يوم خرجت من مجلس الفاتحة ضاحكا
يوم خرجت من مجلس الفاتحة ضاحكا


بقلم: محمد رضا عباس - 09-03-2017
صادفت زيارتي الأخيرة وفاة احد اقاربي من كبار السن , وإقامة مجلس الفاتحة على روحه . ذهبت انا واخي الأصغر الى مجلس الفاتحة , وبعد قراءة سورة الفاتحة , جاء دور شرب القهوة , وهي عادة تعارف العراقيون على توزيعها في مثل هذه المجالس . تقدم لي ساقي القهوة , وبدلا من تقديم يدي اليمنى لتناول فنجان القهوة , أعطيت له يدي اليسرى وبدون انتباه , غضب ساقي القهوة علي وتركني وهو يتمتم بكلمات لا افهمها . همست بأذن اخي حول سبب رفض ساقي القهوة تقديم القهوة لي , فأجابني سوف اخبرك بعد الانتهاء من الفاتحة . وفعلا , بعد الخروج من مجلس الفاتحة اخبرني اخي ان سبب حرماني من فنجان القهوة هو مد يدي اليسرى بدلا من اليمنى ! ضحكت بحزن وهم حول مستقبل العراق. وعندما قلت لأخي لماذا لم يخبرنا المرحوم " حاج عبد القهوجي " عن هذه العادة قبل أربعين عاما , حيث كان لا يبالى ان مدت له اليد اليمنى او اليسرى , اجابني اخي ان المرحوم " حاج عبد " كان من اهل الولاية و يعرف ثقافتنا , ولكن الان هجم علينا الريف واصبحنا اسرى عاداته وتقاليده , ومن يخرج عنها سيلقي غضب العشيرة والذي يتراوح من غرامات مالية ضخمة الى ازهاق الروح التي حرم الله قتلها الا بالحق.
ثم اردف اخي قائلا , لقد تعلمنا منهم أيضا ان يكون استكان الشاي مملوء الى اخره , والا سوف يتعرض الجايجي الى "الكوامة" بحجة ان شارب الشاي " ناقص" , وطالما وانا تركت العراق منذ أربعين عاما ولم اعرف معنى كلمة "كوامة" اجابني هو تهديد العشيرة لعشيرة الجايجي . وقلت له وكيف يتعاملون مع من ليس له عشيرة , فأجابني له خيارين , اما القتل او ترك المنطقة ! لقد اخبرني اخي , انه اصبح لدينا مكاتب وظيفتها حل المشاكل بدلا من الذهاب الى الشرطة و المحكمة , وبأجور في بعض الحالات تتجاوز الملايين من الدنانير. وفعلا , وانا في العراق , حدث وان توفى احد الافراد وقامت عائلته بالاستيلاء على جميع أموال شركاء المتوفي . وعند مطالبة شركاء المتوفي بمصير رؤوس أموالهم , اجابت عائلة المتوفي ان ليس لهم مال وان لديهم عشيرة كبيرة تحميهم . وبما ان الشركاء من اهل بغداد ولم يتعاملوا مع قضية عشائرية من قبل , فما عليهم الا ان وكلوا مجموعة من عشيرة اكبر للحصول على أموالهم , ولكن هذه الوكالة لم تكن لوجه الله , وانما بدفع ربع المبلغ المتحصل من عشيرة المتوفي . هذا ما تقوم به "العشيرة" الان , مرة ظالمة ومرة أخرى تدافع عن المظلوم ولكن بمبلغ معين .بكلام اخر بدأت العشيرة استغلال الوضع الأمني الغير طبيعي , واخذت مكان الحكومة في نشر تقاليدها البالية.
لقد كان تأثير الريف واضحا في بغداد , حيث تشاهده في المطعم , البسطات على جانبي الطريق , التكسي ,تعامل الباعة مع المشترين , وحتى زي الشباب والشابات . الهجمة الريفية على بغداد قضت تماما على الثقافة البغدادية , وبدلا من ان تأثر ثقافة بغداد على القادمين من الريف العراقي , اصبح ابن بغداد لا خيار له الا الاستسلام لثقافة الريف . لقد انتهى دور " كلمة عيب او احترام الجيران " , وانتهى دور الشرطي و مركز الشرطة في بغداد , واصبح من له مشكلة مع جاره مراجعة عشيرته قبل مراجعة مركز الشرطة ورفع الدعوى ضده.
