محنة آلفكر ألأنسانيّ(8)
محنة آلفكر ألأنسانيّ(8)


بقلم: عزيز الخزرجي - 20-03-2017
محنة آلفكر ألأنسانيّ(8)
ألمُكوّن ألثّاني: ألموروث ألعقائدي.
جميع الشواهد التأريخية التراثية ألماديّة و آلّلاماديّة ذات آلبعد ألعقائدي, و كذلك علم ألأنتربولوجيا؛ تُؤكّد على إنّ آلانسان سعى منذ أقدم آلعصور و حيث ما وجد على آلأرض إلى آلتوسل بشيئ ماديّ أو معنوىّ للأرتباط بآلغيب .. حتى حين إنعدمتْ .. أو إختفتْ ألرّسالات ألسّماوية أحياناً في بعض مناطق ألأرض كجزيرة ألعرب أو جنوب أمريكا أو شماله؛ سعى الأنسان بدل ذلك لخلق وسائط مادية كآلأصنام و التماثيل تارةً أو أفكار و آيدلوجيات تارة أخرى أو من خلال مراسيم أو تسخير الجّن و ما أشبه كبديل فطري لسدّ و ملأ الفراغ العقائدي, محاولاً بذلك تأسيس منظومة متكاملة من آلمعتقدات و آلآيدلوجية تُمكّنه من إقامة معادلة يطمئن إليها تربط عالمه الوجودي بالقوّة العظمى التي جعلت هذا العالم يحدث و يستمر, و قبل بيان التفاصيل, نعرض تعريفاً للعقيدة كمقدمة للحلقة؛

ألعقيدة, هي آلإيمان ألجّازم بمجموعة من آلأصول و آلفروع و آلقيم التي تُشكّل ثقافة الأنسان, و سميّت بـ (العقيدة) لكونها تختصّ بآلذي يعقد جوهره على أساس تلك المجموعة, كونها أحكام قطعيّة لا يتطرق إليها شكٌّ و هو ما يُؤمن بها الأنسان و يعقد عليه قلبَه و ضميرَه، و يتخذها مذهباً يدين بها.

و العقائد أنواع مختلفة: منها ما هو سماوي يرتبط بآلغيب, و منها ما يرتبط بآلأفكار الوضعية التي تمّ التوصل لها من قبل عقل الأنسان, و تضم أحكاماً سلبيّة و إيجابية و بعضها خطيرة خصوصا في الجانب الأجتماعيّ و التربويّ و الأقتصاديّ, و من هنا نرى أن أولى الدّراسات التي صرف لأجلها عمره بعض الفلاسفة المؤمنين هو الجانب الأقتصاديّ و الفلسفيّ الذي يؤثر بآلصميم في ماهية النظام الأجتماعي و بآلتالي سعادة المجتمع.

و بشكل عام يمكننا القول بوجود أديان سماوية و أديان أرضية.

و الأديان السّماوية لها مكانة خاصّة و حساسة و خطيرة في قلب المؤمن بها, كونها تؤدي في حال سوء فهمها أو عدم وعيها كاملاً بحسب مراد الله تعالى؛ إلى التعصب و الظلم و الفساد, و هذا ما نشهده في سلوك عموم المعتقدين بها في بلادنا الأسلامية, لكونها تتّصل و تستمد قوّتها و ديمومتها من آلغيب كقوة عظمى قاهرة لا تضاهيها قوّة وضعية, فأصحابها يعشقون مبادئهم حتى الموت و بآلتالي يُعطلون أو لا يُعطون ألأهمية المطلوبة لدور العقل و التحليل العلميّ و العرفانيّ لمعرفة مدى تأثير و فاعلية أحكام الدِّين في قضايا الوجود, و لذلك قلتُ بأنّ الأحكام الفقهيّة لو لم يتمّ التعامل معها عرفانيّاً فأنّها تفقد خاصّيتها الأيجابيّة و تكون مردوداتها عكسيّة .. حتى لو أدّينا جميع العبادات الشخصيّة كآلصّوم و الصّلاة و الحجّ و غيرها بشكلٍ سليمٍ بحسب تعريف مراجع ألدّين ألذين عادّةً ما يبدعون في الجّانب الفقهي دون تلك الأبعاد العرفانية, و بآلتالي تتجمد الأحكام الفقهية و تموت في نفس معتنيقيها.

و تتعاظم خطورة العقيدة بشكل أكبر في حال تفسير (النصوص) و التراث العقائدي تفسيراً تجزيئياً يطغى عليه العنف و القسوة و الأهواء مجرّداً من الرّحمة و المحبة الألهيّة التي هي في الحقيقة أساس و هدف كلّ المعتقدات ألسّماوية الصّافية.

