الطبيعة الاسلامية للقانون ! *
الطبيعة الاسلامية للقانون ! *


بقلم: د. رضا العطار - 10-03-2017


مع التغلب على سلطة الكنيسة في التاريخ الاوربي، بدأ تطوير القانون، واستمر حتى ظهور الاشتراكية والشيوعية في العلوم الاوربية. هذه القرون القليلة – التي تعايشت فيها عناصر في الثقافة الاوربية والحضارة الاوربية – كانت فترة نشأة الدساتير والقوانين الكبرى في اوربا. هذه الثنائية – في جوهرها ثنائية اسلامية – وهي تعكس بوضوح في المجموعة القانونية الكبرى. (هوجو جروتيوس) وهو الشخصية الرئيسية في التفكير القانوني الاوربي. فبأنتهاء عصر الاصلاح الديني، قام هذا المفكر بتلخيص افكار كُتًاب القانون الكاثوليك والبروتستانت، واثبت كيف ان القانون معتمد على الاخلاق والدين ومستقل عنهما في الوقت نفسه. كما اثبت ضرورة الفصل بين القانون والاخلاق، فكان عمله هذا انجازا عظيما. ومهما يكن الامر، فان (جروتيوس) بأعلانه ان (الله) هو المصدر الاعلى للقانون، اكد اعتقاده بالصلة الطبيعية بين القانون والدين.

ان استقلالية القانون لا يمكن القضاء عليها حتى في اكثر الدول الماركسية تطرفا. فبصرف النظر عن الاراء النظرية الواضحة، لا يمكن في الواقع العملي ان يتطابق القانون تطابقا كاملا مع ارادة الدولة، بل تيقى دائما مسافة بينهما غير قابلة للعبور. فالاشتراكية والنظام القانوني المستقل المتطور الحر لا يمتزجان - - - فحتى سنة 1978 م اي بعد ثلاثين سنة من تأسيس جمهورية الصين الشعبية لم يكن فيها قانون مدني ولا قانون جنائي. واعتبرت هذه الناحية لفترة طويلة (منطقة محرمة) على حد تعبير صرًح به القانوني الصيني الشهير (هان بي كونج)في مؤتمر سنة 1978
كل قانون يحتاج الى مسافة والى تعابير. اما الاشتراكية، فتتطلب المباشرة والموضوعية والعمل الفوري. في الاشتراكية – التي تطبق عادات فكرية مادية (او بيولوجية) على الحياة الاجتماعية – لا يوجد فيها مكان للقانون، لان القانون ضد علم الطبيعة التي لا تعترف (بما ينبغي) ولكن فقط (بما يكون) - - - اما المنظًر القانوني السوفياتي الكبير الذي عُرف بين الحربين العالميين والذي اختفى في موجة حملات التطهير الستالينية فقد كتب قائلا : (لا يوجد قانون للبروليتاريا ومن ثم لا يوجد قانون للاشتراكية).

كانت السمعة السيئة للمحاكم في الديمقراطيات الشعبية والشيوعية نتيجة للموقف الايديولوجي تجاه القانون، الذي – رغم كل الضعوط – ظل بمعنى من المعاني، قانونا طبيعيا وليس ارادة الطبقة الحاكمة. ان المحاكم باعتبارها الجهة المنفذة للقانون لا بد ان ينالها شيء من سوء وضع القانون بصفة عامة حيث ينظر اليها بأزدراء. فكل حكومة من هذا الطراز تحاول ان تحط من قدر القانون الى مستوى السياسة، والمحاكمات الى مستوى السكرتاريات. ولكن لان الحكومات لم تنجح في محاولتها نجاحا كاملا، فانها عادة ما تتجاهل المحاكم، فتتجاوزها باستخدام المحاكمات المباشرة بواسطة البوليس والسلطات التنفيذية ومراكز الاعتقال، اي بوسائل اخرى بعيدا عن المحاكم.
ان الدولة والحكومة يُعبًران عن القوة المادية، ويُمثل القانون والمحاكم القوة الاخلاقية. والاعتراف بالقوة الاخلاقية للقانون والمحاكم من شأنه ان يوازن القوة المادية للدولة، وفيه اعتراف ضمني بتفوق الفكرة على الاشياء وبتفوق العقل على المادة. ولذلك فان مبدأ استقلال المحاكم لا يتلاءم مع نظام دولة ملحدة.
يجب ان نلاحظ ان مبدأ دوام القاضي (اي شغله لمنصبه مدى الحياة) والذي هو شرط لاستقلال القضاء استقلالا حقيقيا- عادة يُستبدل في الدول الاشتراكية بالمبدأ المضاد وهو اعادة الاختيار، هذا النظام يجعل القضاء تحت رحمة الحكومة، فالقاضي يظل في قلق مستمر للاحتفاظ بعلاقات حسنة بالذين في يدهم اعادة اختياره للوظيفة.

* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.

الى الحلقة التالية !



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google