"العراق غيت" فضيحة تسريبات بشأن العراق تحولت الى لعنة
"العراق غيت" فضيحة تسريبات بشأن العراق تحولت الى لعنة


بقلم: جمال الخرسان - 18-03-2017


من بين البلدان الاوروبية مجتمعة تتميز بشكل ملفت علاقات فنلندا بالعراق على الصعيد الاقتصادي اولا والسياسي ثانيا منذ منتصف الخمسينات حينما ارست فنلندا مرحلة جديدة في علاقاتها الدولية تلافيا لمزيد من المضاعفات السلبية التي ترتبت عليها بعد الحرب العالمية الثانية. خصوصا في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي، حيث كانت الشركات الفنلندية تعمل في جغرافيا العراق من اقصاها الى اقصاها. من هنا ليس غريبا ان يتردد اسم العراق في الاعلام الفنلندي بشكل شبه يومي.
لكن ما يلفت النظر وما يبقى في الذاكرة من الارتباط بين الحالة العراقية والحالة الفنلندية عموما ليست فقط تلك العلاقات الاقتصادية والسياسية بل ايضا جملة من القضايا من اهمها ما يطلق عليه الاعلام الفنلندي "فضيحة العراق" او "تسريبات العراق".
بدايات القصة تعود لاواخر العام 2002، لم تيبق على اجراء الانتخابات البرلمانية الفنلندية سوى عدة اشهر، كان رئيس الوزراء الفنلندي آنذاك السياسي اليساري المخضرم بافو ليبونن عن حزب الديمقراطي الاشتراكي، وكان يحظى بشعبية كبيرة، قاد حكومتين للفترة "1995-1999" و "1999-2003"، كانت التوقعات تشير الى فوز حزبه بالانتخابات مما يعني تشكيله الحكومة القادمة. في الاثناء كانت امريكا تسعى لتشيكل تحالفا دوليا يساهم بشكل او بآخر بالحرب على العراق، فنلندا من بين البلدان التي دعيت للمشاركة بذلك التحالف، في هذا السياق ومن اجل متابعة ذلك الملف قام رئيس الوزراء الفنلندي بزيارة الى امريكا في كانون الاول عام 2002.
التقى هناك الرئيس جورج بوش الابن واجرى معه مباحثات تطرقت للعديد من القضايا من اهمها دعوة فنلندا للمشاركة في التحالف الدولي الذي سيخوض الحرب، رئيس الوزراء الفنلندي اعطى مبدئيا الضوء الاخضر للامريكيين في مشاركة فنلندا بذلك التحالف لكن في مرحلة ما بعد الحرب، في اعادة الاعمار وحفظ الاستقرار بالعراق.
توجهات الشارع الفنلندي كانت ضد الحرب على العراق، والشعب الفنلندي سيكون اكثر صرامة مع فكرة المشاركة بالحرب، خصوم الحزب الديمقراطي اخذوا يبحثون عن ثغرات في اداء حكومة ليبونن، استطاعت رئيسة حزب الوسط "Anneli Jäätteenmäki" ياتنماكي ان تحصل على وثائق، ومضامين وثائق لمحاضر الاجتماعات التي خاضها ليبونن في امريكا، نشر بعضها في الصحف الفنلندية وتحولت القضية الى قضية راي عام، فبالاضافة الى تعرض رئيس الوزراء ليبونن الى مسائلة في البرلمان الفنلندي على خلفية ذلك، استخدمت ايضا مضامين المحاضر بشكل فاعل في المناظرات التلفزيونية بين كبار الساسة الفنلنديين استعدادا للانتخابات البرلمانية التي اقيمت في 16 آذار 2003. دفع الحزب الديمقراطي الاشتراكي ثمن ذلك الموقف، فحل ثانيا بالانتخابات، فيما تقدم حزب الوسط ليكون اولا مما يسمح له بتشكيل الحكومة، فتشكلت الحكومة في نيسان عام 2003 واصبحت زعيمة الحزب ياتنماكي اول امراة تصل لمنصب رئيسة الوزراء في فنلندا.
لعنة العراق التي اقصت بافو ليبونن عن رئاسة الوزراء في الانتخابات البرلمانية عام 2003 اقصته ايضا في الدورات اللاحقة، تلك اللعنة لم تقتصر على ليبونن بل طالت بطلة التسريبات ياتنماكي، وسائل الاعلام في فنلندا والمؤسسات الرسمية اخذت تلاحق خيوط ذلك التسريب، حتى وصلت الى حقيقة ما جرى، انكشفت الحقيقة في حزيران عام 2003 وتبين ان ياتنماكي استعانت بـ "Martti Manninen" مستشار رئيس الجمهورية تاريا هالونن، هذا الاخير استجاب لطلب ياتنماكي بالاطلاع على محضر الاجتماعات، اطلعها على بعض الوثائق في لقاء خاص، وارسل لها لاحقا فاكسا بمضمون جملة من الوثائق. بعد انكشاف الحقيقة وتضارب تصريحات رئيسة الوزراء عن حقيقة ما جرى اجبرت على ترك المنصب، فقدمت استقالتها لرئيس الجمهورية في 18 حزيران اي بعد حوالي شهرين من توليها المنصب، وطلب منها الاستمرار حتى تشكيل الحكومة الجديدة التي تشكلت يوم 24 حزيران.
نهاية العام 2003 وجّه المدعي العام للمستشار مارتي مانين الذي اقصي من منصبه وكذلك لـ ياتنماكي اتهاما بتسريب وثائق سرية وافشاء اسرار الدولة، حكم على الموظف بغرامة فيما تمت تبرئة ياتنماكي.
تلك الازمة السياسية دفعت ياتنماكي الى ترك المناصب السياسية داخل البلاد، والتوجه الى العمل في ذات المجال خارج فنلندا، فرغم تسلمها لوزارة العدل في التسعينات اضافة الى رئاسة البرلمان لاحقا لفترة وجيزة ومناصب اخرى فانها لم تتسلم اي منصب سياسي في فنلندا بعد الفضيحة، ابتداءا من العام 2004 دخلت البرلمان الاوروبي ولازالت تحتفظ بمنصبها حتى الان، اختيرت نائبة لرئيس البرلمان الاوروبي للفترة 2015-2017، ورغم تلك الاهمية فان ياتنماكي لم تتجرأ ابدا على المغامرة في منصب سياسي جديد داخل البلاد.
جمال الخرسان





Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google