العراق اختار القروض الخارجية على داعش
العراق اختار القروض الخارجية على داعش


بقلم: محمد رضا عباس - 22-03-2017
تصريحات عديدة خرجت من سياسيين وكتاب على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن مخاطر الديون الخارجية التي ترتبت على العراق في السنوات القليلة الماضية. النائبة السيدة حنان الفتلاوي حذرت منها بالقول " هل تعلمون ان احفاد احفادكم أصبحوا مديونين من الان! اين خبراء الإصلاح الاقتصادي؟", النائبة السيدة ماجدة التميمي حذرت من " ان هذه القروض فقدت فائدتها لأنها ابتلعت من المفسدين , والمتضرر الكبير هو الشعب لأنه هو من يتحمل أعباء الديون و يسعى بدفعها في سنوات طويلة". مثل هذه التصريحات خرجت عن كتاب اخرين محورها هو ان الديون الخارجية سوف تثقل كاهل البلد و تكبله وتلغي سيادته وتربطه بالأجندات الاجنبية , إضافة الى الاتهامات الجاهزة " السرقة و الفساد" . تجاهل هذه التصريحات والافتراءات , مع ان التخوف من القروض الخارجية لا باس به . ولكن التعامل مع هذا الموضوع في الوقت الذي يخوض فيه العراق حرب حياة او موت , فان هذه الدعوات لا تعدوا ان تكون اكثر من "كلمة حق اريد بها باطل". الجماعة يتحضرون للانتخابات القادمة والتي سوف لن تكون سهلة على جميع الكتل والأحزاب السياسية الحاكمة , وذلك لضعف الأداء الحكومي. انهم يتعاملون مع هذا الموضوع , ومواضيع أخرى مثل اتهام وزارة التجارة بالفساد , خور عبد الله , و التواجد الأمريكي في العراق لتسجيل مواقف وكسب عواطف الناخب لموضوع غير موجودة أصلا او عفى عليه الدهر.

الديون العامة (الديون الحكومية) ليست بدعة جديدة جاءت بها الحكومة العراقية بعد التغيير , وانما هي موجودة منذ تأسيس الحكومات الحديثة وبغض النظر عن خلفياتها , الدول المتقدمة تقترض عندما تشعر بالحاجة الى القروض , كذلك الدول الغير متقدمة او العالم الثالث . بالحقيقة ان حجم ديون الدول الغنية أكثر بكثير من الدول الفقيرة. ففي اخر الاحصائيات الدولية أظهرت ان نسبة القروض العامة الى حجم الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة الامريكية هي 114%, وفي بريطانية 406%, فرنسا 222%, المانيا 145%, والصين 37.5%. معناه , على سبيل المثال , ان ديون الولايات المتحدة الامريكية اكثر من انتاجها السنوي بمقدار 14%. بينما بلغت نسبة الديون في الهند 22%، اندونيسيا 33%، باكستان 30%، ومصر 14%. وهكذا فان الديون العامة هي من حصة الدول الصناعية الكبرى وليست الدول الفقيرة. اما حصة العراق من الديون نسبة الى الدخل الوطني او الانتاج الوطني ( الإنتاج الوطني يعادل 180 مليار دولار كما جاء في احصائيات البنك الدولي) فهو يعتمد على صحة الرقم المأخوذ من اللجنة الاقتصادية البرلمانية والتي أعطت ارقام متضاربة. السيدة الفتلاوي قالت ان الديون هي 68 مليار دولار بينما ذكر أعضاء اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي انها تتراوح ما بين 105 مليار و 123 مليار دولار. سوف نتجاهل رقم السيدة الفتلاوي ونتبنى ارقام اللجنة الاقتصادية , فلو قسمنا مبلغ 105 على 180 لكانت النسبة 58% ولو قسمنا مبلغ 123 على 180 لكانت النسبة هي 68%. كلا النسبتين اقل بكثير من النسبة في أمريكا او بريطانيا او فرنسا او المانيا. وعليه فلا يوجد تخوف حقيقي على مستقبل الاقتصاد الوطني وان تحذيرات السيدتين الفتلاوي والتميمي كانت لأهداف سياسية بحته.