و بآلتالي فأنّ العقائدي و بسبب التفسير و الفهم الخاطئ, يدعو بدل الأسلام و المحبة .. إلى العنف و آلقتل و الأرهاب و التوحش و التكبّر, و كما شهدنا مظاهرها عبر تأريخ جميع الأديان السّماوية التي تبجّح بها السّلاطين, حين فسر المفسرون ألنصوص المقدّسة بحسب أهواء و مقاس الحاكمين بعد ما نزلت لهم من السّماء صافية طاهرة تدعو الناس إلى التعاون و الرّحمة و البناء و العمل الصالح و العدالة.

أمّا المعتقدات و الآيدلوجيات الوضعية التي لا ترتبط بآلغيب؛ فأنّها تتجنّب .. بل و ترفض إعْمال النصوص المقدسة في حركتها و تطبيقاتها العملية, خصوصاً بعد حركة النهضة الأوربية التي إنتفضت ضد تعاليم الدِّين المتحجرة, و تسعى ضمن معطيات العقل و الواقع و النظريات التجريبية, و تُؤمن بآلعلم فقط كسلاح وحيد و مجرّب لخوض معترك الحياة على جميع الأصعدة, لذلك نرى ضعف أو موت الأحساس و غياب الوجدان و الفوضى في الحياة الأجتماعية و العائلية بين أوساط المجتمع العلماني, لكونهم يتعاملون بمقايس العقل المجرّد و مبدء الرّبح و الخسارة و المعادلات التي تحكمها الحساب و الرياضيات, و بآلتالي تتلاشى الرّحمة و المحبة في وجودهم شيئاً فشيئاً, حيث أثبتت العلماء وجود علاقة عكسية بين العقل و القلب, أيّ بين أصحاب العقول و أصحاب القلوب, فكلّما قوىَ العقل ضعف القلب الذي هو مصدر العطف و الرّحمة و المحبة و الأنسانيّة.

و لا أدري ما فائدة أن يُحقّق الأنسان جميع الأبعاد الماديّة في حياته و وجوده من خلال القوانين الوضعية بعيدأً عن الأبعاد الرّوحية و العاطفية و القلبية العرفانية التي وحدها تُميّز إنسانية الأنسان عن باقي المخلوقات!؟

بآلطبع لا ننكر وجود بقايا شريحة من الناس أو بعض الأفراد الطيبين في الأحزاب العلمانية يُؤمنون بجانب إيمانهم بآلآيدلوجيات و النظريات الوضعية؛ يُؤمنون أيضاً بآلغيب و بتعاليم الأديان السّماويّة التي تدعو إلى التعاون و الرّحمة و المحبة و العدالة جنباً إلى جنب ألمعتقدات الوضعيّة للأحزاب السياسيّة, و هؤلاء يتّصفون بآلصّفات الأنسانيّة لبعض الحدود لأيمانهم بآلرّسالات السّماويّة التي تهدف إلى تحقيق الأخلاق الفاضلة في المجتمع, لكن نسبتهم قليلة جداً و في نفس الوقت غير مرغوب فيهم من قبل المتسلطين الرأسماليين, بل يُمكن القول بأنّهم تلاشوا بمرور الزمن, خصوصاً مع بدء (عصر ما بعد المعلومات) الذي يقوده اليوم حزب الرئيس الأمريكي الجديد(دونالد ترامب) لصالح (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي ينتمي إليها و التي تحدّثنا عنها بآلتفصيل سابقاً.

(ألعقيدة) لُغةً و إصطلاحاً و تعريفاً:

أوّلاً, تُعرّف بـ: [مجموعة الأحكام التي لا تقبل ألشّك لأستنادها إلى أصول ثابتة].

و آلعقيدة : ما يُقْصَدُ به آلأعتقاد دون آلعمل؛ كعقيدة وجود الله و بعث الرُّسل و المعاد، و الجمع : عقائد, و خلاصته: ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به؛ فهو عقيدة، سواءٌ ؛ كان حقاً، أو باطلاً.

