بمناسبة يوم المرأة العالمي اقدم : الأصل البدائي لحجاب المرأة ! *
بمناسبة يوم المرأة العالمي اقدم : الأصل البدائي لحجاب المرأة ! *


بقلم: د. رضا العطار - 07-03-2017


ظهر الحجاب في تاريخ البشر قبل اكثر من مئة الف عام، لكن لماذا وكيف نشأ، وما هي الدوافع والاصول الاولى لظهوره ؟ : ان البواعث هذه تهدينا الى مفردة، هي في غاية الخطورة والأهمية، انها كلمة - الدم - فمن لفظة الدم اشتق العرب البدائيون في العصور السحيقة لفظة الدمامة و الدميم والدميمة، بمعنى الوجه القبيح - - كان الانسان المتوحش يحصل على طعامه من الغابات التي كانت تملأ الدنيا انذاك. كان الى ذلك الوقت لا يعرف السير جماعات ولكنه كان مع ذلك يعرف العائلة، عائلة الأم فقط، التي كانت تتكون دون الأب.

كانت عائلة الانسان الهمج تشبه عائلة الحيوان في وقتنا الحاضر، حيث انها كانت تتكون من الأم واطفالها في سن الرضاع او ما يتجاوزه بقليل، ولم يكن هناك مكان للأب في هذه العائلة، لأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لم تكن تزيد عن اشباع الشهوة. وكان الاعتقاد السائد ان الام وحدها هي التي تنجب الاطفال.

ويذكر الباحث الروسي مالينوفسكي في كتابه ( الحياة الجنسية بين المتوحشين ) ان هؤلاء كانوا يعتقدون بان المرأة تحمل بعد ان يزورها طيفُ وهي نائمة فيلقي في رأسها بذرة الطفل التي تنحدر الى رحمها وتستقر وتنمو حتى يولد الجنين.

واللغة العربية تدلنا على هذا الاعتقاد. فان كلمة ( حيا ) تعني عضو التناسل في المرأة وقد اشتقت منه كلمة ( الحياة ) وذلك للأعتقاد بان اصل الحياة نشأ عن طريق الحيا عند المرأة. وعلى هذا الاساس نشأت في الهند طائفة تقدس فرج المرأة، اما الرجل فلا شأن له في ذلك واتصاله بالمرأة لا يزيد على ان يكون للذة العابرة والمتعة ليس إلا.
وبقاء الاطفال في حاجة الى الرضاع والحمل نحو سنة او اكثر، ثم حاجتهم بعد ذلك الى من يحميهم من الحيوانات الضارية. جعل بقائهم مع الام ضروريا نحو عشر سنوات بل ربما اكثر ثم حاجتهم بعد ذلك الى تعلمهم كيف يتقون شرّ الحيوانات المفترسة وكيف يتفاهمون بالكلمات القليلة التي ياخذونها عنها. وكان قوت هذه العائلة يتكون من جذور الأشجار والديدان والحشرات والثمار البرية ولم يكن لها من آلات سوى الأحجار المستدقة يستخدمونها في اعمال الحفر.

لكن هذه العائلة تغيرت بعد ذلك من عائلة الأم الى عائلة الأب حين عرف الانسان البدائي الصيد الذي كان يتطلب من الرجال ان يتعاونوا على ترصد الحيوان الذي يراد صيده بان يكمنوا له في جملة مواضع مختفين. حتى اذا ظهر هجموا عليه بما في ايديهم من آلات حجرية جارحة يمزقونه، ولكن اذا كان الحيوان ضخما قويا كالفيل او الجاموس، فأنهم كانوا يهيئون له حفرة يتردى فيها، عندها يسيطرون عليه ويقتلوه.

ولم يخرج للصيد سوى الرجال لأن المرأة كانت على الدوام حاملا او مرضعا، يتبعها الصغار. فكان الخطر عليها من الصيد كبيرا ولذلك اقتصر الصيد على الرجال الذين بتجمعهم ظهرت اولى المجتمعات الانسانية في تاريخ التطور البشري.
كانت المرأة لعجزها عن الصيد ترضى بالأستجابة الجنسية للرجل، مقابل ان يمنحها شيئا من لحم الصيد. ومن هنا نشأت سلطة الرجل على المرأة، هو يصيد ويأتي باللحم وهي تكافئه بما حصلت عليه في الغابة من جذور النباتات والحشرات والديدان والثمر. هكذا نشأ البيت ونشأت العائلة الأبوية واصبحت للزوج سلطة على زوجته اذ هو الذي يرزقها.

