عواصم الثقافة اهملت اريافها ! *
عواصم الثقافة اهملت اريافها ! *


بقلم: د. رضا العطار - 15-02-2017


لنبدأ بتفكيف هذه العقدة. سواء كانت عند المشارقة. حقيقة واقعة. او كانت عند المغاربة تصورا ذهنيا ونفسيا. او كانت خيوطها متشابكة متداخلة عنا وهناك.
وفي تصوري ان العالم العربي مشرقا ومغربا قد عاش حقبة من الزمن بمثابة ريف ثقافي لا توجد به إلا عاصمتان ثقافيتان هما القاهرة وبيروت، تتبعهما اخريان هما بغداد ودمشق. وحتى ادباء هاتين المدينتين ما كان متيسرا لهم نيل الشهرة الكاملة في العالم العربي والحصول على الاعتراف الثقافي الاكيد إلا بعد وصولهم واستقرلرهم في القاهرة او بيروت.
فعلى سبيل المثال لو ان الشاعرين العراقيين الزهاوي والرصافي قد عاشا في ذلك الوقت بصفة دائمة في القاهرة او بيروت لكانت لهما شهرة اعظم مما تيسر لهما. فالاثنان لا يقلان شاعرية عن حافظ ابراهيم إن لم يتجاوزاه عمقا وقوة لكن حافظا وجد في اضواء القاهرة معينا كبيرا لشاعريته على امتداد العالم العربي. ودخلت اشعاره حتى في الكتب المدرسية المقررة للمرحلة الابتدائية . . في حين لم نسمع بعد بالزهاوي او الرصافي، الاقرب مسافة جغرافية الينا، لان الصحف المصرية كانت منتشرة في العالم العربي ومنها بغداد في العراق. وهذا ما استفاد منه جبران وميخائيل نعيمة والريحاني عن طريف المجلات والصحف اللبنانية والكتب اللبنانية القادمة من بيروت الى بلاد عربية عدة، فدخل ادبهم قبل ادب زملائهم العرب الاخرين، في وعي الاجيال العربية الجديدة واصبحوا ترثا ادبيا مؤسسا وثابتا بسبب هذا السبق في الايصال، وان كان ذلك لا يقل بطبيعة الحال من القيمة الذاتية لادبهم، لكنها قيمة ما كانت ستظهر وتعرف لو لم تكن بيروت قادرة على النشر والتأثير، والدليل على ذلك ان اخوانهم الشعراء المهجرين السوريين، من الداخل السوري، لم تتيسر لهم الشهرة ذاتها رغم مشاركتهم لهم في حركة ادبية واحدة، هي الحركة الرومانسية السورية اللبنانية من مقيمة ومهاجرة.

ولا اظننا مبالغين اذا افترضنا ان الشاعر الشهير نزار قباني ما كانت له ان تتحقق له هذه الشهرة الذائعة الواسعة في العالم العربي من مشرق ومغرب لو لم يغادر حيه الدمشقي ويأتي الى بيروت، ويقيم بها ويفتح دار نشر تحمل اسمه فيها، ويتواصل من خلالها ومن خلال صحفها ودورها وجسورها. مع مشرق ومغرب، ومرة اخرى هذا لا يققل على الاطلاق من شاعرية نزار في حد ذاته. لكن شعر نزار مع اجواء بيروت ونكهتها المتميزة، تحول الى سحر كيمياوي وتفاعلات كيمياوية شعورية على امتداد المختبر العربي الجماهيري بحيث لو استبعدنا بيروت من معادلة نزار الكيمياوية لكان الحاصل على الارجح شيئا مختلفا ومغايرا الى حد كبير.
* مقتبس بتصرف من كتاب تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها لمحمد جابر الانصاري





Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google