أخلاقيات العدالة وفلسفة التسامح
أخلاقيات العدالة وفلسفة التسامح


بقلم: فتحي الجواري - 12-03-2017
التسامح منهج متكامل للحياة يجب أن يسود تعاملات البشر كافة حكاما ومحكومين، فالتسامح والحالة هذه ليس مجرد وسيلة للحد من العقاب، أو لانقضاء الدعاوى الجزائية أو المدنية. وقد أكد الله تعالى على التسامح بوصفه منهجا للحياة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وحتى تقوم الساعة.

وإذا كان التسامح منهجا للحياة لا تستقيم إلا به، فإن لهذا المنهج غاية أرادها الله تعالى لعباده. فالتسامح ليس مقصودا لذاته فحسب، بل له غاية سامية تتمثل في استقرار المجتمعات التي يسود فيها كمنهج حياة متكامل في المعاملات، والتشريعات، والتطبيقات القضائية، وفي أمنها، وازدهارها، وتقدمها. فإذا سادت ظاهرة العفو والتصالح في المجتمع أدى ذلك إلى استقراره، فمثل هذا المجتمع يتقدم، وينمو، ويزدهر سواء في علاقة أفراده فيما بينهم حكاما ومحكومين، أو في علاقتهم بباقي المجتمعات التي تتعامل معهم.

والتسامح ليس مصدره الضعف، بل لا يكون الا من قوي وصاحب قرار، فالضعف بكل صوره لا يصلح سندا، أو مصدرا للتسامح، ومن ثم لابد أن يتسم التسامح بالقوة، سواء كان قد صدر من فرد بمواجهة فرد آخر، أو حاكما في مواجهة المحكومين، أو مشرعا في مواجهة المخاطبين بالتشريع، او دولة في مواجهة دولة أخرى.

فقوله سبحانه وتعالى في الآيتين 34-35 من سورة فصلت ((ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه كأنه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم)) يمثل تجسيدا لوجوب التسامح (كمنهج حياة) وتجسيدا للغاية من أن يسود كمنهج في حياة الناس. حيث ان التسامح يحول العداوة الى مودة ومحبة، وسوف يؤدي ذلك الى ان يسود الاستقرار والسلام في المجتمع. ومتى كان كذلك سادت التنمية بكل صورها وأشكالها، وأزدهر المجتمع. وأصبح من الممكن ان يتمتع الانسان بحرياته وحقوقه، لأن الحقوق والحريات لا يمكن أن يتمتع بها الإنسان الا في ظل الأمن والاستقرار، فالفوضى والعداوات لا تصلح أن تكون أرضا لكي يتمتع فيها الناس بحقوقهم وحرياتهم.

وقد يتساءل متسائل: أليس هناك من تعارض بين الدعوة للتسامح، وبين إيقاع العقاب لتحقيق الردع بنوعيه الخاص والعام؟ الجواب لا تعارض مطلقا بين منهج التسامح وبين الردع بنوعيه الخاص والعام، فمن يلقى تسامحا من غيره، سوف يجد نفسه متسامحا مع من يعتدي عليه كما تسامح غيره معه، وهكذا سوف يكون حال العلاقة بين أفراد المجتمع فيما بينهم، فيسود التسامح كظاهرة راسخة في عقيدة أفراد المجتمع بكامل طوائفهم. فمن حيث الردع كان التسامح، ومن حيث التسامح كان الأمن والاستقرار، ومن حيث الأمن والاستقرار كان التقدم والنمو والازدهار للمجتمع وأفراده.

وقد اشارت الجمعية العامة للامم المتحدة الى أهمية التسامح في حياة المجتمعات في قرارها المتخذ في الدورة الحادية والخمسين المنعقدة عام 1997 عند متابعتها سنة الأمم المتحدة للتسامح بقولها : ((... وإذ تؤكد من جديد ان التسامح هو الأساس السليم لأي مجتمع متحضر وللسلام...)).



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google