ليس هدفي هنا هو الحديث الى الأسباب التي أدت الى انتشار قيم الريف في بغداد , فهو ليس من اختصاصي , لكن عتبنا على " شيوخ العشائر" والذين اصبح عددهم عدد الرمل والحصى في العراق هذه الأيام , واصبحنا لا نعرف من هو " الصدك ومن هو الجذب" ؟ مرة يعقدون الاجتماعات لدعم الوحدة الوطنية والقوات المسلحة العراقية , ومرة أخرى تتصرف العشيرة كأنها مجموعة من قطاع الطرق وتقف بالضد مع القوات المسلحة العراقية . كيف تتحقق الوحدة العراقية والسلم الأهلي وابناءكم يتقاتلون و يغلقون شوارع عامة بسبب شجار بين طفلين او بسبب بقرة دخلت مزرعة احدكم؟ و هل من المهم ان نشرب فنجان القهوة باليد اليمنى لا باليد اليسرى , ام المهم تربية أبناء عشائركم على كيفية احترام القانون واحترام ادمية الاخرين ؟ ولا اعرف كيف ستتعامل العشيرة مع أصحاب اليد اليسرى ( يسراوي) , هل نقطع ايدهم ؟ وبالفعل , شاهدت رجل يضرب ابنته التي لا تتجاوز السبع سنوات بسبب تناولها الطعام باليد اليسرى دون اليمنى!
أقول , هل كان بكم رجل يستطيع تحدي شرطي او رجل امن او استخبارات في زمن العهد المباد ؟ فلماذا بدء ابنائكم بتحدي كل فقرات القانون العراقي بعد التغيير وبعد ان وهب الله العراق نظام يحترم إنسانية الانسان؟ لقد دمر صدام حسين مدينة الدجيل و اعدم اكثر من 80 من سكانها بسبب اطلاق عدد من العيارات النارية , ولكن عندما امن ابنائكم العقاب بدأوا يرشقون موكب رئيس الوزراء بالحجارة . هل هذه طريقتكم العربية باستقبال الزائرين؟ ثم ما قيمة اخذ القهوة باليد اليمنى لا باليد اليسرى وأبناءكم يخرقون القانون مع كل نزاع تافه بين عشيرتين؟ وما قيمة ان يكون استكان الشاي مملوء وبعض من ابنائكم أصبح مهنته تهريب المخدرات، السموم القاتلة لشبابنا؟ لم نسمع ان عشيرة تبرأت من ابناءها المخالفين للقانون , بل أصبحت العشيرة هي القانون وتحمي عتاة مجرميها من القوات الأمنية . الكل سمع قصة تهديد أحد العشائر لرئيس رابطة الإعلاميين والصحفيين الشباب بسبب خلافه مع أحد الصحفيين. ما شغل العشيرة بالصحافة والاعلام؟ كيف اذن سوف نحمي الديمقراطية في العراق والعشيرة أصبحت تحمي المجرمين والخارجين على القانون؟ وكيف ستكون لنا حكومة قوية , والعشيرة تكسر قوانينها , وبعض الأحيان يتطلب دخول الجيش الى قراهم لألقاء القبض على المطلوبين للعدالة ؟ وكيف يدعي انسان انه شيخ عشيرة , ولا يستطيع كسب ود واحترام وطاعة أبناء عشيرته؟
أقول الحقيقة , ان اهل بغداد غير مرتاحين و خائفين من تمدد الريف الى المدينة . احد الأصدقاء أشار لي قائلا " كنا نخاف من الحرس القومي مع كل تعامل معهم , والان نخاف التعامل من أبناء الريف " . صديقي كان على حق , لقد شاهدت تصرفات البعض الغير حضارية مع المتبضعين ومع المارة . كنا نعرف البقال و الحلاق والجيران من سابع ظهر , ويعرفوننا , وبذلك كان الاحترام والمودة بين أبناء المنطقة هو السائد . الان , عندما يتشاجر طفلين في المحلة لا يركض الإباء لفض النزاع وانما يركضون من اجل تهديد الواحد الاخر بالعشيرة ! لقد كنا نخشى ان يشاهدنا المعلم ونحن نلعب قرب دورنا , والان عندما يغضب المعلم على طالب بسبب اداءه او سوء تصرفه , على المعلم ان يتحضر " لكوامة" عشائرية. الموضوع خطر جدا والاستمرار على هذا المنوال يعني تمزق المجتمع وضياع هيبة القانون. ليس لي اقتراح على كيفية معالجة مشكلة تغلل التقاليد الريفية في المدن العراقية , ولكن دعم جهاز الشرطة و المحاكم العراقية هو الحل الأمثل لحل المشكلة كما اعتقد . اعتقد ان رجوع المحاكم العراقية الى عافيتها وفرض العقوبات القانونية ضد كل من يخرج على القانون هي الخطوة الأولى نحو عراق متحضر يعيش جميع ابناءها تحت حماية القانون لا حماية العشيرة.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google