و آلعقد جمعهُ عُقود, و القلادة, العقيدة جمعه عقائد, ما عقد عليه القلب و الضمير, أو اليمين/ أحكمه, و عقد الخيط: جعل فيه عقدة/ و عقد البناء, بنى عقداً, و عقد البناء بآلجّص, و عقده على الشيئ: عاهدهُ, و عقد له الشيئ:ضمّهُ, يقال عقد ناصيته, أيّ غضب و تهيأ للشّر, و يقال : عقد عنقهُ إليه, أي لجأ, و يقال: عقد له الرئاسة في قومه, أي جعلها لهُ, و يقال؛ عقد له على جعلها لهُ .. و يقال عقد له على الجيش, أي رأسّه عليه, و منها عقد الألوية لأمراء البحر على سفنهم, فيقال مثلاً و طرّاداً, معقود اللواء للأدميرال فلان, أي لأمير البحر, عقد عقداً؛ كان في لسانه عقدة, و عقد عقد البيت, جعل له عقوداً و عقد اليمين: عقدها, الحبل: بالغ في عقده و عقد الكلام؛ عمّاه, عاقد معاقدة؛ عاهدهُ, تعقّد السحاب؛ صار كآلعقد المبني, و عقد الأمر؛ تصعّب, و عقد الأخاء؛ إستحكم, تعاقد القوم؛ تعاهدوا, إعتقد الأخاء بينهما؛ صدق و ثبت و عقد الشيئ: نقيض حلّه, و عقد الدّر و نحوه؛ إتخذ منهُ عقداً و عقد الأمر؛ صدّقه, عقد عليه قلبه و ضميره؛ تدَيّن به, و عقد الأمر لفلان؛ خلص له(1).

بإختصار .. هي المراصة، و الإثبات؛ و منه اليقين و الجزم, و العقد نقيض الحلّ، و يقال: عقده يعقده عقداً، و منه عقدة اليمين و النكاح، قال الله تبارك و تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}(2)

و في الإصطلاح : تعتبر العقيدة من الأمور التي يجب أن يُصَدَّقَ بها القلب ، و تطمئن إليها النفس حتى تكون يقيناً ثابتاً لا يُمازجها ريب، و لا يُخالطها شكّ, و سميتْ عقيدة؛ لأنّ الإنسان يعقد عليه قلبه, و تشمل الإيمان الجازم بالله تعالى؛ و ملائكته؛ و كتبه؛ و رسله؛ و اليوم الآخر؛ و القدر خيره و شرّه؛ و سائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، و أُصول الدِّين، و ما أجمع عليه النبي و الأئمة من بعده، و التسليم التّام لله تعالى في الأمر، و الحكم، و الطاعة، و الاتباع لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم.

.Religionو العقيدة يعادلها في اللاتينية كلمة (رلجن)
, حيث تتعدى معنى "الدِّين" لمعاني تشمل الماديات. Ideologyكما يطلق عليها بآلآيدلوجيا(الفكر)

تنقسم ألشّواهد التراثيّة العقائدية الى نوعين:
شواهد مادية ذات قيمة أثرية, و تضم آثار و مخلفات الأحزاب و الأنظمة و الأتحادات التي تؤمن بحركة واقعية منفصلة عن الغيب تماماً, و هو ما يطلق عليهم بآلأحزاب العلمانية و تشمل جميع التراث و الشواهد (الحضارية) الحالية و السابقة التي ما زالت آثارها باقية.

شواهد لا ماديّة ترتبط بآلواقع من جانب و بآلغيب من جانب آخر, يتقوّم وجود أحداها بآلأخرى, و تشمل جميع الحركات و النهضات التي تؤمن بآلله حقاً و بآلرّسالات السّماوية مبداً و بتطبيق المبدأ على آلأرض نظاماً.

لذلك فأنّ (الموروث العقائدي), يُعَدُّ أحد أهمّ المكونات الثقافيّة للأنسان بجانب المكونات الأخرى, و يشمل كلّ موروث عقائدي يكتسبه الفرد من المقربين و المربين و الأصدقاء و المبلغين أو أولياء ألأمور خصوصاً الأبوين و المعلمين و المرشدين العاملين ضمن سياسات النظام الأجتماعي الحاكم, هذا إذا علمنا بأنّ الأسلام أعطى للأبوين مكانة خاصة و حساسة جعلت أوامرهم بمستوى أوامر الله تعالى و كما أشرنا في الحلقة السابقة(3), لذلك عليهم التأني و الصبر و التحمل لتربية الأبناء و الأرتقاء إلى المستوى المطلوب كي يعكسوا سلوكاً طيبأً و سمحاً في نفوسهم, و ترجمة التراث العقائدي بشكل عمليّ يؤدي إلى دفعهم لخدمة الأنسانيّة.

