تأملات في القران الكريم ح342 ..سورة الزمر الشريفة
تأملات في القران الكريم ح342 ..سورة الزمر الشريفة


بقلم: حيدر الحدراوي - 17-03-2017
بسم الله الرحمن الرحيم

تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1}
تستهل السورة الشريفة ( تَنزِيلُ الْكِتَابِ ) , القران , ( مِنَ اللَّهِ ) , منه جل وعلا , ( الْعَزِيزِ ) , في ملكه وملكوته , الغالب امره , ( الْحَكِيمِ ) , في صنعه وتدبيره .

إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{2}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) , الثابت , بالعدل , ( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ) , مخلصا العبادة لله تعالى , خالية من الشرك والرياء .

أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{3}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقاتها ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) , هو جل وعلا وحده المتفرد بصفات الالوهية , فهو المستحق للعبادة والطاعة , ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ) , كفار مكة , او مطلق الكفار , ( مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ) , اصناما وغيرها , ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) , اضمروا في انفسهم واجملوا في عقائدهم انهم بعبادتهم لهذه الاصنام انها سوف تقربهم من الله تعالى , ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) , في امور الدين , فيثيب من استحق الثواب , ويعاقب من استحق العقاب , ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) , يقرر النص المبارك ان الله تعالى لا يوفق الى سبل الهداية من كان كاذبا في نسبة الولد وغيره اليه تعالى عن ذلك وكذلك من ازداد كفرا الى كفره , فكلاهما "الكاذب والكافر " بعيدا عن البصيرة .

لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{4}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ) , كما نسبوا الملائكة بنات الله والمسيح وعزيرا ابناءه تعالى عن ذلك علوا كبيرا , ( لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ) , لاختار من خلقه ما يشاء غير ما نسبوه , ( سُبْحَانَهُ ) , تنزيها له جل وعلا , ( هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ ) , الذي لا يعد ولا شبيه له في خلقه ولا يحويه وهم او خيال , ( الْقَهَّارُ ) , فوق خلقه .

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ{5}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) , بالعدل , والنظام الثابت , ( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) , " يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلف عليه لف اللباس باللابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة " – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - , ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) , ذللهما , وضعهما في نظام ثابت لتمام النفع من وجودهما , ( كُلٌّ يَجْرِي ) , كلا منهما يدور في فلكه , ( لِأَجَلٍ مُسَمًّى ) , اكثر الآراء تشير الى انه يوم القيامة , ( أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ ) , الغالب , ( الْغَفَّارُ ) , كثير المغفرة لمن طرق ابواب التوبة , او لأنه جل وعلا لم يعاجل بالعقوبة .

خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ{6}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) , آدم "ع" , ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) , من نفس جنسها على بعض الآراء , ( وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) , كالابل والبقر والغنم والمعز ... الخ , من كل منها ذكرا وانثى , ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ ) , وهي مراحل نمو الجنين كما تقدم , ( فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ) , " عن الباقر عليه السلام القمي قال ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة " - تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - , ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ) , هذا خلقه وصنعه وتدبيره , ( لَهُ الْمُلْكُ ) , المالك المطلق , ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) , لا يستحق العبادة سواه , ( فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) , فكيف تعرضون عن عبادته جل وعلا الى عبادة غيره .

إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{7}
تستمر الآية الكريمة ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ) , ايمانكم , ( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) , فيعاقبكم عليه , ( وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) , يرضيه جل وعلا شكركم "ايمانكم" , وعليه مدار النفع لكم في الدنيا والاخرة , ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) , لا تحمل نفس اثم نفس اخرى , ( ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ ) , يوم القيامة , ( فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) , بصحف الاعمال , ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) , عليم بما اخفيتم , لذا لا تخفى عليه خافية .

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ{8}
تبين الآية الكريمة ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ) , من مرض او شدة ترك كل شيء راجعا داعيا الله تعالى ان يرفع عنه ضره , ( ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ ) , ثم اذا رفع الله تعالى عنه ضره ومنّ عليه بالنعمة والعافية , ( نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ) , نسي ضره الذي دعا الله تعالى من اجله , او تغافل وترك عبادة الله تعالى انشغالا بما لديه من النعم مغرورا بصحته وعافيته , ( وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً ) , واتخذ لله تعالى شركاء , ( لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ) , ليبتعد بذلك عن سبيل الله تعالى "الطريق القويم" , ( قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً ) , بقية اجلك , ( إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) , ان مصيرك المحتوم الى النار .
( عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال نزلت في أبي الفصيل إنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله عنده ساحرا فكان إذا مسه الضر يعني السقم دعا ربه منيبا إليه يعني تائبا إليه من قوله في رسول الله ما يقول ثم إذ خوله نعمة منه يعني العافية نسي ما كان يدعو إليه من قبل يعني نسي التوبة إلى الله تعالى مما كان يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله إنه ساحر ولذلك قال الله عز وجل قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار يعني إمرتك على الناس بغير حق من الله عز وجل ومن رسوله قال ثم عطف القول من الله عز وجل في عليّ عليه السلام يخبر بحاله وفضله عند الله تبارك وتعالى فقال ) . " تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{9}
تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على جهة اخرى ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ) , قائم بالطاعات والعبادات , ( آنَاء اللَّيْلِ ) , ساعاته , ( سَاجِداً وَقَائِماً ) , بين ساجد وراكع , ( يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ) , يخافها , ( وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) , يأمل ان تصيبه رحمة ربه او يستزيد منها فينال بها المنازل الرفيعة , ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ) , ان محمدا "ص واله" رسول الله تعالى , ( وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) , انه "ص واله" رسول الله تعالى , ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) , يتعظ من ذلك اصحاب العقول السليمة , الراجحة .
( عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى آنآء الليل ساجدا أو قائما قال يعني صلاة الليل.
وعنه عليه السلام إنما نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا أولوا الألباب.
وعن الصادق عليه السلام لقد ذكرنا الله وشيعتنا وعدونا في آية واحدة من كتابه فقال قل هل يستوي الآية ثم فسرها بما ذكر وعن الحسن المجتبى عليه السلام والقمي اولوا الألباب هم أولو العقول وقريء أمن هو بتخفيف الميم ) . " تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{10}
تنتقل الآية الكريمة لتخاطب المؤمنين ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ) , بلزوم الطاعة , ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ) , ثوابا واجرا في الدارين , ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ) , فمن تعسر عليه الاحسان في بلده , فليهاجر الى بلد اخر , ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ ) , على الطاعة واحتمال مشاق الهجرة , ( أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) , لهم اجر بلا مكيال , ما يعجز الحاسب من حسابه .
( عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان ثم تلا هذه الآية.
وعنه عليه السلام إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصبر فيقال لهم على ما صبرتم فيقولون كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عز وجل صدقوا ادخلوهم الجنة وهو قول الله عز وجل إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . " تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ{11}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ) , التوحيد الخالص لله تعالى .

وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ{12}
يستمر الخطاب في الآية الكريمة ( وَأُمِرْتُ ) , كذلك , ( لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) , مقدمهم في كلا الدارين .

قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{13}
يستمر الخطاب في الآية الكريمة ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) , فيما امرني به من عبادته واخلاصها له جل وعلا , ( عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) , يوم القيامة وما فيه من الاهوال .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google