مليونيات ....
مليونيات ....


بقلم: قحطان اليابس - 25-03-2017
هل تلاشى فعلا عهد الثورات بعد ان ظهرت المليونيات؟ من اخرج تلك المسميات واغرق العامة الصامتة بالشعارات ومن ابدع في تاليف مشاهد تلك المسرحيات وعرضها في الساحات؟ هل يتفكر الناس في ارض السواد لماذا هذا الانقياد ؛لولاة الامر والنعمة؛ الذي اصاب العباد ولماذا تمتلئ ارض العراق بما رحبت بهؤلاء الاسياد أهو ارث او نسب او ختم او عصمة قد توارثت من زمن بعيد في الاماد من صلب الاجداد؟ فأن لم يتفكروا فليسألوا اهل الفكر والحكمة اين الطغاة والاسياد من عهد عاد الم يعودوا الى الاصل تحت التراب فلما كل هذا التمسك والتمني بهم ولما تعقدون عيشكم ومصيركم بمن عصب رأسه بالسواد والبياض فتعمم فتولى عليكم بما يملك من الترفع والسلطة والنعم والرعية في ادقع العيش من السقم فيسلمون لهم تسليما ويبتغون اليهم الوسيلة والفضيلة ويصبحوا بعد ذلك اما من التابعين الموالين او من المقلدين لمن لا ياتيهم الباطل ابدا لان الذي بيده الملك قد جعلهم حبلا ممدودا الى العالمين او من الذي خرج عن حدود ارضه على غير بينة من امره وهدى وصار من الولائيين ومنهم من لا يرى في نفسه الا ان يكون مع جمع المليونيات نفر بلا وعي ولا ارادة فيسير مع التيار ليكون مع السائرين؛ وكل ذلك قد كتب بصراط مسمى ومستديم لئلا تستفيق الملايين من الغفلة والجهل وينقلبون على ما اصابهم من الخراب والفساد والموروث العقيم ويصبحوا بالقيام من الثائرين .
الخطر الاكبر على اهل العراق وشعبه هو الاسلام السياسي وشعاره القادم باق ويتلون بما يحتوية من الاليات السياسية والاعلامية والعسكرية ومن الخلفيات والمرجعيات الدينية التي تحرك هذه الحشود تبعا لمتطلبات المرحلة التي ستعقب اندحار الارهاب مما سيفتح الساحة العراقية للتصارع على السلطة السياسية بواجهة دينية وسيكون من الصعب التكهن بما ستؤول اليه هذه الصراعات وخصوصا انها ستاخذ اتجاهات المحاور شئنا ام ابينا في ظل انعدام اي محور عراقي معارض قادر على تحريك الجمهور بعد ان تمكن الاسلام السياسي من تهميش كل الادوات التي تقف في طريق انتشاره وذلك بامتلاكه القدرة الفاعلة على تحريك الجموع وادخالها في نمطيات الصراع السلطوي بمقاربات مختلفة من الافراط في التحشيد المليوني والديني والاحتجاجي كمظهر من مظاهر المطالبة بالاصلاح والقضاء على الفساد او اغراق المشهد السياسي بالعديد من المشاريع المرتبطة بالسلطة التي تستحوذ عليها الاطراف المتنازعة؛ ورغم كل تلك الاختلافات التي تظهر وكأن المتأسلمون على خلاف شديد الا انهم من المؤكد يرتبطون بمنظومة دينية وبمنهجية متأصلة في الموروث التاريخي وبشكل متعاقب من الاجيال التي تتناقل السلطة الدينية من حقبة الى اخرى وبالتالي فهي باقية ولم تستطيع اي قوة ان تفتت تلك السلطة على مدى التاريخ ولكنها بالتاكيد تتلون حسب البعد الزماني وتركب الامواج الفكرية ومنظومات الحكم الحديثة وباي ثمن كان لكي تحافظ على الهيبة القدسية التي تمكنها من التلاعب بالعقول وتضليل العامة وتعميق مفاهيم التقليد والتبعية والتسليم وبادوات الطقوس الشعائرية او الانتماء الى ما يعرف بالال والعوائل التي ترتبط بهذا المفهوم؛ وبالتاكيد فان هذه المنظومة تسعى الى تفكيك الارادة الوطنية باغراق المجتمع المتدين بالجهل المقدس الذي يمنعه من الانقلاب على كل هذه المتناقضات كون ذلك سيؤدي الى فقدان السلطة الدينية البنيوية كما حصل في اوروبا التي حسمت امرها بتجريد رجال الكنيسة الذين اغرقوها في الظلام لقرون طويلة من اي سلطة على المجتمع؛ ثم وبالتدريج تمكنت الشعوب من التقدم والاستقرار على هوية واحدة ترتبط بالوطن والسلوك الحضاري والانساني المتمدن .
