39 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 3/8
39 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 3/8


بقلم: ضياء الشكرجي - 16-02-2017
[email protected]

هذه هي الحلقة التاسعة والثلاثون من مختارات من مقالات كتبي الخمسة في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة»، حيث تخصص ثمان حلقات لنشر مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم، عام 2013، لكن ليس كمناقشة، وإنما كموضوع مستقل، وهي تناقش أفكار المناظر المسلم آنذاك كنموذج لهذا النوع من المحاججة عند المسلمين، دون التعميم.

عندما يعبر مؤمن لاديني عن إيمانه بالله وعن ثقته بأنه به لن يضيع، حتى لو تبين أن عقيدته التي أوصله إليها عقله على خطأ، يأتي الرد من بعض الدينيين، بأنه بتضييع دينه قد أضاع إلهه، وبالتالي يكون قد أضاع نفسه، فكأننا حسب هؤلاء، إما أن نؤمن بالله الذي يقدم لنا الدين صورته، وإما نكون قد أضعناه، فأضعنا أنفسنا وكنا من الخاسرين. وهنا ألا يحق لنا أن نطرح السؤال: لماذا لا يكون الدينيون هم الذين أضاعوا إلههم، لأنهم سجنوا الله في زنزانة الدين، وصاغوه على مقاسات الدين، ونزعوا عنه لصالح الدين الكثير من عناصر الحكمة والجمال والجلال والعدل والرحمة، وبدلا من أن يُعبِّدوا الناس له، عبّدوهم وعبّدوا أنفسهم من حيث لا يشعرون للدين، بل عبّدوا الله نفسه – طبعا أيضا من حيث لا يشعرون - للدين، فأصبح الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا عبدا للدين ومسخَّرا لخدمته، ألم يكونوا بذلك قد أضاعوا الله، لكني لا أقول أنهم بالضرورة أضاعوا أنفسهم. إن مثل هؤلاء ينتهون إلى نتيجة، لا نعلم بأي منطق انتهوا إليها، إلى أن من لا يؤمن بالله الديني، ولا يعبد الله وفق تشريعات الدين، يكون بالضرورة – كما يعبرون – متبعا للهوى والشيطان والشهوات، فيقضي حياته يزني ويفسق ويرتكب كل الموبقات، ويكتفي بأن يقنع نفسه بأن ضميره سيوبخه في اللحظة المناسبة، وسيرضى الله عنه. ودائما ما يحبون أن يستشهدوا بنصوص قرآنية، على سبيل المثال: «وَالَّذينَ كَفَروا يَتَمَتَّعونَ وَيَأكُلونَ كَما تَأكُلُ الأَنعامُ والنّارُ مَثوًى لَّهُم»، لا لشيء إلا لأن اللاديني قال عقلي يوصلني إلى الإيمان، وضميري يحدد لي الحسن من القبيح من الأعمال. كما يطرحون هؤلاء الحجة في وجوب اتباع الدين وتشريعاته، بأن الذي له الخلق له أيضا الأمر، فهو كما لم يخلق الإنسان عبثا، ولن يتركه عبثا، وكأن الله عندهم إما أن ينزل دينا للبشر، ويشرع لهم شريعة، وإلا فمن ينكر ذلك، كأنما يتهم الله بأنه خلق الإنسان عبثا، وكأن نفي العبثية عن الله لا يكون إلا بتنزيل قائمة طويلة من الواجبات والمحرمات، بقطع النظر كم تلتقي هذه الواجبات والمحرمات مع المنطق والحكمة والأخلاق والعدل، مستشهدين بقول القرآن «اللهُ يَعلمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ»، وكأن اللادينيين من الإلهيين لا يدركون إن الله يعلم الكثير الكثير مما لا نعلمه، لكن بالمعنى الديني المحرم لطرح السؤال والمعطل للعقل حسب فهم الكثير من الدينيين، دون تعميم. وهنا لا يشعر مثل هؤلاء بطريقة احتجاجهم كم يقعون في الكثير من المغالطات. فالضمير – صحيح - لا ينهى عن الممارسة الجنسية التي تسميها الأديان بالزنا، بينما يحرم الاغتصاب المسموح به دينيا من قبل الزوج تجاه الزوجة في