تظاهرات وتداعيات الحال ..بالأمثال !!
تظاهرات وتداعيات الحال ..بالأمثال !!


بقلم: احمد الحاج - 15-02-2017
ذات يوم خرجت تظاهرة سلمية صغيرة في العاصمة البريطانية ، لندن ، جل متظاهريها من أصحاب البشرة السمراء ومن ذوي الاجساد النحيلة والقامات القصيرة - خمنت انهم من ارتيريا ، الصومال ، جيبوتي - فأصطففت معهم ظنا مني بأنهم يطالبون الجارة المشاغبة والاستعمارية ، " اثيوبيا " بالكف عن إستفزازاتها و اعتداءاتها وغزواتها لأراضيهم بين الحين واﻵخر بذريعة انها ﻻتمتلك نافذة بحرية او انهم تابعون لامبراطوريتها القديمة - الحبشة - وسرت معهم مثل - الاطرش بالزفة - الصف الاول كان يهتف " انيو انيو أنيو" ، وكنت أكرر معهم " أنيو انيو انيوووو ..الواد طالع لأبووو " ، وبعد مسافة تقرب من الكيلومتر تقريبا اكتشفت ان القضية ﻻعلاقة لها البتة ، ﻻ بـ " الاستحمار الاثيوبي " وﻻ بـ" الصحن العربي" المسمى وطنا و الذي تداعت عليه الامم من كل حدب وصوب كما تداعى الاكلة على قصعتها طمعا بثرواته وخيراته ، انما هي قضية داخلية تتعلق بتسريح عمال في احد المصانع المحلية، قلت " ياداخل بين البصلة وقشرتها ..ماينوبك اﻻ ريحتها " ، أنسحبت بهدوء ، ومازلت اردد مجاملة ولكن بحدة وهمة أقل " أنيو أنيو انيووو ، سيبوا العراق بحاله سيبووووه !!" وعلى بعد أمتار - وفي حديقة - الهايد بارك تحديدا - كانت الخطب العصماء تنهال يمينا وشمالا ، خطب للفلسطينيين واخرى للاسرائيليين ، يناقض خطاب كل منهما اﻻخر ، الاول يطالب بأسترداد الأرض التي سلبها الصهاينة قسرا بمؤامرة دولية عظمى والناس تصفق ، بينما كان الثاني يطالب ببناء مزيد من المستعمرات - المستوطنات - بمؤامرة جديدة والناس تصفق ايضا ، فيما كان احد الخطباء في الجهة المقابلة يرتدي بزة عسكرية من الحرب العالمية الاولى ويعتمر قبعة خاكي ، يفطن على حصرم باشا وحفر الخندق " يخطب في واد آخر تماما " وووعرب وين طنبورة وين ؟ " .
ومنذ ذلك الحين أدركت في قرارة نفسي بأن المشاركة في أية وقفة إحتجاجية أوتظاهرة جماهرية او إعتصام شعبي ، او عصيان مدني سلمي يتطلب امورا عدة اهمها من وجهة نظري بعد السلمية المطلقة والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة هو - الزمكان - فهما من الاهمية بمكان مايذهل عنه معظم المحتجين " إذ ان تخرج في 14 تموز مثلا - فهذا يعني عراقيا بأنك ضد الحكم الملكي، مؤيد للنظام الجمهوري وتريد ان تشحذ الذاكرة وتبعث برسائل مبطنة بأن من اسقطوا الاولى قادرون على تغيير الثانية "، ان تخرج في 8 شباط فهذا يعني عراقيا " انك ضد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والشيوعيين، تتعاطف مع من انقلبوا عليه من البعثيين والقوميين " ، ان تخرج في 20 نيسان فهذا يعني انك " ضد الغزو الاميركي للعراق " ، ان تخرج في 10 محرم له مدلول تأريخي ، ان تخرج بعد أقالة وزير او محافظ او نائب تابع لأحدى الكتل السياسية وليس قبلها فأعلم بأنك تتحرك للضغط لأعادة المقال او تنصيب من ينوب عنه ﻻ لتغيير الحال ، أن تتظاهر بعيد تنصيب وزير لكتلة سياسية مناوئة فأعلم بأنك او من يقودك ممتعض ﻷن حلمك أو حلمه بتوزير من يمثلكما ووتسنم حقيبته طاااار وباﻷخص اذا كان المنصب سياديا او - لفطيا - ، وقس على ذلك ، فأذا ما فاتك إرتباط التوقيت بحدث مهم سياسيا وعسكريا وتأريخيا وجل من ﻻيسهو ، فطبق المثل القائل " يا إبن عمي مالك شي ..اخذ عباتك وأمشي " القضية مسيسة ﻻعلاقة لها ﻻ بالتغيير ولا بالاصلاح !! وو " ياجاري أنت بدارك وأنا بداري " .
المكان بدوره له اهمية ﻻتقل عن الزمان فأن تظاهرت انطلاقا من تمثال السياب في البصرة او تمثال الحبوبي في ذي قار او تمثال المتنبي في بغداد يختلف مدلولا عن الخروج بتظاهرة من احد الجوامع الكبرى ..اذ ان الاولى مدنية يسارية ، فيما الثانية اسلامية بمسحة وطنية وربما مذهبية بحسب الشعارات والرايات المرفوعة فيها !!