و للأسف الشديد تتميّز هذه العلاقة اليوم بآلأجحاف و اللامبالات .. بل و النفي من قبل الأبناء, خصوصاً في الغرب الذي لم يعد فيه للعائلة و الأبوين أحترام و قدسية أو معنى, بسبب قوّة و تسلط الأنظمة من خلال القوانين الوضعية العديدة كبديل عنهما, لكن في الشرق ما زالت تلك العلاقة لها بعض المكانة, لوجود و حاكمية بعض أحكام العقيدة الأسلامية و بقايا الأعراف و الحضارات القديمة في نفوس الوالدين و المربين, و التي تُحصّنهم, إلّا أنّ هناك أجحاف عكسيّ من قبل الوالدين بحقّ الأبناء يصل حد عقّ الأطفال لأبويهم و ليس العكس, بسبب النفس الدكتاتوري الذي نشؤوا عليه و توارثوه أباً عن جدّ.

و عموماً؛ ألعقيدة, عبارة عن مجموعة من القيم و المبادئ و الأفكار التي يؤمن بها الفرد, و يُحاول تطبيقها و نشرها و دعوة الآخرين لها خصوصا المقربين كي ينتصر لله بجانب الأنتصار للذات بإستثناء المعصومين الذين أخلصوا لله فإختارهم لهذه المهمة المعقدة!

أمّا الحضارات القديمة فهي حضارات ظهرت ثمّ ماتت و لم يبق منها سوى الأطلال أو بعض التماثيل و المحنطات التي ربما كانت تُعبد في مختلف بقاع العالم, و ليس لها أثر بارز في الحياة المعاصرة رغم تبجح البعض خصوصا الحُكّام و الرؤساء بها و محاولة تمجيدها و أحلالها بديلاً عن العقائد السّماوية من خلال الأجتهادات الشخصية, لأن الأنظمة التي حكمت تلك الحضارات لم تكن إنسانية بل كانت تستند إلى قوانين تسعى لتعبيد الناس للملك و للنظام الحاكم من دون الله و من دون تحقيق الحقوق الأنسانية التي نحن بصددها(4), و سنبحث بعض التفاصيل حول هذه الحقائق, بعد إستكمال عرضنا للمورث العقائدي الذي له أثر فعال في تشكيل الفكر الأنساني.


أزمة العرب و المسلمين منذ بدء تاريخهم الإسلاميّ حتى حاضرهم أخلاقية, أو بصورة أصحّ لا أخلاقيّة بالأساس و أن الموارد الأخلاقية المتوفرة لديهم فقيرة جداً في هذا المضمار و السبب الأعظم برأيي هو ضعف و تشوّه المصدر الأخلاقي شبه الوحيد المتسيد لديهم, و هو الإسلام, الذي أختلطت فيه مبادئ لا أخلاقيّة و أعراف جاهلية و تزوير فاضح حتى لأصول الدِّين ناهيك عن الفروع مع جعل الكثير من الأحاديث و الرّوايات, ممّا سبّب تمييز الخير من الشر أو الجيد من السيء من خلال هذا المعتقد كما المعتقدات السماوية الأخرى صعب بمكان حتى تدنى وضوح الرؤية لدى المعتنقين بها و صاروا فرقاً و أحزاب و جماعات متناحرة و عنيفة تتسم بالغلظة و الوحشيّة و انعدام الإنسانيّة في وجودهم, و تهاوت لديهم قيمة الفرد لتتهاوى إثرها قيمة الأديان و المجتمعات المتدينة بل أصبح إبعاد الدين عن الحياة مسألة واجبة, و هنا تكمن الخطورة في الأمر فآلمسلمين الذين يشكلون عدداً كبيراً بآلنسبة لباقي الأديان و المجتمعات؛ لكنهم يحلمون دوماً في إستعباد بعضهم للبعض و إستعباد بقية العالم و فرض الإسلام بآلقوة في عموم الكرة الأرضية طوعا و كرهاً, و كما دعت لذلك الحركات الوهابيّة السّلفية التي قتلت و ذبحت الناس بدعوى إرجاع و تطبيق الخلافة!

و لو تحقق هكذا حلم .. أيّ سيطرة السلفيّة الداعشيّة على مقدرات ليس العالم .. بل حتى على دولة صغيرة من دول العالم؛ فأنّها ستكون بمثابة الكارثة الكبرى في هذا الكوكب, و سنبحث هذا الموضوع الخطير مفصلاً في الرّكن الخاص بآلدِّين كأحد أعمدة الثقافة و بآلتالي الفكر الأنساني.