لماذا تقترض الدول الصناعية الأموال من الداخل والخارج؟ الجواب هو لسد العجز في ميزانياتها والتي تصرف بشكل عام على مشاريع رأسمالية (طرق وجسور , ابنية حكومية , سدود انهار , ومنح لمراكز البحوث) . وكما تلاحظ , فان من مصلحة هذه الدول الاستقراض لتمويل مثل هذه المشاريع والتي تعطي مردودا اعلى بكثير من أسعار الفائدة التي تدفعها الى أصحاب القروض. يضاف الى ذلك ان معظم قروض الدول الصناعية المتقدمة هي قروض داخلية , أي استقراض الدولة من شعبها و بذلك فان القروض لا تشكل عبء على الاقتصاد الوطني مثل القروض الخارجية والتي تذهب فوائدها الى جيوب مواطنين من خارج الوطن .

عراقيا , وان كانت نسبة القروض الى الناتج الوطني هي بين 58% و 68% , الا انها لا زالت مقبولة ولا تشكل أي خطر على الاقتصاد الوطني . نعلم ان نسبة كبيرة من هذه القروض ذهبت على شكل مصاريف تشغيلية (رواتب واجور ودفع أجور الحرب ضد داعش) لسد العجز في ميزانية الدولة , الا ان حصة كبيرة منها ذهبت أيضا الى مشاريع استثمارية . اعتقد ان اقتراض العراق لسد حاجاته كانت ضرورية جدا و لسببين : أولا, ان الاقتراض مكن الحكومة بدفع أجور ورواتب عمالها وموظفيها شهريا, ولو لم يستطع العراق من الاقتراض لكان نصيب الكثير من العوائل العراقية العازة والجوع و لأتخذ أعداء التغيير مساحة واسعة للتهجم على العملية السياسية , بل حتى ان بعض الكتل والأحزاب السياسية المشاركة في إدارة الحكم سوف تشجع أنصارها للخروج الى الشارع والهتاف بسقوط الحكومة , وربما بالقيام بهجمات مسلحة ضد المراكز الحكومية . ثانيا , ان الاقتراض كان ضروريا لتمويل الحرب مع تنظيم داعش , تلك الحرب التي تعتبر من اقدس الحروب في تاريخ العراق والعالم بعد حروب النبي الأعظم ضد كفار مكة , وسيكون لها الفضل الكبير على حاضر ومستقبل العراق , واجيال العراق القادمة . الدولار الذي صرف على هذا الحرب اعطى مردودا لا يقاس بنسبة فائدة مالية معينة. تحرير المدن والأرواح من بطش داعش اهم بكثير من نسبة فائدة قدرها 4% سنويا. هدف داعش كان هو تدمير العراق ارضا وشعبا ومسحه من الوجود , وسيكون لا نصب حرية في بغداد , ولا شارع المتنبي , ولا قبر في النجف تبرج قبابه , ولا قبر في الاعظمية يضطجع فيه شيخ الفقهاء , ولا نصب لأبو جعفر المنصور . في هذه الحالة ينطبق المثل العراقي القائل " المال فدى الرجال " , والقروض التي ترتبت على العراق ماهي الا كلفة قليلة لثمن الحرية في العراق والعالم . العالم عاجلا ام اجلا سوف يدرك عظمة وشجاعة وبسالة العراقيين وعشقهم للحرية. الشعب الذي يعطي اكثر من مليون شهيد وجريح سوف لن يقهر , وسوف لن يقبل باقل من أن يكون عظيما .

اعتقد ان من يدير الملف الاقتصادي في العراق هم من أصحاب الخبرة و الكفاءة , و واقعيون . وان قبولهم بتراكم الديون الخارجية على العراق لا يعني الرضا بل الضرورة فرضت عليهم. ومن يقرا تصريحات السيد مظهر محمد صالح , المستشار الاقتصادي للسيد حيدر العبادي سيكتشف سريعا ان الحكومة قد عزمت على صرف جميع الديون الخارجية المستقبلية على مشاريع البنية التحتية . وهذا بالضبط ما يحتاجه البلد الان , وهو الصرف على المشاريع الاستثمارية الذي ينتفع منها المجتمع بكامله, تحسن في كفاءة الاقتصاد الوطني , زيادة في فرص العمل , زيادة في دخل المواطنين , وهذا ما تنشده كل الدول المتحضرة . ان نمو اقتصادي بنسبة 7% في العراق يعني إضافة عشرة مليارات دولار في السنة وهو مبلغ اكثر بكثير من دفع مبلغ 4.2 مليار دولار , كلفة الديون المترتبة عليه .



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google