الشخوص والشعارات والرايات لها اهمية كبرى ، فكل راية ترفع لها رمز يدمغ التظاهرة بها وبخلفيتها وان تنصل منظموها عنها بعد او اثناء التظاهرة ، وكذلك الشعارات والهتافات والصور ..اما الشخوص فبأختصار ان كان لهم من يمثلهم داخل السلطات الثلاث ، التشريعية والقضائية والتنفيذية وبقوة من دون ان تعزلهم او تنحيهم او تطالبهم بتقديم استقالات جماعية وبالاخص اولئك المتهمين منهم بالفساد فالخروج هنا - غايته سياسية بحتة وليست اصلاحية - إذ كيف تتظاهر السلطات الثلاث ضد السلطات الثلاث ؟ يعني" لو طبل وزمارة ، لو حبل وكنارة " المفترض ان المعارضة السياسية التي ﻻتمثيل لها او الاغلبية الصامتة والشرائح المهمشة والمتضررة هي من تتظاهر - سلميا - للمطالبة بحقوقها المهضومة والحد من الفساد وتوفير الخدمات على وفق القانون والدستور ﻻ غيرهم !!
ان تأتيك أوامر الخروج بتظاهرة هكذا فجأة بين عشية وضحاها ومن ثم يأتيك امر الانسحاب منها فجأة من دون ان تفهم لماذا خرجت أصلا ولماذا انسحبت حتى من دون ان تحقق مطلبا واحدا من مطالبك وبالأخص اذا ماتكرر الامر مرارا فأعلم ان صفقات تعقد من خلف الكواليس وانت ومطالبك المشروعة مجرد نفر بيس " لو سلمت من السبع لن تسلم من الذيب " .
ان تختزل مطالبك او تعلي سقفها او تغيرها بين تظاهرة وأخرى مع وحدة القيادة امر بحاجة الى إدراك وتساؤل واعادة نظر " هل تم نسيانها ، تجاوزها ، اهمالها ، اغفالها ،تبديلها أم ماذا تحديدا ؟ ..إسأل ، إصدح ، اصدع بالحق وشعارك " وين الوعد وين ، شنو ، اواعدك بالوعد وأسكيك ياكمون ؟ " هل استجيبت دعواتك السابقة - شلع قلع - لتتجاوزها وتتخطاها الى أخرى ؟ مالذي جنيته من استبدال اشخاص بآخرين على طول الخط سواء بالتظاهرات ام بالانتخابات ؟ مالذي ربحته من الدعوة الى التكنوقراط ان كانوا فعلا تكنوقراط ، لتطالب بتغيير مفوضية وقانون الانتخابات " مع ان المستبدلين بغيرهم سابقا ولاحقا يصدق فيهم المثل القائل " عصفور كفل زرزور واثنينهم طيارة " .
ان تقتحم المناطق شديدة التحصين في تظاهرات سابقة من دون اعتراض او مواجهة ما أثار استغراب القاصي والداني في الداخل والخارج ، ثم تواجه بعنف بمجرد عبور القنطرة الاولى يعني ان زاوية النظر قد تغيرت تجاهك وتجاه ماتنادي به - حاليا - وبالاخص ان تغيرات اقليمية ودولية كبيرة وخطيرة قد طرأت ، ان تستدرك بأن مطالبك وبوصلتك قد تبدلت واصبحت سياسية مطلقة بعد ان كانت اقتصادية وخدمية وامنية ووظيفية وانسانية وقضائية ووطنية ، اتهام المقابل لك بوجود مندسين في صفوفك يحملون الاسلحة السوداء والبيضاء فيما تتهمه انت بوجود مندسين في صفوفه ما اسفر عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح من كلا الجانبين " وعلى هالرنة طحينك ناعم " اعقبتها سقوط صواريخ مجهولة الهوية اطلقت من شرق بغداد لتسقط وسطها ، داخل الخضراء يعني ان هناك طرفا ثالثا " مثل واوي الدجاج ينام وذيله بالقفص ، ليله مهنا وكفه محنا " يريد اشعال الأوضاع تماما او اخماد التظاهرات نهائيا .
بأختصار ﻻتصير مثل " الهر من كثر مايحب ولده ياكلهم " وتره " الحجارة اللي ماتعجبك تفشخك " وأول اختبار للداعين اليك بالتظاهر ان تطبق بحقهم " اللي يحب عيشتنا ويزعم محبتنا ياكل جريشتنا وينام على حصيرتنا ويسكن بخيمتنا وﻻ يفرق وحدتنا ، وﻻيستغل خيبتنا وﻻ يتاجر بقضيتنا وﻻيسرق خبزتنا ، وﻻ يزيد مأساتنا وان يحقق مطالبنا ويحترم خياراتنا ويبين لنا صراحة وعلانية ..لماذا الكر والفر بين شهر وشهر ؟ "حتى اصبح شعارنا " الشهر اللي ما الك بي تظاهرة كالراتب ..ﻻتحسبه وﻻتعد أيامه" . اودعناكم اغاتي



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google