المليونيات اليوم اصبحت ظاهرة وبدعة اطلقتها السلطة الدينية بمختلف مسمياتها سياسية او مرجعية بعد ان اصبحت مطلقة في تحريك العامة وبكل احترافية والغاية من ذلك هي تثبت الوجود واستعراض التبعية والافتخار بذلك استدامة لمشروعها, فالتظاهرات اصبحت مليونية والزيارات مليونية وجمع التواقيع مليونية والمسيرات مليونية وكل ذلك ياتي لعدم قدرة الاسلام ومنذ بعثته والى اليوم على طرح مشروع وضعي ينطلق من قواعد قانونية ثابتة لان ذلك سيؤدي الى تقويض السلطة الدينية والتي تستعرضها النصوص "اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم" والمشكلة هي في ربط الطاعة بالتقديس وهذا يفسر لنا لماذا لم تنهض دولة اسلامية متحضرة بالمفهوم المتعارف علية كدولة وانتجت بدلا من ذلك علماء ورجال دين اعتمدوا الاجتهاد كمشروع ديني فاغرقوا المجتمع بالمليونيات من كتب الفقة والتفسير والتاويل والاحاديث والروايات وعلم الرجال والاصول والعقائد فتكون لدينا موروث جامد لاينتمي الى الواقع وبعيد عن المجتمع مما انتج العديد من الحركات والمذاهب والطوائف والتيارات والمدارس والتي لازالت الى اليوم تخوض في تلك الحلقات المغلقة وتستقطب الملايين من العامة فتتحرك ضمن التبعية والولاية والخلافة وفي الجانب الاخر تنتج طبقة من السادة والشيوخ المعممين وهم قد برمجوا على كيفية التعامل من على المنابر الخطابية مع العقل الجمعي وغلقه بغشاوة الموروث المتخالف مرة وشعائر الطقوس الغريبة مرة اخرى ولا نعلم ماهي المهنة التي يمارسها المعمم وكيف يعيش وهو في عيشة راضية وبهية؛ وفي كل ذلك ستكون الغالبية العظمى من الناس مقيدة ومبلوسة بدون وعي بحيثيات السلطة الدينية ولا تنظر الى حالها ولا تفكر ولو لمرة واحدة مالذي قدمته تلك السلطة من نتاج علمي تطبيقي يخدم المجتمع وعلى مدى القرون الاربعة عشر الماضية والتي جعلت الانسان في خدمة الدين وليس كما هو مفروض من الرسالات الدينية التي بعثت لكي تخدم الانسان وتحرره من التبعية والعبودية والطاغوت.
منذ عام 2003 واحزاب وتيارات الاسلام السياسي تمسك بمواقع القرار في العراق الفوضوي الجديد سياسيا واقتصاديا وشعبويا فلقد اتاح الدستور اليها الحريات المطلقة في الامتداد والانتشار وبواجهات مختلفة ومستندة الى اجندات اصبحت معروفة ولا تمانع من تسميتها علنا؛ والسلطة الدينية قد حشرت ثلاث فقرات في الدستور والتي تخص حرية الشعائر والطقوس الدينية واحترام المرجعية ومكانتها الخاصة والثوابت الدينية وبالطبع صار فكر الدولة هجينا مختلطا وهذا بالتاكيد ادى الى تعاظم مؤسسات الدين وانتشارها وارتفاع حجم الاستثمارات في العقارات والشركات والمطارات وتعاظمت ايضا المردودات المالية وبشكل غير مسبوق واصبحت سلطة مرادفة لسلطة الحكومة وكذلك تنامت الموارد المالية لدى الاحزاب وهذا ساعدها في تعويم المقرات التابعة لها وتاسيس مما لايعد ولا يحصى من المراكز الثقافية وتجمعات الامل والروابط الشبابية والمؤسسات التي لا يعرف من الذي يمولها وبذلك اصبحت العامة من الناس على غير هدى من امرهم بسسب تنامي تلك السلطات وتراجع وضعف الحكومة وهذا بالطبع عين الخراب في بنيوية التاسيس الذي باركته ودعمته واستغلته الاحزاب كغطاء شرعي ديني تستظل به؛ اليوم ومع كل هذه الملايين التي تخرج لتسير في طريق الاصلاح في الزيارات والمظاهرات التي تنادي بالقضاء على الفساد نرى انها لاتخلف غير التفكك والتخندق فليس هناك اي تطوير على المستوى الفكري ولا على المستوى الانتاجي وستبقى في نمطية غسل العقول والتجهيل لئلا يتفجر ذلك السخط العارم والغضب المتنامي على الجميع بسبب الفشل والفساد الاعظم فيما نراه على واقع الحال وقد فاق كل التصورات فالنازحين والمهجرين والمهاجرين والاعانات الاجتماعية وخط الفقر والارامل والمطلقات واليتامى ومساكن العشوائيات والشباب العاطلون عن العمل وتعاطي المخدرات والعصابات الاجرامية المنظمة وتداعيات خطيرة من الفساد في الاموال قد جعلت الشعب على جرف هار من الانحلال وكلها تتحدث عن مؤشرات وارقام مليونية ولا زالت جيوش الاقلام تدافع عن اي حديث ينطلق من السلطة الدينية مهما كان ساذجا وكانه لم يقال من قبل ولا من بعد؛ ولا نفقه ولا نعلم ما الذي يمنع ان تلتقي هذه المليونيات بمسيرة واحدة وتقضي على الفساد والخراب اليس هذا بهين على من يملك امرهم؟ المؤسسة الدينية استطاعت ان تحتوي المظاهرات التي خرجت اول مرة لانها انطلقت بعفوية خارجة عن سيطرتها واستدرجتها الى ان بح صوتها عن الحق بسبب المساومات والابتزاز من الاحزاب الاسلامية التي دعمتها اول مرة وسيكون الوضع بعد الخلاص من الارهاب مهيأ تماما الى الانقلاب التعبوي وهذا سيشكل خطر فادح وحاسم على العراق ما لم تظهر لنا في الافق ثورة فكرية حضارية تنقل المجتمع من المليونيات الظلامية الى المليونيات النورانية .
قحطان اليابس



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google