التفاوض مع زمر الانقلابين
التفاوض مع زمر الانقلابين


بقلم: زكي فرحان - 17-02-2017
في خضم هذه المعارك المستعرة الدامية و المتشابكة بدون أنقطاع في عموم مناطق بغداد بين الانقلابين و القطعات العسكرية المدافعة عن وزارة الدفاع، أنتقل الزعيم عبد الكريم قاسم من الملجأ الى قاعة الشعب المجاورة لوزارة الدفاع بسبب شدة المقاومة العنيفة الشرسة التي استمرت الى يوم 9 شباط ، ولما أيقن الزعيم عبد الكريم بان الموقف العسكري الترجيحي تحول لصالح الأنقلابين وسطيرتهم على بغداد ولافائدة من المقاومة وسفك الدماء، لذلك قررالتفاوض مع الانقلابين البعثيين وجوقة زمرهم المشبوهة، بواسطة صديقه المقرب الصحفي( يونس الطائي) صاحب جريدة الثورة، وان اهم ما كان يشغل بال الزعيم عبد الكريم قاسم في تلك الساعات الحرجة و القاتلة، ما مصيرمناصريه في وزارة الدفاع، بعد ان يأس من الانتظار ومد يد العون والنجدة السريعة التي كان يتوقها من الوحدات العسكرية والقضاء على زمرة الانقلاب المشبوه ، من خلال مناشدته المستمرة المقرونة بالسياقات والتقاليد العسكرية المعروفة وتنفيذ الاوامر التي تصدر من القائد العسكري العام لتنقذ الشعب والوطن من السقوط ثانية بيد مخالب الاستعمار والرجعية ودكتاتورية دموية سوداء شديدة الفظاعة والسوء دبرتها المخابرات الامريكية و جمال عبد الناصر ، وكان الزعيم يتأمل من القطعات العسكرية التي كان يثق بها ويعتمد عليها، وقد أعدت لهذا الغرض،وحسب الخطة المرسومة لآمن بغداد مسبقا، ان تتحرك هذه القطعات فيما اذا كانت هناك موآمرة قد تحدث ضد ثورة 14 تموز المجيدة، ولقد توجس الزعيم قاسم والحالة هذه ان شرا قد يحدث لمناصريه، من العسكريين الذين أستبسلوا بشجاعة متناهية يقاتلون معه في وزارة الدفاع للثبات على الحكم الجمهوري الوطني والحفاظ على مكتسبات الشعب العراقي الوطنية التي حققتها له ثورة 14تموز المجيدة، و لقد كان الزعيم عبد الكريم يدرك جيداً بأن البعثيين الحاقدين و القوميين الموتورين وشركائهم من الرجعيين عملاء المخابرات الامريكية و شركات النفط الاستعمارية يريدونه هو دون غيره وهو المطلوب، وربما سيكون استسلامه فدية لمناصريه، اوعلى اقل تقدير يضمن لهم فيه عدم قتلهم، عزيزي القارئ الفاضل من الجدير ذكره والاشارة الى تلك البرقية التي ارسلها جمال عبد الناصر الى عبد السلام عارف رئيس الجمهورية للتهنئة ، ورد الاخيرعليها،وكانت هذه البرقية بمثابة تشفي بالزعيم فقد كان يوصفه في خطبه( قاسم العراق) واعتراف كامل بالنظام الجديد المشبوه،( ولقد بينت في الاعداد السابقة كيف استلم حزب البعث العربي الاشتراكي مبلع عشرون الف دينارا ورشاشات بورسعيد من السفارة المصرية في بغداد لإسقاط النظام السياسي الوطني واغتيال الزعيم قاسم والقضاء على تنظيم الحزب الشيوعي في العراق)،ارسل جمال عبد الناصر هذه البرقية رغم عدم أستباب الوضع نهائياً للأنقلابين، وعدم معرفة مصير الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان حياً في وزارة الدفاع، وأدناه نص البرقيتين المتبادلتين:-- السيد الرئيس عبدالسلام عارف رئيس الجمهورية العراقية،، لقد تابع شعب الجمهورية العربية المتحدة، بقلب صافي متجهاً الى الله العلي القدير،أحداث يوم ضخم كبير عاشه الشعب العراقي الباسل وحاول طواله بعزم وإيمان ان يعيد تصحيح ثورته ويجعلها حيث اراد لها ان تكون في خدمة وطنه وعروبته،وأني لأشعر ان شعب الجمهورية العربية المتحدة وصل الى نهاية هذا اليوم الحافل وهو يحمد الله من اعماقه أنه أعلىَ ارادة شعب العراق وكتب له النصر ومكن لهذا الشعب العظيم من ان يصبح سيد اقداره مرة اخرى ليكون كما هو حق له طليعة للنضال العربي وعزا للأمة العربية، وأني إذ اهنئكم بثقة المجلس الوطني لقيادة الثورة في العراق واختياركم منه لرئاسة الجمهورية العراقية، أبعث اليكم في نفس