المرايا المتعددة، تعكس الطبيعة المزدوجة للحضارة الغربية ! *
المرايا المتعددة، تعكس الطبيعة المزدوجة للحضارة الغربية ! *


بقلم: د. رضا العطار - 08-03-2017


كنت مارا بالصدفة باحد الفنادق عندما اخذ جهاز استقبال البرقيات الاخبارية لوكالة روتر الموضوع بالفندق يدق نبا جديدا تحت عنوان (اظلام نيويورك).
اظلام نيويورك ؟ كيف ؟ هل اقترب خطر مواجهة نووية ؟ أم وقعت الواقعة فعلا واحدقت الكارثة باكبر مدينة بالغرب ؟
وتوالت التقارير الاخبارية كثيرة ومفصلة. قراتها وتمنيت لو ان كل انسان معني بشؤون عالمنا المعاصر ومستقبله ومصيره، قرأها ودرسها من مختلف جوانبها ليدرك المفترق الحضاري والمنعطف التاريخي الراهن الذي تقف عليه الانسانية امامه بكثير من الحيرة والخوف على المصير. فتلك التقارير الاخبارية، على كونها مجرد انباء عابرة ضمن احداث يوم من ايامنا ، تصلح نموذجا وثائقيا ينبئ بما سيحدث في مختلف جوانب الحياة عندما تواجه الحضارة الصناعية المادية في الغرب امتحانا من الامتحانات المصيرية التي يخبئها لها قدرها الذي اختارته وسارت عامدة باتجاهه.

وتبدأ القصة كما يحدث في الاساطير الاغريقية الغامضة عندما يحل الغضب السماوي على مدينة ضالة فاسدة فيدمرها بالبراكين والصواعق تدميرا.
صاعقة تضرب محطة التوليد الكهربائي النووية لمدينة نيويورك، فينقطع التيار الكهربائي عن المدينة وتعلن حالة الطوارئ ويقع آلاف البشر في المصيدة كالفئران معلقين بين السماء والارض في المصاعد الكهربائية التي توقفت بين الحديد والاسمنت الساخن منتظرين فرق الاسعاف إن استطاعت الوصول قبل نفاذ الاوكسجين. وتتجمد حركة السير داخل اكوام الحديد وتحت حرارة الشمس وبداخله بشر الحضارة الذين تصوروا انهم سيطروا على الطبيعة وسخروا الحديد فإذا هم ضحاهاه العاجزون . . وتتوقف القطارات وتتوقف معها الاعمال ويطلب العمدة من سكان مدينته البقاء داخل البيوت المظلمة.

الى هنا وكل شيئ طبيعي وعادي، فهذا هو المصير المنتظر لكل تراكم مادي متضخم يسيطر فيه الحديد على الانسان.
لكن الغربب الذي يحمل اكثر من مغزى هو ان (مواطني) الحضارة في مدينة نيويورك اندفعوا في حملة كبرى لاحراق متاجر مدينتهم بقصد السلب والنهب، محلات تجارية ضخمة اندكت تحت للاهيب الحريق الى الارض لكي يسهل سلب محتوياتها. واضطرت شرطة المدينة لاعتقال آلآلاف من (مواطني الحضارة) لايقاف هذه السرقة الجماعية الكبرى المتعمدة.

اذا كانت حقيقة الحضارات تظهر في اوقات المحن التي تحتاج الى تعاون وتفاني من جميع الافراد لفترة الكارثة، فإن هذه (الحقيقة) التي برزت في سلوك اهل الحضارة بنيويورك في ظل (تمثال الحرية) الشاهق عند مدخل المدينة، والذي فقد مبرر وجوده في تلك الساعات المظلمة عندما اصبح مفهوم الحرية هو حرية السلب والنهب تحت ستار الظلام وبأية وسيلة حتى بالحرق والتدمير. ونقول ان هذه الحقيقة تاتي لتقدم دليلا آخر على ان الانسان (المتحضر) في الغرب لم يبق له من الحضارة غير آلات الحديد المتراكم التي ستفترسه يوما ما . . وان حضارته قد سقطت عنها حتى ورقة التوت التي تستر عريها القبيح.

وتذكرت ما قاله اديبنا العربي ميخائيل نعيمة عندما قرر ترك نيويورك والعودة الى لبنان بعد الازمة الاقتصادية الكبرى 1929 (تركت نيويورك وفي اذني ولولة الانسانية بأسرها. ولولة تكاد تحسبها حشرة الموت. ولولة لا تسمع منها إلا كلمة واحدة : الأزمة، الأزمة)
واذا كان نعيمة قد نصح مواطنيه اللبنانيين بعدم تقليد الحضارة المادية منذ ذلك الوقت، فلربما عرف لبنان قيمة نصيحته منذ بضع سنين فقد، عندما انتقل اليه مرض الحقد والنهب والتدمير، فاكتشف ان التشبه بقيم نيويورك ان جاز ان نسميها قيما، هو اقصر طريق نحو الكارثة.
في هذه المقالة تغلب وتتضخم الصورة السالبة القائمة للحضارة الغربية، فيراها الكاتب في مرآياها المتكسرة !

* مقتبس من كتاب تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها لمحمد جابر الانصاري




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google