الإسلام، كما يجرّم ممارسة الجنس مع البنت الصغيرة، بعكس الدين. ثم الدينيون يزنون زنا شرعيا باسم المتعة إذا كانوا شيعة، والمسيار والمسفار وجهاد النكاح إذا كانوا سنة، طبعا بلا تعميم، بل هذه حالات موجودة بكثرة. إنهم لا يدركون بأن الضمير الإنساني الذي يستنكرون اعتماده بدل تشريعات الدين، إنما ينهى عن السرقة، والكذب، والغش، والخيانة، والخداع، والتزوير، والظلم، وسلب الحقوق، وإهانة الكرامات، والاغتصاب، والعدوان. بينما المتدينون من السياسيين الإسلاميين على سبيل المثال مارسوا سرقة المال العام بغطاء شرعي، ومارسوا الكذب بمبرر شرعي، ومنهم من مارس حتى القتل برخصة شرعية، بل بوجوب شرعي، ومارسوا التزوير بإذن شرعي، وحتى ما يسمونه عندهم زنا مارسوه بتخريج شرعي. صاحب الضمير الحي، الإنسان الإنساني، ينتهي عن كل عمل سيئ، سواء كان إلهيا أو ملحدا، إلهيا دينيا أو لادينيا، دينيا متدينا أو غير متدين. نعم، الضمير لا ينهاني عن أكل لحم الخنزير، ولا يعتبر الكلب نجسا، ولا يرى المغاير دينيا (الكافر) نجسا، فيساويه مع الخنزير والكلب والميتة والبول والغائط، بل ضميري يستنكر إهانة الإنسان المنعوت دينيا بالكافر. كما إنه ينهاني عن ظلم الناس، وعن العنف، وعن الكراهة، وعن كل ما هو لاإنساني. نجد الدينيين، المسلمين بالذات وليس أحسن منهم حالا اليهود المتدينون المتعصبون، الذين يكفّرون حتى اليهودي غير المتدين، أو الذي لا يعتمد فهمهم لليهودية، تراهم يسارعون إلى التكفير الصريح أو الضمني بالتلميح، وبإيراد نص قرآني - بالنسبة للمسلمين - من قبيل: «والَّذينَ كَفَروا يَتَمَتَّعونَ وَيَأكُلونَ كَما تَأكُلُ الأَنعامُ والنّارُ مَثوًى لَّهُم»، فيجعلون الآخرين الذين لا يؤمنون بمثل ما هم يؤمنون من «الَّذينَ كَفَروا»، ويشبهونهم بـ«الأَنعام» بل هم أضل، يتمتعون ويأكلون «كَما تَأكُلُ الأَنعامُ»، وفيهم المفكرون، وفيهم أصحاب الرسالات الإنسانية، وفيهم العلماء والمبدعون، وفيهم المتألقون في إنسانيتهم وفي عقولهم، أفيستحقون هذه الشتائم، لا لشيء، إلا لأنهم آمنوا بالله، لا على النحو الذي يؤمنون هم به، بل إني لأدافع هنا عن كل «الَّذينَ كَفَروا» بالمنظور القرآني من مسيحيين، وصابئة، وإيزيديين، وزرادشتيين، ويهود، وبهائيين، وبوذيين، ولادينيين، وملحدين، ثم يرمون بنا جميعا في النار، ويجعلونها مثوى لنا، خالدين فيها أبدا. وتصحيحا لفهمهم لدور الضمير الذي يرفضونه كبديل عن توجيهات نازلة من السماء، وذلك لا كفهم نظري بحت، بل من وحي تجربتي الذاتية. ولا أذكر ذلك من قبيل الحديث النرجسي عن الذات، ولا من قبيل تزكية النفس، بل لأن التجربة الذاتية هي من نوع العلم الحضوري، والعلم الحضوري كما يعبر المناطقة يقيني، وليس ظنيا، كما هو الحال مع العلم الحصولي طبعا في مجال الممكنات. وقت كنت في شبابي ولخمسة عشر عاما ملحدا، أسست لنفسي ضابطا سلوكيا، فقلت لنفسي: لا تفرح إذا ما امتدحك الناس، بقولهم إنك إنسان طيب (بالعراقية خوش آدمي)، بل عليك أن تفعل الخير، ليس فقط بشكل عفوي وتلقائي، بسبب ميلك الفطري للخير، وأن تتجنب الفعل السيئ، ليس فقط لنفورك الفطري منه، بل أن يكون فعل الخير واجتناب السوء عندك مقصودا، ولا أعني متكلَّفا، بل بوعي وسعي. والآن ومنذ نهاية 2007 كإلهي لاديني، مثلا لو انفعلت لسبب ما، وارتفع صوتي على سبيل المثال مع زوجتي، وهو نادرا جدا جدا ما يحصل، يبقى