الوقت بكل أماني التوفيق،، التوقيع جمال عبد الناصر،، ورد الرئيس المعين عبد السلام عارف عليها بالبرقية الجوابية ما يلي:-- الاخ الرئيس جمال عبد الناصر المحترم – القاهرة، اشكركم اعمق الشكر على تهنئتكم لجيشنا وشعبنا بثورته الظافرة، ونقدر ونثمن مساندة وتأييد الجمهورية العربية المتحدة حكومة وشعباً لثورة العراق، ان المجلس الوطني لقيادة الثورة إذ يقدر أعظم التقدير شعوركم الاخوي وتضامنكم مع شعبنا و جيشنا، ندعو الباري عز وجل ان يوفقنا لخدمة امتنا العربية المجيدة وتحقيق اهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية،،عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية، وعلى أثر هذا التداعي الخطيرالذي تصاعد فيه قصف الطائرات المكثف على بناية الانضباط العسكري ادى الى استشهاد الزعيم عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري وبعضٍ من الضباط والجنود المقاومين، أتصل عبد الكريم قاسم بعد ان ضاقت به السبل هاتفياً بطاهر يحيى من زمرة الانقلابين الذي عين رئيس اركان الجيش حيث سيطرعلى معسكر الرشيد وقاعدة القوة الجوية صباح 8 شباط الاسود، طالبا منه التوسط والسماح له بترك العراق وتعيين المكان الذي يرغب ان يسافر اليه مع معاونيه ورجاه ان لا يقع الأذى عليهم والمحافظة على ارواحهم، وكان جواب طاهر يحيى هو- أننا غير مستعدين للتفاوض ويجب عليك الاستسلام دون قيد او شرط، وأننا نريد رأسك وهناك محكمة عادلة ستشكل لمحاكمتك، والحقيقة كما هو معروف ان طاهر يحيى التكريتي لم يجرأ على التحدث بالتلفون او مباشرة واستخدام مثل هذه التعابير السوقية مع الزعيم قاسم بالرغم من ان سلوكيته الاجتماعية وتركيبته النفسية والاخلاقية الوطيئة معروفة،كما ادعى طالب شبيب ذلك امام مجلس الثورة،لأن طاهر يحيى التكريتي كما يقول، قضى درس الكلية العسكرية تحت أمرة عبد الكريم قاسم وقضى بقية حياته المهنية كضابط تلميذاً ومريداً له وبرعايته و ضمه عضواً في منظمة الضباط الاحرار التي على رأسها الزعيم قاسم، كما اني قابلته في معسكر الرشيد في نفس اليوم ولم يؤكد اقواله هذه وحديثه مع الزعيم قاسم، بل سمح لي ان أعاتب ضباط قاسم المعتقلين عند طاهر يحيى في معسكر الرشيد، عندما قلت لهم، لماذا خنتم زعيمكم الذي أحببتوه ؟، وأنا واثق بما يكنه طاهر يحيى لعبد الكريم قاسم من احترام،أما ما قاله طاهر يحيى فيأتي في سياق الردح والتبجح بعد اسدال الستار ومقتل عبد الكريم قاسم، وكل من هؤلاء المحابين صار بطلاً شجاعاً في تلك الفوضى العارمة ، وفي مساء ذلك اليوم أجرى الزعيم قاسم العديد من المكالمات الهاتفية كان بعضها مع قادة الانقلاب، والعسكريين منهم تحديداً، بعد ان اذاعوا تشكيلة حكومتهم وعرف أسمائهم ومواقعهم الجديدة، بغية التفاوض معهم لأجل إيقاف المعركة الدائرة حول وزارة الدفاع وحقن الدماء الجارية، ومن ضمن هذه المكالمات جرت مكالمة مع عبد السلام عارف الذي عين رئيس الجمهورية حيث كان في مقر الاذاعة في الصالحية مع بقية أعضاء المجلس الوطني، وكان جواب عبد السلام عارف له عليك الاستسلام بدون قيد او شرط، وفي الساعة الثانية ليلا ارسل الزعيم عبد الكريم قاسم يونس الطائي الصديق الشخصي المقرب له، فجلبته إحدى المدرعات الى دار الاذاعة في الصالحية للتفاوض الى حيث مكان القيادة الانقلابية،، وسنقرأ جميعاً في الجزء القادم ما تمخضت عنه نتائج مفاوضات الوسيط يونس الطائي مع زمرة الانقلابين ،، قال رجل بدويٌ في و صف طفل رباه وعلمه ولما كبر وأشتد ساعده خانه، وانقلب عليه ويصفهُ (وأنت كجرو الذئب ليس بآلفِ --- أبى الذئبُ إلا يخونَ و يظلما )

........................

المصدر:-

1 - طالب شبيب، حوار الدم ص، 26

2 - الناصري اليوم الاخير لقاسم ص، 389،

3 - احمد فوزي ، تموز ، ص



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google