافية ..... ومن السذاجة أن تغدو الحالة ( صفر مشكلات ) بمثل هذه السرعة . )) الدكتور سيار الجميل ـــ العثمنة الجديدة



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google