عندها ضميري يوبخني، ويعنفني، وأشعر بالتعاسة، وباحتقار نفسي، وأعتذر، وأرضي زوجتي عني، ورغم كونها متسامحة، وتنسى الإساءة مني بسبب الانفعال الذي نادرا جدا ما يحصل، لكن تأنيب الضمير يبقى يلازمني لسنوات، بل لا أبالغ إذا قلت لعقود، كلما تذكرت تلك الساعة، دون أن أفكر بنار أو جنة. وهكذا أعنف نفسي عندما يكون لي رد فعل متشنج، أو عندما أتسرع في إساءة فهم تصرف أو قول ما لشخص ما، أو إذا ضاق صدري فيما لا ينبغي لي. ضميري هو الذي دعاني مثلا أن أرسل رسالة إلى الدائرة الرسمية المعنية في ألمانيا بالـDHL فور مباشرتي في عضوية الجمعية الوطنية عام 2005، طالبا أن يوقفوا صرف مساعداتهم لي، من أول شهر تقاضيت فيه راتبي الأول، لا كما فعل المتدينون جدا جدا، وما زال الكثير منهم حتى يومنا هذا يستلمون الرواتب والمخصصات الخيالية في بغداد، وتواصل عوائلهم استلام المساعدات في دول أورپا. وضميري وتديني كعامل مساعد آنذاك دعاني كعضو في الجمعية الوطنية أن أصرف كامل مخصصات الحماية لحمايتي، بينما كل الذين عرفتهم من المتدينين جدا، كانوا يضعون الجزء الأكبر في جيوبهم. لم يتغير سلوكي واستحضار رقابة الضمير في كل مراحل حياتي، وفي كل تحولاتي، سواء كملحد، أو كمتدين، أو كمعتمد لعقيدة التنزيه، وتبقى لي في كل مراحل تحولاتي أخطائي كأي إنسان غير معصوم، لكن يجهد نفسه أن يسلك سلوكا مستقيما.

والغريب إن مزاولي المناظرات الدينية من الدينيين، يحاولون أن يحرجوا المؤمنين اللادينيين بأسئلة عجزت الأديان كلها بلا استثناء عن إعطاء إجابات مقنعة عنها، وعندما يعطي صدفة محاورهم الإلهي اللاديني إجابات هي الأخرى غير مقنعة، فيستدلون بذلك على سقوط الفلسفة اللادينية، في الوقت الذي لا يعتبرون عجز الأديان عن الإجابة على نفس الأسئلة سقوطا ونهاية للفلسفة الدينية ولدعوى نزول الوحي الإلهي. فمثلا يطرحون السؤال العاجزين هم عن الإجابة عليه، عن سبب وجود الشر. وإذا أجاب اللاديني – ربما متأثرا في هذا المقطع بخلفيته الدينية أو بمفكر ما - بأن الخالق العظيم لم يخلق الشر ولا الظلم مطلقاً، وإنما الشر من صنع الإنسان، وليس هنالك شر، وإن الشر كما يقول البعض، أي ما نعدّه شرا، هو ليس إلا غياب الخير، كما أن الليل غياب الشمس. وطبعا مثل هذه الإجابة غير مقنعة، وقد ذهب إلى مثل هذا القول بعض علماء الكلام المسلمين، على أقل تقدير مما أعرفه من كتب العقائد التي تدرس في المدارس الدينية الشيعية المعروفة بالحوزات العلمية، فاعتبروا الشر أمرا عدميا؛ المرض عندهم مثلا هو عدم الصحة، والعمى عدم البصر. وفي رأيي إنها سفسطة غير منطقية. فالمرض تترتب عليه آثار عملية، من أوجاع، ومعاناة، وسهر، وتعطيل للنشاط، وعدم استمتاع بالطعام والجنس وما سواه، فما معنى أنه شيء عدمي، وألّا وجود للمرض، وكونه ما هو إلا انعدام للصحة؟ لا أدعي أن لي جوابا واضحا على وجود الشر والظلم والكوارث. نعم إحدى الإجابات يمكن أن تكون من خلال الجزاء، لكن حتى هذا الجواب، هو جواب ناقص، أو لنقل غير مقنع لأي شخص، وعدم القدرة على إعطاء جواب كاف شاف ومقنع للجميع، لا ينتقص عندي من حكمة الخالق وعدله، ولا يؤيد وحده صدق الدين ولا ينفيه، مع إن إجابات الدين بهذا الصدد تبقى هي الأخرى ناقصة. ثم في تصوري إن بعض الأمور لا يجب بالضرورة بلوغ المعرفة التفصيلية الدقيقة فيها، بل يكفي التصور الإجمالي والإيمان بالمبادئ والخطوط العامة لها. مع إن من أراد أن يستغرق في تفاصيلها واستدلالاته على رؤيته فيها، فله ذلك. لكن عندما يسمع الديني مثل هذا الجواب صدفة من إلهي لاديني، وهو هنا رأي ذلك الشخص وفهمه واجتهاده، لكن الديني يحسبه على كل اللادينيين، فيهتف منتشيا بالانتصار في المناظرة، بأن مثل هذا الجواب يؤسس لنهاية اللادينية كفلسفة للحياة. وهنا لا يدرك المناظر الديني إن جواب محاوره ليس إلا جوابه هو، فيعلن نسف رؤية ذلك اللاديني على وجه التحديد وتفسيره، بل تراه يسارع إلى نسف الفلسفة الإلهية اللادينية كلها. ولا أدعي إني أمتلك الجواب المقنع والنهائي، لكن أقول إن لاهوت التنزيه المعتمد من قبلي على أقل تقدير يؤمن بالجزاء كلازم عقلي للعدل الإلهي، وهذا كلازم للكمال المطلق لله، وهذا كلازم من لوازم واجب الوجود، ولكن ليس الجزاء وفق التصور الديني. وهذا يختلف عن محاولات لادينيين آخرين للإجابة على هذا السؤال، كما يختلف بكل تأكيد مع الفلسفة الدينية في التفاصيل التي يحاول منظرو ومجتهدو الأديان أن يعطوا تصورا عنها. وكون بعض اللادينيين لا يؤمنون بثمة حياة أخرى فيها جزاء، وهذا لا يمثل كما بينت رأي كل اللادينيين، نرى المناظر الديني (المسلم مثلا) يطرح تساؤله الذي يظنه إعجازيا ومفحما، بأنه مازال الله كلي القدرة كلي العلم كلي الخير، فلماذا يسمح بوجود الشر والمرض والبلاء، وهو قادر حتما طبقا لعقيدة كل من الدينيين والمؤمنين اللادينيين على إزالته؟ ثم يستنتج أنه إذا كانت اللادينية هي الحل، وإذا كان الإنسان فقط يؤمن بوجود المصمم الأعظم، ثم يموت بهذا الإيمان، وانتهت القضية، فلماذا لم يُزل الإله المصمم الأعظم هذا الشر وهذا البلاء، لماذا ترك الظالم يموت منتصرا قويا عزيزا في أهله، وترك المظلوم يموت مكلوما مقهورا غريبا عن أهله، لماذا لم يتدخل الإله كلي الخير كلي القدرة كلي العدل، ليجعل العالم أكثر أمنا وسلاما وعافية؟ وهي أسئلة مشروعة، ويطرحها محقين الملحدون واللاأدريون، بينما عقيدة التنزيه كما يرد في (التنزيهية) التي صببت فيها خلاصة عقيدتي، تقول عن الله تألقت آيات جماله: «لا يُثيبُ لِمُجَرَّدِ إيمانِهِ أَحَداً مِنَ المُؤمِنينَ، وَلا يُعَذِّبُ لِكُفرِهِ أَحَداً مِنَ الكافِرينَ، إِنَّما بِإِحسانِهِ يُثيبُ المُحسِنينَ، آمَنوا بِهِ أَو لَم يَكونوا يُؤمِنونَ، وَبعدلِهِ يَجزِي المُسيئينَ، كَفَروا بِهِ أَو كانوا مِنَ المُؤمِنينَ، وَمَنِ استَحَقَّ تَعويضاً عَمّا أَصابَهُ، أَو عَمّا فاتَهُ، فَلَن يَّجِدَ مِثلَهُ مِن مُّعَوِّضٍ؛ إِنَّهُ أَجزَلُ المُعَوِّضينَ، وَوِفقاً لجرمِ كُلٍّ يُّعاقِبُ المُجرِمينَ، وَكَذالِكَ يَفعَلُ وِفقاً لِظُلمِ كُلٍّ بِعُمومِ الظّالِمينَ، وَهُوَ في ذا وَذا أَعدَلُ العادِلينَ وَأَرحَمُ الرّاحِمينَ.». مع إني بكل صراحة وتواضع، أقول أني لم أجد بعد الجواب الذي لا يستتبعه سؤال. لكن إذا كانت الإلهية اللادينية لم تعط جوابا مقنعا على هذا السؤال، فأين أجوبة الأديان المقنعة على هذا السؤال، الذي يعتبره اللاإلهيون تعضيدا لنفيهم لوجود الإله، سواء الديني أو الفلسفي، الذي أؤمن به على نحو اليقين بسائر الأدلة العقلية، التي لا يقلل من قيمتها عدم إعطاء جواب مقنع على السؤال حول الشر، مع إني أرى جواب الجزاء بصيغته الإجمالية الفلسفية التي يتبناها لاهوت التنزيه كافيا، إلم يكن مئة بالمئة فبما يقترب من هذه النسبة.