ما هو الصيد ؟ -- الصيد هو ان نقتل حيوانا فينزف دمه ويموت ثم نمزقه ونأكله.
ففي زمن الفراعنة كانت كلمة (قتله) مرادفة لكلمة (أكله). وظني ان الكلمتين في اللغة العربية تعودان الى اصل واحد وتقاربهما في النطق والقلب واضح. واننا متى قتلنا اكلنا ولا نستطيع ان نأكل بلا قتل اثناء الصيد.

وعصر الصيد بدأ قبل 114 الف سنة، ولم ينته الا بظهور مراحل التطور الانساني الذي بدأ بالالتقاط ثم الرعي ثم الزراعة. ولكن عصر الصيد هذا لا يزال حيا الى يومنا هذا في امم متوحشة واخرى متحضرة. وكان الصيد في هذا العصر خطوة ارتقائية اذ هو اوجد مجتمعا بين الرجال واوجد آلات للصيد كما اوجد كلمات جديدة خاصة بالصيد، فتقت الذهن وولدت ثقافة بدائية واوجد العائلة والبيت ولكنه مع ذلك كله، كان بمثابة نكبة كبرى على المرأة. ذلك انه جعل الصيد الوسيلة الوحيدة للقمة العيش. فان هذه اللقمة قد جعلت الرجل سيدا عليها، يستغلها بهذه الذريعة ولكن هذه السيادة لم تكن شيئا خطيرا، انما الخطير في هذا كله هو كلمة الدم.

لم يكن هناك صيد بلا دم اي بلا نزف، اي الموت. فكلمة الدم في عصر الصيد كانت تعني الشر والنحس بعينه. كان الانسان المتوحش ينفر من رؤية الدم او حتى سماع اسمه. اذ كان الدم شؤما ونذيرا بالهلاك. اذا رأه احد فانه يجب ان ينتظر سفك دمه وموته. ومن هنا جائت كلمات الشؤم واليمن والفأل ومن هنا ايضا ظهرت الطلاسم والتعاويذ والتمائم ثم السحر. وبهذا الأسلوب اصبحت لفظة الدم اسوأ كلمة في عصر الانسان السحيق في القدم.

ولما كانت المرأة تزورها العادة الشهرية وتنزف دما يبقى بضعة ايام ولما كانت تنزف دما اكثر وقت الولادة فانها اصبحت انسانا (نجسا) في نظر الصيادين من الرجال وعليهم ان يتجنبوها قبل الذهاب الى الصيد ببضعة ايام بل يجب الاّ يروها ابدا ناهيك عن مضاجعتها، لكيلا يتلبسوا بشؤم الدم --- ومن هنا ايضا ظهرت التعاويذ التي يرددها البدائيون لكي يتطهروا من نجاسة المرأة وهم يخرجون الى الصيد --- ولهذا السبب كانت المرأة تخفي نفسها عن الرجال حتى لا يتشائموا من رؤيتها وحتى اذا لم يكن عليها دم، اذ لا يدري الرجال بانها ملوثة بالدم الذي لا يرونه --- هذا هو سب الحجاب البدائي الحقيقي في اول ظهوره --- نشأ من نزف الدم عند المرأة.
وشبيه بهذا ايضا نجاسة الأرملة وحجابها لأنها بعد موت زوجها، سينتقل هذا الشؤم الى اي امرأة بل الى اي رجل تصادفه. ولذلك يذكر الزمخشري في كتابه (غريب الحديث) - ان الأرملة نجسة ! ما مست شيئا الا وافسدته.

اصبحت المرأة في عصر الصيد عنوان الدم اي شؤما، ومن هنا نشأ الحجاب اي الانفصال بين الجنسين. ونشأت فكرة النجاسة من الاتصال الجنسي ونشأت بدعة التطهير (الغُسُل) بعد هذا الاتصال وبعد الولادة وبعد الحيض عند المرأة وعمّ الحجاب جميع الجماعات التي كانت تعيش في عصر الصيد، علما ان الحجاب وقتئذ كان مقتصرا على جلد حيوان.
.
ثم جاء زمن السحر عند الامم القديمة، وكان وقفا على المرأة، لان الخوف منها كان اكبر بما تحمل من شؤم الدم المنزوف. لكن عندما ظهرت الزراعة واستغنى بها الانسان عن الصيد ادت ممارسة الزراعة الى اشتراك الرجل والمرأة في اعمال الحقل وجمع المحصول، فعادت المرأة زميلة الرجل ولم تعد خصيمته تنقل اليه شؤم الدم ونحوسته ولكن رغم كل ذلك لم تُحرر المرأة من الحجاب لأن للعادات الاجتماعية قوة البقاء حتى بعد زوال اسبابها.
ومن خلال هذا السرد العلمي لنشوء الحجاب عبر تاريخ الانسان القديم ، يتضح لنا ان لحجاب المرأة ليس له علاقة بالدين من الناحية العقائدية، لكن معظم رجال الدين الاجلاء اعتبروا حجاب المرأة رمزا لعفتها وارتدائه تأكيد على حشمتها ومقامها الجليل في المجتمع المحافظ.
لقد قوي سلطان الحجاب عند العرب وسائر الامم البدوية لان الناس بقيت تعيش في عصر الغزو والصيد ولا تكاد تعرف الزراعة. ولكننا بعد ان حجبنا المرأة احتجنا الى ان نبرر حجابها تبريرا عصريا لا يعود الى عادات السحر القديمة، فصرنا نقول عنها بانها غبية او انها تخلو من مهارة لنجعل مقامها في السلم الاجتماعي يأتي في المرتبة الثانية. وان الازواج الذين يقولون بهذا، يقصدون تقديم الذرائع والحجج الواهية، لتبرير ارتداء نسائهم للحجاب وبالتالي تشديد سيطرتهم عليهن، متغافلين دورهن الايجابي وحقوقهن الاساسي في المجتمع الناهظ.

وفي هذا السياق، يروي لنا كاتب السطور انه عندما كان مقيما في العاصمة الالمانية برلين عام 1960 دُعي يوما الى امسية عراقية اقامتها مجموعة طلبتنا الجامعيين هناك، فيقول :
وحينما حضرت الحفل علمت ان ضيف الشرف لتلك المناسبة كانت الدكتوره نزيهة الدليمي، وزيرة البلديات في عهد الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم. قادمة من العاصمة الفنلندية هلسنكي، في طريقها الى بغداد، بعد ان حضرت جانبا من مهرجان الشبيبة الديمقراطي العالمي من اجل السلم والصداقة بين الشعوب، الذي كان منعقدا هناك، فقالت :
كان اليوم الاخير للمهرجان، مخصصا للفنون الشعبية للوفود المشاركة، التي جائت من 140 دولة ومنظمة رسمية وغير رسمية. واضافت : وقد وجدت نفسي اثناء تجوالي انني داخل مخيم الجزائر وسط جمهور من المحتفلين يشاهدون رقصة فنية، تؤديها شابة جزائرية محجبة، تصاحبها موسيقية عذبة، تعبر بحركاتها الرهيفة تلهف الانسان لحياة السلم وحب الاخرين وما لها من هدوء وهناء.
ولكن عندما انتهت الفتاة من عرضها البديع، ورجعت الى مكانها وسط تصفيق جمع الحضور، خلعت حجابها ورمته جانبا.
تقول الدكتورة : فإستغربت ذلك، مما دفعني الفضول للذهاب اليها، بادية لها اعجابي بفنها ثم استفسرت منها عن مفهوم الحجاب لديها، فأجابت الفتاة في ادب جم : لم يكن ارتدائي للحجاب هذا ب دوافع عقائدية انما فنية بحتة - - نحن في الجزائر يدخل الحجاب ضمن ازيائنا الوطنية، بكل اشكاله والوانه وموضته العصرية، فالحجاب عندنا، لا يعتبر مقياس الفضيلة، ارجو ان يكون ادائي هذا قد راق لكم.
نستشف من هذا العرض الطارئ، بان الحجاب عبر تاريخ المرأة كان يستعمل في المجال الديني الى المجال الاجتماعي ايضا.

* مقتبس بتصرف من كتاب المرأة ليست لعبة الرجل – لسلامه موسى مع الاضافة والتعليق.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google