يؤكــد النظــر العلمــيّ أن أحــد ألسـُّـبل المهمــة لإجتيــاز ألواقــع ألمُتــردّ هــو إســتلهام دروس الماضي، فالموروث العقائدي يُقوَّم من خـلال نوع و مستوى و أهداف ألأدب و آلشعر المتداول و العرفان الذي هو غاية الرّسالات السّماويّة, خصوصاً القرآن الكريم الذي تميّز بمعجزة البلاغة و الأدب و العرفان و سرد القصص الأنسانية المعبرة الخالدة الجميلة, بجانب الأشارات العلميّة العديدة لأمّهات القضايا, و التعابير المجازية لعرض الصّور و آلأحداث المختلفة لتقويم و إنضاج النفس الأنسانيّة, و هو ينقل لنا عظمة و جمال هذا التراث الأنسانيّ و من كلّ عصر و مصر و تجربة, بجانب نقـل الخبـرات و الوقائع و المنعطفات المصيريّة و كأنه يهدف إلى تحقيـق التواصل الأنسانيّ العقائديّ و الأخلاقيّ بين الأجيال عبر تلك النماذج الأيجابيّة، ممّا يُؤكّد دوره الأساسيّ فى تحقيـق الـوعي بتلك الثقافـة الموروثة سواءاً كان قوميّاً أو دينيّاً أو عالميّاً!

و المنتجــات الثقافيــة تُعبـّـرعن أســلوب الإنســان، و تعزيزالثقافــة الأنسانيّة العابرة للقوميّة و المذهبيّة و الطائفيّة, سواءاً كانــت في مسائل الحياة أو طريقة العيش أو العلاقات الأجتماعية, أو ما جاء التعبير عنه من خلال رؤيته للكـون، فمـن بـين جوانـب الثقافـة و فروعهـا العديدة، يتميّـز الجانـب الأدبـى و الفني و الموسيقي بحضـوره البـارز و الفعال فـى تحديد حيـاة و نوع الجماعـات.

و مـــن هنـــا تحتـــل الثقافـــة الشـــعبية ألتراثية موقعـــاً بـــارزاً فـــى مشغوليات البحث و الدراسة فـى مجـال الـوعي الاجتمـاعي و دوره فـى بنـاء الفكر الإنسـانيّ، ألذى يعتبر جوهر أيّ إنجاز حضاريّ.

إن مهمة بناء الإنسان على أسس علمية عقائدية سليمة بعيداُ عن الموروث العقائدي المشوّه، مهمة تربوية و أجتماعية ليست بالسّهلة و تمثل تحدياً كبيراً أمام التربية و فلسفتها فى أيّ مجتمع, خصوصاً بعد ما حذف السياسيون الكثير من المواد التي تبني ضمير الأنسان و تحفظ كرامته و حقوقه, فمثلاً تمّ حذف نظريات كثيرة في مسألة الوجود و كذلك مثلث (إبرهام ماسلوا) من المواد الدراسية, و هناك عوامل عديدة متشابكة تتحكم فى تشيد هذا البناء المعقد، تتصدر تلك العوامل, البرامج التربوية و التعليمية الرصينة و الهادفة بإتجاه بناء شخصيّة سلميّة رحيمة تحبّ الناس و تعمل لأجلهم و كذلك تأثيرات التطورات العلميّة المختلفة في المجال الطبيّ و التكنولوجيّ و الحقوقيّ بجانب الأسس التي أشرنا لها, و التي تنعكس تأثيرها على سلوك الإنسان و بناء شخصيته.

هذا و يمرّ العالم العربي و منه العراق الآن بمرحلة حساسة و مهمة من تاريخه الاجتماع/سياسي، يشهد فيها تغييرات جوهريّة فى كثير من الأوضاع و الأصعدة تؤكد ضرورة إعادة البناء السياسي/العلمي/الثقافي/التربوي, نتمنى أن تكون على أسس سليمة و رصينة تستند على التعاليم العقائدية العرفانيّة و ليست العقائديّة الفقهيّة الموروثة المتحجرة السائدة و التي ما جلبت سوى الجهل و الظلم و الفساد و الفوارق الطبقية و الفشل الكبير في أعداد جيل قادر على تحمل مسؤوليّة التغيير الهادف نحو الدولة الأنسانيّة العالمية العادلة.
عزيز الخزرجي
باحث و مفكر كونيّ
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) المُنجد في الأعلام و اللغة, باب (عقد).
(2) (المائدة: 89).
(3) راجع الحلقة السابعة من هذا البحث, و الذي فيه عرضنا تأثير العلاقة الزوجية في تشكيل ثقافة الأبناء.
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/03/12/431316.html

(4) نفس المصدر السابق.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google