نعم ربما يكون الديني محقا، عندما يتلقى جوابا من لاديني لا يقول بالجزاء، أنه إذا كانت اللادينية هي الحل، وكان الإله كلي القدرة كلي الخير كلي العدل قد قرر أن تكون اللادينية هي المنهج الذي يرتضيه لعباده، فمن المستحيل أن تجد في عالمه شرا ولا ضرا ولا بلاءً، وإذا كان كُل أمل الإنسان قاصرا على هذا العالم، فيستحيل أن تجد فيه ما يسوءك من الله كلي الخير والقدرة والعدل. وهنا لا يلتفت المناظر الديني في مثل هذه الحالة، إلى حقيقة ألا تلازم بين اللادينية وانتفاء الجزاء، وقد بينت اختلاف عقيدة التنزيه في هذه النقطة، فرؤية أشخاص إلهيين لادينيين لا يمكن أن تمثل كل الإلهيين اللادينيين، بل هي رؤية بعضهم. ولو أردنا أن نعمم كل رؤية دينية في فهم دين معين، حسب اجتهاد القائل بتلك الرؤية، لخرجنا بصورة من أقبح الصور للدين، وأقبح مئات المرات وأسوأ من كل اجتهاد ديني لوحده، لأننا سنجمع سيئات كل اجتهاد، ونلغي الرؤى العقلانية والإنسانية من أي اجتهاد، لنخرج بدين، كله خرافة، كله نقيض للحقائق العلمية، كله معاد للإنسان والسلام والحرية والعدل والمساواة، كله عارض لله بأقبح صورة، تعالى الله بجماله عن ذلك.

فالديني وفق هذا النموذج وبلا تعميم، يضعك أمام أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن تؤمن باليوم الآخر والحساب وفقا لمفهومه هو، وإما أن تُنكر إلهك كلي الخير كلي العدل كلي القدرة، فتقول أنا ملحد، كي يرتاح هذا النوع من الدينيين ليصدر حكمه عليك، ويحشرك في خانة الملحدين، مع إن الإلحاد ليس بالضرورة سيئا، بل هو رؤية وقناعة، علينا احترام صاحبها، طالما احترم هو أيضا رؤى غيره.

لا أدري، بل أشك عندما أطرح السؤال: هل يا ترى سيتعافى الفكر الديني من كل ما ينتقص به من جلال الله وجماله وكماله وعدله وحكمته ورحمته؟ والتي بعكسه عقيدة التنزيه تنزه الله من كل نقص، وهكذا هي بكل تأكيد العديد من الفلسفات الإلهية اللادينية حسب تقديري، مع التفاوت في التفاصيل، بينما الدين ينسب لله العديد العديد من النواقص فيما هي التفاصيل، وإن كان - خاصة الإسلام - ينزهه إجمالا فقط، وفي العناوين الكبيرة وحسب، ولكن يكفي أن يقلده – كما اليهودية – منصب القائد العام للقوات المسلحة، والتي تخوض الحروب باسمه ضد (الكفار)، وكم من كافر – حسب معاييرهم - هو أحب إلى الله من الكثير من المؤمنين، ويكفي أن يصوروا الله محقرا للمرأة، وجاعلها إنسانا بمرتبة دون الثانية، ومنحازا للرجل، كما سيأتي في بحث قرآني من كتابي الثالث في وقت لاحق.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google